ازدهار صناعة تحويل المباني التاريخية إلى سكنية وسط مانهاتن الأميركية

تعدّ منطقة مانهاتن في عاصمة المال والأعمال الأميركية مدينة نيويورك، من أكثر المناطق العالمية حيوية وحركة، حيث يشكّل وسط مانهاتن بؤرة المؤسسات المالية في نيويورك، في الوقت الذي يتحول فيه إلى وجهة ثقافية جديدة، خصوصاً مع استثمار أكثر من 30 مليار دولار في العقارات والبنية التحتية خلال العقد الماضي وحده.
وبحسب تقرير صدر مؤخراً، فإن هذه المنطقة التاريخية استطاعت استقطاب مجموعة من الصناعات المبتكرة، مما أسفر بدوره عن ازدياد عدد سكانها بثلاثة أضعاف، حيث اشتهر وسط مدينة نيويورك بوجود المراكز والمؤسسات التعليمية المرموقة، وأماكن عالمية الطراز للتسوق وتناول الطعام، ووفرة من المساحات الخضراء في الهواء الطلق مع 84 فداناً من الحدائق والمساحات المفتوحة.
وبعدما جرى تغيير وجه استخدام المباني الإدارية وناطحات السحاب على طول «وول ستريت» و«برودواي» لتصبح أبراجاً سكنية، باتت المنطقة تؤوي الآن 62 ألف نسمة.
ويعد مبنى «وان وول ستريت» وهو المبنى السابق لمصرف «إيرفينغ ترست» الكائن غرب بورصة نيويورك و«برودواي»، أحد أشكال عملية التطوير في مانهاتن، حيث يخضع لأكبر عملية تحويل من مبنى إداري إلى مبنى سكني في تاريخ مدينة نيويورك، ومن المزمع أن تكتمل العملية في عام 2020، وعملت عليها شركة «ماكلوي بروبرتيز»، التي أعادت تطوير المبنى المؤلف من 51 طابقاً ليضمّ 556 منزلاً؛ يتراوح بين شقق استوديو، وشقق مؤلفة من 4 غرف نوم، إلى جانب مسكن «بنتهاوس».
وتقع تلك الشقق في المبنى الأسطوري الذي أنشئ عام 1930 من وحي الـ«آرت ديكو»، والذي يعود للقرن العشرين من تصميم رالف ووكر، والمهندس المعماري الحائز لقب «مهندس القرن» من «نيويورك تايمز».
وقال ريتشارد دوبرو، مدير التسويق في «ماكلوي بروبرتيز»: «دائماً ما تشكّل المزاوجة بين القديم والجديد تحدياً صعباً عند إعادة تطوير المباني التاريخية. وعندما يتعلق الأمر بترميم معلم أسطوري في نيويورك، فإنه ينبغي أن تتفق مختلف الوكالات وأعضاء المجموعات الموجودة في مجتمع المدينة على طرح إعادة التطوير بغية تنفيذ المشروع بنجاح».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من جهة أخرى؛ تضمنت إحدى العمليات الرئيسية هدم 30 مصعداً وسلّماً داخلياً لإعادة بناء 10 مهاوٍ جديدة مخصصة للمصاعد تقع جميعها في وسط المشروع لتحسين المخطط والإنارة والتهوية لكل من الوحدات البالغ عددها 566 في المبنى. وكان لا بدّ من تنسيق عملية الهدم هذه تدريجياً؛ إذ توجب إكمال السلالم الجديدة قبل إزالة السلالم القديمة، مما أتاح بدوره بناء مهاوٍ جديدة للمصاعد وإنشاء فتحات نوافذ جديدة مقابل (نيو ستريت) و(إكستشينج بليس)».
وأضاف: «ولدى ترميم غرفة (ريد روم) التاريخية في المبنى، والتي كانت غرفة الاستقبال في الطابق الأرضي للمبنى والقاعة المصرفية الرئيسية لشركة (إيرفينغ ترست)، توجب الحفاظ على الطابع التاريخي للغرفة، بالتالي، تطلّب ترميم فسيفساء زجاجية قياسها 5 آلاف قدم مربعة استقدام مواد من شأنها أن تكمل وتحافظ على اللمسات الموجودة، فضلاً عن الاستعانة بخبراء فسيفساء متمرسين ممن يملكون المهارات والخبرات الكافية للتعامل مع الجدران والأسقف. بلغت تكلفة الترميم نحو مليون دولار وأكثر من 3 آلاف ساعة عمل».
وحول حجم الوحدات وسعرها في «وان وول ستريت»، قال دوبرو: «سيتوفّر 566 (استوديو) وشقة مؤلفة من 4 غرف نوم مع مسكن (بنتهاوس) واحد، حيث تبدأ الأسعار من 960 ألف دولار».
من جهته، قال شون أوشر، المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة «كور» ووكيل المبيعات لـ«وان وول ستريت»، إن «عوامل الجذب في المشروع مرتبطة بتطوّر وسط مدينة مانهاتن ليصبح منطقة نابضة بالحياة تعجّ بالمطاعم العالمية، والمساحات العامة الفسيحة، والمتاجر الجديدة، والمؤسسات التعليمية المرموقة، فضلاً عن مجموعة من شركات التكنولوجيا، والإعلام، والإعلان والمعلومات مثل (كوندي ناست) و(سبوتيفاي)».
