وبعض الكلمات قبور!

أكَّدت أرملة النجم الكوميدي ونجله الوحيد أن الفنان الكبير الذي رحل أخيراً، كان يشاهد هذا البرنامج الذي استضاف نجماً كوميدياً من جيل تالٍ له، انهال عليه هذا النجم الذي تجاوز مرحلة الشباب، وهو شخصياً بدأ يعاني من تضاؤل حضوره الفني، انهال عليه بالتجريح في شخصه والتقليل من قيمته وإنجازه، رغم أن ذاكرة الجمهور على الساحة العربية لا تزال تحتفظ للنجم الكبير بالكثير.
وعلى أثر ذلك ارتفع صراخ الفنان معلناً الغضب، ثم صمت تماماً، بعد أن أُصِيب بجلطة في المخ أدَّت إلى نقله للمستشفى، ووضعه على جهاز التنفس الصناعي، مضى أقل من أسبوعين ليغادر حياتنا، قرر أقرب الناس إليه أن ينتقموا ممن اعتبروه ضمنياً القاتل، وذلك بإعلان الواقعة بكل تفاصيلها، مما حال بين الفنان والذهاب إلى سرادق العزاء لتقديم الواجب، ومن الواضح أنه كان يخشى ردود الفعل الغاضبة من الأسرة والأصدقاء، ولهذا آثر البقاء في منزله.
السؤال الذي علينا أن نتأمله: هل الفنان وحده المدان؟ أم أننا صرنا فضائياً نلهث خلف من يملك القدرة أكثر على توجيه الشتائم، التي بدورها تحقق رواجاً، غالباً ما يؤدي لكثافة المشاهدة، ومن ثم هرولة وكالات الإعلان، وزيادة حصيلة البرنامج من تلك «التورتة»، وهكذا تكتمل الدائرة، التي تحيلها في نهاية الأمر إلى صفقة تجارية متكاملة الأركان، الفنان الذي تتم استضافته هو آخر تلك السلسلة.
هل الجمهور صار لا يفضل سوى برامج النميمة؟ لا شك أن هذا في جانب منه يعبِّر عن الحقيقة، في العالم كله هناك الصحافة الصفراء، وأيضاً ما نطلق عليه مجازاً «البرامج الصفراء»، التي تلبي حاجة الناس غير المعلنة في التلصص، وهو ما تجده مباشرة في صحافيي «الباباراتزي» المنتشرين عالمياً، ينقلون بالكاميرا أدق تفاصيل الحياة الشخصية للمشاهير. القانون في العالم كله يحافظ على حق الإنسان في إقامة أسوار تمنع اقتحام حياته، ولكن بمجرد انتقال الشخصية العامة لمكان عام تنتفي فوراً تلك الحماية.
برامج الأحاديث الساخنة (الهارد توك)، يتباري خلالها كل مذيع أو مذيعة في إحراج الضيف بانتقاء الكلمات المزعجة والقضايا الشائكة، وكلما نجحت في استفزاز الضيف تحقق الغرض من البرنامج، وتمكنت الأطراف كلها من الوصول للهدف المنشود، وهو جذب القطاع الأكبر من المشاهدين، لضبط ساعتهم على موعد عرض الحلقات. عدد من هذه البرامج يتم خلالها الاتفاق المسبق مع الضيف، لتناول قضايا محددة، وأخرى يمنع الضيف من التطرق إليها، فهي مُعَدّة سلفاً بكل تفاصيلها.
بعضها يعتمد على انتظار رد الفعل، تستضيف فناناً يفتح النيران على زميله، ويرد عليه الثاني في حلقة تالية، ومن الممكن أيضاً أن تجد حلقة ثالثة (رد الرد)، وينتهي الموسم ليولد موسم آخر، بأسماء وقضايا أخرى، والكل يتحرك على صفيح ساخن.
أعتقد أنهم كانوا ينتظرون استضافة الفنان الكبير بعد أن يشاهد الحلقة، لأنه سيصبح صيداً سهلاً؛ فهو سيسعى للرد على مَن أهانه، وسوف يُطلِق بدل الكلمة كلمتين، والصفعة صفعتين، إلا أن الجرعة التي قدموها هذه المرة زادت على الحد، فأودت بحياة الفنان الكبير.
أستعيد بيت شعر لعبد الرحمن الشرقاوي «الكلمة نور - وبعض الكلمات قبور»... وأضيف: وبعض البرامج أيضاً مع الزمن ستُصبح أضرحة!