البيانات المتضاربة تحاصر «الفيدرالي الأميركي»

ترجيحات باستجابة مسؤوليه لـ«التوقعات المنطقية»

TT

البيانات المتضاربة تحاصر «الفيدرالي الأميركي»

مع تصاعد التوتر التجاري وتصاعد الضغوط السياسية، كان من المتوقع على نطاق واسع أمس أن يبقي مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) على أسعار الفائدة دون تغيير، خاصة أن البيانات الاقتصادية تعطي إشارات متضاربة. وبينما لا يزال النمو الإجمالي والإنفاق الاستهلاكي قويين بعد عشر سنوات من التوسع الاقتصادي، فإن هناك تباطؤا للمكاسب في الوظائف، وقطاع المصانع يضعف؛ والتضخم أقل من هدف الفيدرالي البالغ 2 في المائة.
وقبل إعلان الفيدرالي عن توجهاته في وقت متأخر مساء أمس، كان من الواضح أن المسؤولين يهدفون إلى تحقيق مكاسب منخفضة وثابتة في الأسعار، ويرجع ذلك إلى محاولات حماية الاقتصاد الأميركي من الانكماش.
وتصاعد الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين منذ اجتماع الفيدرالي في أوائل مايو (أيار) الماضي، ما يزيد من خطر التباطؤ الاقتصاد في أنحاء أميركا، ورفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب التعريفة الجمركية على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار، بعد أيام فقط من آخر اجتماع لمجلس الاتحادي الفيدرالي، وهدد بفرض ضريبة على واردات إضافية بقيمة 300 مليار دولار إذا لم يتمكن نظيره الصيني شي جينبينغ من التوصل إلى اتفاق، وسيتقابل الزعيمان خلال قمة مجموعة العشرين هذا الشهر، وعند هذه النقطة يمكن أن تتفاقم التوقعات التجارية أو تتراجع.
ورجح أغلب خبراء أن يلوح الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، وأكدوا أن المركزي سيستجيب إلى «التوقعات المنطقية» للسوق بتقريب أسعار الفائدة من مستوى محايد. ولم يخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة منذ أكثر من عقد، لكن الخبراء يرون أنه من الجيد أن يضع مسؤولو الاحتياطي هذه الخطوة في اعتبارهم على المدى القريب. وتضع الحرب التجارية المركزي أمام احتمالات سيئة للاقتصاد الأميركي، لذا فإن المستثمرين يأملون في توضيح سياسة البنك للأشهر القادمة. وتوقع مراقبون أن يكون أول خفض في السياسة النقدية منذ أكثر من عقد نهاية اجتماع يوليو (تموز) المقبل.
وانتقد ترمب مجلس الاحتياطي الفيدرالي نظرا لمعدلات الفائدة المرتفعة للغاية، ورغم ذلك فإنه من الطبيعي أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي - المستقلين عن البيت الأبيض - يتجاهلون هذه الانتقادات.
ولم يقف ترمب عند انتقاده للمركزي، وفي فبراير (شباط) الماضي قدم مكتب مستشار البيت الأبيض مشروعية تجريد جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي من منصبه، بسبب شعور ترمب بالإحباط العام من زيادة الفائدة التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي. وذكرت وكالة بلومبرغ الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) أن ترمب ناقش هذا الأمر مع مستشاريه، وأخبر ترمب باول في مكالمة هاتفية في شهر مارس (آذار) الماضي: «أعتقد أنني عالق معك»؛ وفقا لصحيفة وول ستريت الأميركية.
ورغم الانتقادات، يصر باول على تكرار جملته الشهيرة مؤخرا: «سيتصرف الاحتياطي وفقا لما تؤول إليه الصراعات التجارية لترمب، كونها تهدد التوسع الاقتصادي».
وكانت هذه أول إشارة من باول إلى تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة، خاصة أن احتمالات توسع الحرب التجارية ما زال يصعب التنبؤ بها قبل لقاء الزعيمين في اليابان نهاية الشهر الجاري. وذلك في وقت أصبح توقيت التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة أكثر تعقيدا مع حملة ترمب ضد الفيدرالي، واستعداده لحملته لإعادة الانتخاب العام المقبل.


مقالات ذات صلة

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أشخاص يتسوقون في متجر بقالة في روزميد - كاليفورنيا (أ.ف.ب)

التضخم الأميركي يرتفع في نوفمبر إلى 2.7 % على أساس سنوي

ارتفعت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بأكبر قدر في 7 أشهر في نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
TT

«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)

يعقد «بنك اليابان» آخر اجتماع له بشأن سياسته النقدية لهذا العام الأسبوع الجاري، ليأخذ قراراً بشأن أسعار الفائدة وذلك بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي المتوقع بخفض الفائدة.

فما الذي يمكن توقعه ولماذا يعتبر قرار «بنك اليابان» بشأن الفائدة ذا أهمية خاصة؟

في مارس (آذار) الماضي، أنهى «بنك اليابان» مسار أسعار الفائدة السلبية، ثم رفع هدف الفائدة القصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة في يوليو (تموز)، مشيراً إلى استعداده لرفع الفائدة مرة أخرى إذا تحركت الأجور والأسعار بما يتماشى مع التوقعات.

وثمة قناعة متزايدة داخل «بنك اليابان» بأن الظروف باتت مؤاتية لرفع الفائدة إلى 0.5 في المائة. فالاقتصاد الياباني يتوسع بشكل معتدل، والأجور في ارتفاع مستمر، والتضخم لا يزال يتجاوز هدف البنك البالغ 2 في المائة منذ أكثر من عامين.

