«إيست إند» لندن: حي المأكولات اللذيذة من أنحاء العالم

«إيست إند» لندن: حي المأكولات اللذيذة من أنحاء العالم
TT

«إيست إند» لندن: حي المأكولات اللذيذة من أنحاء العالم

«إيست إند» لندن: حي المأكولات اللذيذة من أنحاء العالم

مهما كان الأمر، لا تتناول وجبة الإفطار مقدماً. هذه نصيحة تقدمها شركة «Eating London Food Tours» التي تُعرِّف السائحين على الأطباق الألذ طعماً في العاصمة البريطانية.
تحظى جولة الشركة في منطقة «إيست إند» (الطرف الشرقي) في لندن بشعبية خاصة، وسرعان ما سيشعر كل مشارك بالسعادة للاستماع إلى هذه النصيحة.
توفر مطابخ هذا الحي الذي كانت تسكنه الطبقة العاملة في الماضي جميع أنواع المأكولات اللذيذة من جميع أنحاء العالم. لا تدمر شهيتك بتناول وجبة فطور عادية في الفندق.
اليوم، يُعد «إيست إند» أحد أرقى الأحياء في لندن، وهو يقع شمال شرقي «مدينة لندن»، حي المال التاريخي بالعاصمة البريطانية.
ولكن، ولفترة طويلة، كان الحي واحداً من أفقر أحياء المدينة، وموطناً لعمال الميناء القريب. وكانت الرياح تحمل الأبخرة العفنة للمدينة عبر الشوارع الضيقة، وكانت الحياة تتسم بالقذارة والحرمان.
ومنذ افتتح تاجر التحف الفنية جاي جوبلينج معرضه «وايت كيوب» في ميدان هوكستون عام 2000، أصبحت منطقة «إيست إند» في حالة تحول دائمة.
واليوم، تشتهر منطقة «إيست إند»، خصوصاً الجزء المعروف باسم «Shoreditch» - بالحانات والأندية والمطاعم ومحلات الأزياء الراقية. ومن الصعب على عشاق الطعام الجيد أن يحددوا من أن يبدأوا.
وهناك شيء واحد فقط يجب أن يتذكره المرء: «لا تقف أبداً على الرصيف، وإلا انتاب الناس حالة من الجنون». هذه نصيحة جيسيكا أونيل، التي تقود واحدة من جولات الطعام المنتظمة العديدة، عبر «إيست إند».
وُلدت أونيل في كندا، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في تاريخ الفن وتعيش في لندن منذ ستة أعوام. ومثل كل شخص في هذه المدينة، هي دائماً في عجلة من أمرها. تتحدث أونيل إلى المشاركين في الجولة عن تاريخ المنطقة. والمحطة الأولى هي «بريك لين». وعلى امتداد هذه الطريق التي يبلغ طولها كيلومتراً واحداً، فتح كثير من المهاجرين من الهند وبنغلاديش مطاعم.
وتوضح أونيل أن هناك أربع موجات رئيسية من الهجرة إلى «إيست إند»، كانت الأولى في عام 1685، عندما بدأ الهوغونوتيون «أعضاء كنيسة فرنسا الإصلاحية البروتستانتية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر» التوافد من فرنسا. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، استقر نحو 100 ألف يهودي من الأشكيناز في المنطقة. وأثناء حرب بنغلاديش في عام 1971، فرّ كثيرون من المسلمين من ديارهم، وانتهى بهم الأمر في «إيست إند» أيضاً. لقد أحضروا بهاراتهم ووصفاتهم من شبه القارة الهندية إلى لندن، وقبل كل شيء إلى Brick Lane.
أما الموجة الرابعة... وتتوقف أونيل. «الهيبستر!» وتقول إن أعضاء هذا الفريق لا توحدهم الخلفية العرقية أو الدينية المشتركة، ولكن الشعور بالريادة.
وعندما يحين وقت الإفطار الثاني: هناك خبز بيغل - أسطورة لندن. طابور طويل من الناس ينتظرون الخبز على الرصيف في الخارج. من الأفضل أن تكون قد قررت بالفعل ما تريد عندما تصل إلى مقدمة الطابور.
وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن «إيست إند» في لندن تُعتبر دليلاً حيّاً على أن الثقافات المختلفة التي تعيش جنباً إلى جنب تجعل المدينة تنبض بالحياة.
ويقع في زاوية شارع «بريك لين اند فورنير» أحد أقدم مباني المنطقة، ويعود تاريخه إلى عام 1743، لقد كان في الماضي كنيساً يهودياً، ثم تحول إلى كنيسة كاثوليكية، وصار اليوم مسجداً، وهو رمز للتنوع في المنطقة ولجميع التغييرات التي مر بها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».