«علاء الدين» الجديد يستوحي من الماضي ولا يمزح

مارده ول سميث أنجز 256 مليون دولار من عروضه في 10 أيام

ول سميث يلعب شخصية المارد في «علاء الدين»
ول سميث يلعب شخصية المارد في «علاء الدين»
TT

«علاء الدين» الجديد يستوحي من الماضي ولا يمزح

ول سميث يلعب شخصية المارد في «علاء الدين»
ول سميث يلعب شخصية المارد في «علاء الدين»

معظم المرّات التي يتم فيها ذكر اسم علاء الدين، تتم وفي البال حكايات «ألف ليلة وليلة». تبدو مغامرات هذا الشاب المفتون بالأميرة حباً والذي يفوز بيدها منتقلاً من الفقر الشديد إلى الثراء الكبير بفضل فانوس وجده في كهف تحت الأرض. إذ يفرك الفانوس يخرج منه مارد من دخان يقول له «شوبيك... لبيك... عبدك ما بين إيديك» أو أي شيء مماثل من هذا القبيل. شيء يعكس روح الامتنان من المارد لسيده الذي أخرجه من ذلك القمقم الصغير.
لكن المارد يداوم العودة إليه بعد تحقيق كل طلب وما على علاء الدين إلا أن يفرك الفانوس مرّة واحدة حتى يعود إليه المارد بالاستعداد نفسه.
إذ تكنى الحكاية الآسرة بمؤول «ألف ليلة وليلة» (المسمّى أجنبياً «ليالي عربية» هناك التباس في أصولها الفعلية). لغاية الكشف عن الأصل وضع المؤلف باولو لرنوس أورتا كتاباً قبل عامين سمّاه «لصوص رائعون» تحدث فيه عن أصول علاء الدين كرواية ليجد أن الحكاية تعود إلى المؤلف أنطوان غالاند الذي ضم الحكاية إلى ما ترجمه من حكايات «ألف ليلة وليلة» ما بين 1704 و1717؛ ما يعني أن الرواية لم تكن موجودة بالعربية أساساً، بل أضيفت.
بصرف النظر عما إذا كان هذا صحيحاً أم لا، فإن من وضع كلمتي «علاء الدين» اسماً للشخصية يفهم العربية لأنه لم يشتق الاسم من أسماء سهلة التداول آنذاك (كما اليوم) مثل عمر وأحمد أو عبد الله. كذلك، فإن موقع الأحداث انتقل من منطقة مسلمة إلى بغداد ذاتها، وربما ساعد في ذلك حقيقة أن حكاية «لص بغداد» وقعت هناك أيضاً.
فصول صراع
على الشاشة يلحظ المرء مزجاً متعدداً بين حكايتي «علاء الدين» و«لص بغداد»، ويمكن إضافة فيلم «مغامرات الأمير أحمد» إلى المزج، وهو فيلم كرتوني طويل (الأول من نوعه) تم تحقيقه في ألمانيا سنة 1926 على يدي الفنانة لوتي راينجير.
لكننا نلحظ كذلك قدم المحاولات التي جرت لتقديم شخصية علاء الدين على الشاشة. ففي سنة 1899 قام البريطاني جورج ألبرت سميث بتصوير حكاية من نحو دقيقة ونصف الدقيقة تحمل عنوان «علاء الدين والمصباح العجيب». وهناك نحو عشرة أفلام صامتة أخرى تم تحقيقها في تلك الفترة أفضلها للمخرج ألبرت كابالاني سنة 1906 الملوّنة - آنذاك - باليد.
إنجاز كابالاني الآخر يكمن في أنه حاول بالفعل سرد حكاية كاملة وغير مختصرة في أقل من خمس دقائق كما كان الدارج حينها. في مطلع الفيلم نرى علاء الدين نائماً وأمّه توقظه. ننتقل في نقلة مفاجئة إلى حيث يلتقي علاء الدين بالأميرة التي سيدافع عنها بعد قليل. فجأة هناك ساحر مقرّب من القصر. يقود علاء الدين إلى البرية، حيث يطلب منه النزول في حفرة يرفع الساحر غطاءها بأعجوبة (تروكاج). ينصاع علاء الدين ليجد نفسه فيما يشبه القصر تحت الأرض. هنا يستخدم الفيلم طاقته القصوى في الخدع والمؤثرات؛ فهناك جرار وتماثيل مسحورة تدب فيها الحياة فتتحرك. لكن علاء الدين لا يضيّع وقتاً، بل يتقدّم إلى المصباح ويأخذه من مكانه. يحاول الساحر إقناعه بتسليمه المصباح مقابل مساعدته في الخروج من الحفرة، لكن علاء الدين - متوجّساً الخديعة - يُمانع فيغلق الساحر فوهة الحفرة عليه. يدور علاء الدين محتاراً في مكانه ومن دون قصد يفرك المصباح فيخرج منه جني صغير وهذا يخرجه من الحفرة. فيعود علاء الدين حاملاً المصباح إلى أمّه ويطلب العفريت ثانية، فيخرج له هذه المرة مارق عملاق يمنحه الملابس والطعام والذهب ويحوّله من فقير مدفع إلى غني.