ومع ذلك، يبدو أن صانعي السياسة في البنك ليسوا في عجلة من أمرهم لاتخاذ هذه الخطوة، نظراً لتعافي الين الذي ساهم في تخفيف الضغوط التضخمية، بالإضافة إلى الشكوك المتعلقة بسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي قد تؤثر على الرؤية الاقتصادية المستقبلية، وفق «رويترز».

وسيكون القرار بشأن رفع الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) أو تأجيله إلى اجتماع آخر في 23-24 يناير (كانون الثاني) صعباً، حيث سيعتمد ذلك على مدى اقتناع أعضاء المجلس بأن اليابان ستتمكن من تحقيق هدف التضخم بشكل مستدام.

ناطحات السحاب والمباني المزدحمة في طوكيو (أ.ب)

ماذا قال صانعو السياسة في «بنك اليابان» حتى الآن؟

يحافظ صانعو السياسة في «بنك اليابان» على غموض توقيت رفع الفائدة المقبل. وفي مقابلة إعلامية حديثة، قال الحاكم كازو أويدا إن رفع الفائدة المقبل قريب، ولكنه لم يوضح بشكل قاطع ما إذا كان ذلك سيحدث في ديسمبر.

إلا أن المفاجأة جاءت من عضو مجلس الإدارة تويواكي ناكامورا، الذي أشار إلى أنه ليس ضد رفع الفائدة، لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن يعتمد القرار على البيانات الاقتصادية المتاحة.

وبينما يركز «بنك اليابان» على رفع الفائدة بحلول مارس المقبل، تشير التصريحات غير الحاسمة إلى أن البنك يترك لنفسه حرية تحديد التوقيت المناسب لهذه الخطوة.

متى تتوقع الأسواق والمحللون رفع أسعار الفائدة التالي؟

أكثر من نصف الاقتصاديين الذين تم استطلاعهم من قبل «رويترز» الشهر الماضي يتوقعون أن يقوم «بنك اليابان» برفع أسعار الفائدة في ديسمبر. كما يتوقع حوالي 90 في المائة من المحللين أن يرفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة إلى 0.5 في المائة بحلول نهاية مارس 2024.

في المقابل، تقوم السوق بتسعير احتمال رفع الفائدة في ديسمبر بحوالي 30 في المائة فقط.

كيف يمكن أن تتفاعل السوق؟

سيأتي قرار «بنك اليابان» بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، الذي من المتوقع أن يقوم بتخفيض أسعار الفائدة. وقد يؤدي هذا التباين في التوجهات بين المصرفين المركزيين إلى تقلبات في قيمة الين وعوائد السندات.

ومن المحتمل أن يؤدي رفع الفائدة من قبل «بنك اليابان» إلى تعزيز قيمة الين. أما إذا قرر البنك إبقاء الفائدة كما هي، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الين، على الرغم من أن الانخفاض قد يكون محدوداً إذا قامت السوق بتسعير احتمالية رفع الفائدة في يناير بسرعة.

ما الذي يجب أن تراقبه السوق أيضاً؟

بغض النظر عن قرار «بنك اليابان» بشأن رفع الفائدة أو تثبيتها، من المتوقع أن يقدم محافظ البنك أويدا إشارات بشأن المسار المستقبلي لأسعار الفائدة ويحدد العوامل التي قد تحفز اتخاذ هذه الخطوة في مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع.

وإذا قرر «بنك اليابان» الإبقاء على الفائدة ثابتة، فقد يتجنب أويدا تقديم إشارات حادة لتفادي حدوث انخفاضات غير مرغوب فيها في قيمة الين، مع توضيح العوامل الرئيسية التي سيركز عليها في تقييم توقيت رفع الفائدة.

من ناحية أخرى، إذا قرر «بنك اليابان» رفع الفائدة، قد يتبنى أويدا موقفاً متساهلاً لتطمين الأسواق بأن البنك لن يتبع سياسة رفع الفائدة بشكل آلي، بل سيتخذ قراراته بحذر بناءً على الوضع الاقتصادي.

إضافة إلى قرار الفائدة، سيصدر «بنك اليابان» تقريراً حول إيجابيات وسلبيات أدوات التيسير النقدي غير التقليدية التي استخدمها في معركته المستمرة منذ 25 عاماً ضد الانكماش، وهو ما يمثل خطوة رمزية نحو إنهاء التحفيز الضخم الذي تبناه البنك.

محافظ «بنك اليابان» في مؤتمر صحافي عقب اجتماع السياسة النقدية في أكتوبر الماضي (رويترز)

ومن المتوقع أن يستخلص هذا التقرير أن تخفيضات أسعار الفائدة تظل أداة أكثر فعالية لمكافحة الركود الاقتصادي مقارنة بالتدابير غير التقليدية مثل برنامج شراء الأصول الضخم الذي نفذه المحافظ السابق هاروهيكو كورودا.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

إذا رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة، فمن المحتمل أن يبقى على نفس السياسة النقدية حتى أبريل (نيسان) على الأقل، عندما ينشر التوقعات الفصلية الجديدة التي تمتد حتى السنة المالية 2027 لأول مرة.

أما إذا قرر البنك الإبقاء على الفائدة ثابتة، فإن انتباه الأسواق سيتحول إلى البيانات والأحداث الهامة التي ستسبق اجتماع يناير، مثل خطاب أويدا أمام اتحاد رجال الأعمال «كيدانرين» في 25 ديسمبر، وظهور نائب المحافظ ريوزو هيمينو في 14 يناير.

ومن المرجح أن يقدم تقرير «بنك اليابان» ربع السنوي عن الاقتصادات الإقليمية، الذي سيصدر قبل اجتماع 23-24 يناير، مزيداً من الوضوح لأعضاء مجلس الإدارة بشأن ما إذا كانت زيادات الأجور قد انتشرت على نطاق واسع في أنحاء البلاد.