وأضاف: «كان وسط المدينة فيما مضى مركزاً للمؤسسات المالية فقط في نيويورك، ثم جرى استثمار أكثر من 30 مليار دولار في البنية التحتية خلال العقد الماضي وحده لتحويل المنطقة إلى سوق عقارات جاذبة للشارين مع إطلالات على الواجهة البحرية».
وحول تطوير سوق العقارات السكنية في نيويورك، قال أوشر: «يشهد وسط مدينة نيويورك نمواً سكنياً مطّرداً؛ حيث ازداد عدد السكان 3 أضعاف منذ عام 2000 بفضل استثمار المدينة 6.4 مليار دولار في ترقية البنية التحتية، الخاصة بالنقل، وتوافد شركات التكنولوجيا، والإعلام، والإعلان والمعلومات».
وأضاف: «ما ساهم في تسهيل حدوث ذلك النمو كان تحويل وجهة استخدام المباني الإدارية وناطحات السحاب مثل (وان وول ستريت) لتصبح أبراجاً سكنية تقدّم نمطاً جديداً من العيش في هذه المنطقة التاريخية بنيويورك. أما اليوم فباتت المنطقة تؤوي أكثر من 62 ألف شخص».
وقال: «يُعدّ (وان وول ستريت) عنواناً استراتيجياً يحمل طابعاً مميّزاً في تاريخ مدينة نيويورك وأفقها، وسيقدّم المبنى أكثر من 100 ألف قدم مربعة من المرافق السكنية، و170 ألف قدم مربعة من مساحات التجزئة المنتشرة على أكثر من 6 طوابق، بما في ذلك سوبر ماركت (هول فودز)، وواحد من أكبر المنتجعات الرياضية في مدينة نيويورك، (لايف تايم)».
وأضاف: «علاوة على ذلك، يوفّر (وان وول ستريت) فرصة الشراء في مشروع تابع لشركة (ماكلوي بروبرتيز)، وهي شركة تُعرف بتصميم وتنفيذ مشاريع تحوّل وجه نيويورك؛ بدءاً من مجمّع (بارك أفنيو 432) وصولاً إلى متجر (آبل) الرائد والكائن في (فيفث أفنيو بلازا) التي تضم مبنى (جنرال موتورز)».
وقال: «يتيح مشروع (وان وول ستريت) أن تدخل مدينة نيويورك صفحات التاريخ في أكبر مشروع حتى اليوم، حيث إنه يرمي إلى تحويل مبنى إداري إلى مبنى سكني، فضلاً عن الإقامة في أحد أشهر شوارع نيويورك وحول العالم، حيث سيتمتّع السكان بتجربة تسوّق وتناول طعام من الطراز العالمي، بالإضافة إلى أكثر من 84 فداناً من الحدائق والمساحات المشرّعة في الهواء الطلق في واحد من العناوين السكنية الأكثر جاذبية في وسط مدينة مانهاتن».
وصُمم «وان وول ستريت» ليلبي حاجات قاعدة سكانية متنامية وميسورة في وسط المدينة، حيث سيقدّم مساحة تجزئة ممتدة على 174 ألف قدم مربعة تتّسع لثمانية متاجر، من أجل إضافة مركز تسوّق جديد إلى أحد أشهر شوارع المدينة؛ «وول ستريت».
وأعلنت «ماكلوي» في مطلع عام 2019 أنّ شركة «لايف تايم» ستشْغل 74 ألف قدم مربعة من مساحة التجزئة. وكان هاري ماكلوي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة «ماكلوي بروبرتيز»، قال في وقت سابق: «تسعى شركة (ماكلوي) في تنفيذ مشروع (وان وول ستريت) إلى إضفاء روح جديدة على هذا المبنى المعماري المميّز بهدف تلبية حاجات فئة جديدة من السكان الذين ينوون الانتقال إلى وسط المدينة. سوف يصبح (وان وول ستريت) عنوان السكن الأكثر جاذبية في نيويورك؛ إذ إنّه سيساهم في دخول الحي حقبة جديدة من النهضة المعمارية والثقافية».
ومنذ عام 2005، تمّ استثمار 6.4 مليار دولار في البنية التحتية للمواصلات في المنطقة، مما أفضى إلى إضافة 12 خطاً جديداً لمترو الأنفاق، و30 مساراً للحافلات، و20 مساراً للعبّارات، و28 محطة للدراجات الهوائية، فضلاً عن مشروع «أوكولوس» من تصميم المهندس المعماري الإسباني سانتياغو كالاترافا بقيمة 4 مليارات دولار، وهو محطة سكة حديد تحت الأرض ومركز تسوق مغمور بالضوء.
وشهد عام 2018 طرح ما مجموعه 1300 وحدة سكنية جديدة وسط نمو سكاني مزداد وتهافت الطلب على الاستئجار. ويضمّ مجمّع «وان وول ستريت» 19 مبنى سكنياً قيد البناء في هذه المنطقة من نيويورك.