هناك تفاصيل أخرى ونهاية مفاجئة وفصول من الصراع على المصباح بين علاء الدين والساحر وديكورات مكلفة وموحية من بنات أفكار ذلك الحين، وكل هذا في _12 دقيقة. وكم هو مثير أن الفيلم الجديد للمخرج البريطاني غاي ريتشي شبيه بذلك القديم إذا ما حررناه من البدع المتطوّرة لفن المؤثرات واكتفينا بمعاينة القصّة وحدها. الحكاية قد تتمدد، وقد تضيف إليها أحداثاً كثيرة، لكنها ستبقى على حبكتها وأحداث تلك الحبكة الأساسية التي قدمتها السينما في نحو خمسين فيلماً آخر منذ تلك الفترة الصامتة وحتى اليوم.
في نسخة وولت ديزني الجديدة (النسخة الأولى لها منذ سنة 1992 عندما قدّمت النسخة الكرتونية المغضوب عليها لإهاناتها) هناك اللص الفقير علاء الدين الذي يستعين به الشرير جعفر لاستخراج الفانوس، لكن في نيته الحصول على الفانوس ودفن علاء الدين تحت الأرض. هذا يرفض تسليم الفانوس إلى أن يخرج أولاً من المكان. جعفر يقرر دفنه والفانوس معاً، لكن المارد لا ينقل علاء الدين من تحت الأرض إلى فوقها، بل من الفقر إلى الجاه والعز، ويساعده طوال الوقت على مقارعة الأشرار وإنقاد السلطان والفوز بابنته التي أحب.
التشكيلة التي تكوّن الشخصيات هنا مثيرة للاهتمام. خليط عربي وهندي ومن قوميات أخرى يفوزون بالأدوار الناطقة. علاء الدين هو المصري مينا مسعود، والأميرة هي الكندية ذات الأصول الهندية ناوومي سكوت، وجعفر هو الممثل التونسي الأصل مروان كنزاري، وهناك أسماء أخرى كثيرة مثل أمير بطرس ونعمان عكار وإيليان زكريا و(الهندي) عامر شذا باتل وعمر عبيدي ونينا وديعة وسواهم.
في الواقع النجم الوحيد بين كل ممثلي الفيلم هو الأفرو - أميركي ول سميث الذي ينتزع بسهولة الاهتمام كون صانعي الفيلم أحاطوه بالأولوية التي تفرضها نجوميته. وهو هنا لا يمثل بقدر ما يؤدي وظيفة. في الوقت ذاته غاي ريتشي لا يخرج الفيلم، بل يوزّع ما فيه من مشاهد حسب معادلات تنفيذية تجعل العمل أقرب لدرس في المؤثرات ومناسبة لمقارنته بالأفلام السابقة المنضوية تحت اسم «علاء الدين». ولا بأس أن بدأت المقارنة مع نسخة ديزني ذاتها سنة 1992 فعلى الرغم من إهانتها للمسلمين والعرب، تبقى أكثر قدرة على الترفيه إذا ما نظرنا إليها كعمل فني.
بعض لحظات الفيلم الجديد تخرج عن ميكانيكية الحركة والتنفيذ تمثيل الشخصيات الرئيسية يحمل الكثير من الامتثال والقليل من الإبداع حتى بالنسبة لوِل سميث.
يحاول «علاء الدين» الجديد أن يتحاشى الألغام التي داس عليها الفيلم السابق، وهذا جيد. لكنه لو أضاف بعض ما ورد في تلك النسخة الكرتونية من أجواء ساحرة لخرج من القمقم الذي حشر نفسه فيه. بكلمات موجزة ليس عند الفيلم الجديد أي نية ليحافظ على المزحة والنكتة والتعامل مع الخيال كخيال فقط.
لمن لم يشاهد الفيلم السابق يبدو ما سبق نوعاً من التجني. اللحظات المثيرة القليلة التي تحدثنا عنها ربما تمتد أكثر لمشاهد راض بالبصريات والمكنونات الغرائبية وخدع المؤثرات الخاصة. لكن ريتشي، الذي أنجز للشاشة مغامزات مبتكرة لشرلوك هولمز، هو آخر من يهتم للمضمون ويعرف تماماً أن عليه تلبية الصورة الذهنية التي وضعها التمويل لهذا الفيلم، وبالتالي تحقيق الفيلم المطلوب من قِبل الجمهور العريض. وهو لم يخيب الآمال هنا إذ أنجز 256 مليون دولار من عروضه حول العالم في عشرة أيام.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز