حكومة عادل عبد المهدي بانتظار موجة جديدة من الاحتجاجات

TT

حكومة عادل عبد المهدي بانتظار موجة جديدة من الاحتجاجات

تتناسب حالة الغليان المناخي في فصل الصيف بالعراق، طردياً مع حالة الغليان الشعبي الناجم عن تردي الخدمات وفي مقدمتها التراجع الحاد في معدلات تجهيز الطاقة الكهربائية للسكان. ورغم البيانات المتكررة التي تصدرها وزارة الكهرباء بشأن زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية هذا العام ووصولها مستويات غير مسبوقة تصل إلى معدل 18 ألف ميغاواط، وبمعدلات تجهيز نحو 20 ساعة في اليوم، إلا أن ذلك لم ينعكس على شكل مكاسب ملموسة بالنسبة إلى المواطنين العاديين، نظراً إلى المشكلات الفنية التي يعانيها قطاع الكهرباء وتزايد الحاجة على الطلب كل عام تقريباً. ومع حلول شهر يونيو (حزيران) والتصاعد الجنوني في درجات الحرارة (تصل إلى نحو 50 درجة مئوية)، يشتكي كثير من العراقيين، خصوصاً في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب من ضعف التجهيز في الطاقة الكهربائية وانخفاض معدلاته، وجراء ذلك يتوقع أن تواجه حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال الأيام القريبة المقبلة موجات جديدة من الاحتجاجات، خصوصاً في محافظات الوسط والجنوب، مثلما كانت عليه الحال دائماً في السنوات الأخيرة. بدوره، عزا وزير الكهرباء لؤي الخطيب، أمس، تراجع ساعات تجهيز الكهرباء لبعض المناطق إلى وجود مشكلات في خطوط النقل والتوزيع. ونقلت صحيفة «الصباح» شبه الرسمية، عن الخطيب قوله: إن «مقدار الطاقة الكهربائية المنتجة في العراق حالياً تكفي لتوفير 20 ساعة تشغيل يومياً كحد أدنى لأغلب محافظات البلاد، غير أن المشكلة تكمن في خطوط النقل والتوزيع وليس في الإنتاج».
وأضاف الخطيب أن «الحرب على الإرهاب أثّرت في المنظومة، ودمّرت 25% من الطاقة الإنتاجية، و18% من خطوط النقل، إلى جانب شبكات التوزيع التي دُمّرت في أربع محافظات ما أثقل كاهل المنظومة بشكل عام»، مشيراً إلى أن «إنشاء شبكات ذكية للبلاد من شماله إلى جنوبه يحتاج إلى مبالغ كبيرة تصل إلى ما يقارب 20 مليار دولار لتطوير شبكات التوزيع فقط».
وإذا كان الناشطون المتذمرون في بغداد لم يحددوا موعداً لانطلاق مظاهراتهم الاحتجاجية، يبدو أن ناشطي البصْرة حسموا أمرهم وقرروا الترويج لموجة احتجاجات جديدة عنوانها «البصْرة تكمل الثورة» وحددوا تاريخ 22 يونيو الجاري موعداً لها. كما أطلقوا هاشتاغات: «راجعليكم» و«هنا البصْرة» و«ثورة الغضب».
وتعبير «تكمل الثورة» إشارة إلى استكمال ما قام به البصْريون منذ سنوات احتجاجاً على سوء الخدمات والفساد وانعدام فرص العمل أمام الشباب العاطلين، وبلغت الاحتجاجات البصْرية ذروتها في الصيف الماضي، حيث أحرق المحتجون مقرات الأحزاب السياسية و«الحشد الشعبي» ومبنى القنصلية الإيرانية.
ويتوقع الناشط البصْري نائل الزامل انطلاق موجة الاحتجاجات البصْرية في موعدها المحدد في ظل التردي المتواصل في ملف الخدمات. لكنه حذّر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من «استثمار بعض الجهات الحزبية لمطالب الجماهير المحقة لتحقيق أهدافها السياسية وليس أهداف المتظاهرين».
ويشير الزامل إلى أن «الخدمات أفضل مقارنةً بالعام الماضي، لكن ذلك غير كافٍ، فمسألة تلوث المياه عالجتها موجة الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال فصل الشتاء ولم تحلها السلطات المحلية، لكن مشكلة البطالة بين صفوف الشباب ما زالت دون حل، وهي الدافع الأكبر لخروج المظاهرات هذه المرة».
وكشف عضو مجلس البصْرة حيدر الساعدي، أول من أمس، عن عزم المجلس استجواب محافظ البصْرة تمهيداً لإقالته. وأوضح في بيان، أن «هناك رغبة لدى الكثير من أعضاء المجلس للتوقيع على الاستجواب بعد تدهور الملف الخدمي والتدهور الحاصل في ملف الكهرباء»، مشيراً إلى أن «غضب الشارع البصْري ينذر بعودة المظاهرات والاحتجاجات ومن المحتمل خلال أيام خروج مظاهرات للمطالبة بالخدمات وملف التعيينات». وفيما دشن غاضبون في محافظ القادسية أول مظاهرة احتجاجية على تردي الخدمات أول من أمس، وجه محافظ المثنى أحمد منفي، والتي تبعد مسافة 280 كيلومتراً جنوب غربي بغداد، أمس، رسالة إلى الحكومة الاتحادية ووزارة الكهرباء، هدد فيها من «نفاد صبر» المحافظة نتيجة التردي في التيار الكهربائي.
وقال منفي إن المثنى «أفقر محافظة عراقية من حيث مستويات المعيشة حسب إحصاءات وزارة التخطيط»، وأضاف في رساله نشرها ديوان المحافظة أن «هناك سكوتاً من قبل الحكومة الاتحادية تجاه محافظة المثنى»، فيما يتعلق بأوضاع الطاقة الكهربائية في المحافظة، مشدداً على أن «المحافظة ليست حقلاً للتجارب من قِبل وزارة الكهرباء، الصبر له حدود، ومن غير الممكن أن يسكت أبناء المحافظة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.