العراق يدرس خطة تحرك مع دول الجوار لنزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران

ظريف يقضي «ليالي العشر الأواخر» بين النجف وكربلاء

TT

العراق يدرس خطة تحرك مع دول الجوار لنزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران

في وقت تنهمك فيه بغداد في وضع خطة تحرك إقليمي - دولي من أجل نزع فتيل التوتر الحالي بين أميركا وإيران، يواصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارته إلى العراق. وفي تغريدة له، وصف ظريف مباحثاته واللقاءات التي أجراها مع القادة العراقيين في العاصمة بغداد بـ«البناءة»، مبيناً أنه عقد «اجتماعات بناءة وموضوعية مع الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وقيادة ائتلافين برلمانيين في هذا البلد».
وقريباً من بغداد، يحيي ظريف الليالي العشر الأخيرة من رمضان في مدينتي كربلاء والنجف دون أن يتم الإفصاح عما إذا كان أجرى لقاءات مع أي طرف رسمي أو التقى بأي من المراجع أو رجال الدين هناك.
وفي حين تتباين الرؤى والمواقف داخل الوسط السياسي العراقي بشأن ما إذا كان العراق يستطيع القيام بدور الوساطة بين أميركا وإيران، فقد أعلنت رئاسة الجمهورية عدم وجود مشروع وساطة عراقي حالياً. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة العراقية، لقمان فيلي، في تصريح إن «العراق بوصفه بلداً محورياً بجغرافيته وواقعه وعلاقته مع محيطه ودول العالم، مؤهل لأن يتحرك على أكثر من جهة ويتواصل مع الأطراف، من أجل حفظ أمنه». وأضاف: «لا يوجد مشروع وساطة عراقية بين الولايات المتحدة وإيران، لكن هناك تواصلاً عراقياً مع كلا الطرفين وباقي دول المنطقة، وتجسد هذا الأمر بزيارة رئيس الجمهورية برهم صالح إلى دول المنطقة وزيارته القريبة إلى كل من تركيا والسعودية، من أجل تقليل التوتر وإعطاء صورة واضحة من أجل الحفاظ على أمن العراق والتواصل مع دول الجوار»، مبيناً أن «التواصل العراقي هو من أجل تبيان تأثير التصعيدات الأخيرة وتداعياتها على العراق ودول المنطقة، والسعي لتقريب وجهات النظر قدر الإمكان».
وكانت الرئاسات العراقية الثلاث وضعت الأسبوع الماضي خطة تحرك شاملة إقليمياً ودولياً للتعامل مع الأزمة. وأكدت الخطة التي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها أن «مصلحة العراق العليا والمنطقة تقتضي أن يكون ساحة لتوافق المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة، ومن مصلحة العراق العمل مع شركائه في دول المنطقة على إنشاء منظومة إقليمية مبنية على المصلحة الأمنية المشتركة والتكامل الاقتصادي مع جواره الإسلامي وعمقه العربي، ويستند على مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. فالعراق بموقعه الجغرافي والسياسي وبموارده وثرواته يمكن أن يكون جسراً لتواصل والتقاء مصالح دولنا وشعوبنا»، وأنه «من هذا المنطلق سيبادر العراق إلى التواصل مع دول الجوار والأشقاء لإيجاد إطار لحوار دوري حول المشكلات الإقليمية، وتكريس التعاون ما بين دول المنطقة وتخفيف التوتر فيها والحيلولة دون تفاقم المشكلات».
وبشأن ما إذا كان العراق مؤهلاً للعب دور الوساطة، يقول عضو البرلمان العراقي عبد الله الخربيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «العراق وسيط مقبول؛ بل هو وسيط مجبول على هذه الوساطة سواء من قبل طهران أو واشنطن»، مبيناً أن «وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والإيراني ظريف زارا العراق، وتحدثا بوضوح مع القيادة العراقية بشأن التهدئة وتخفيف حدة التوتر، ونقل الرسائل بين الطرفين، وكل هذه الأمور تدخل في باب الوساطة في الأزمات الدولية». وأوضح الخربيط أن «الطرفين يريدان من العراق القيام بهذا الدور لكي يتجنبا الأزمة التي لا يريدها كلاهما». من جهته، أكد الدكتور عامر حسن فياض، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر المهم في الأزمات الدولية هو أنه يتعين على كل طرف أن يعرف حجمه ويتصرف في ضوئه، لأن معرفة الحجوم أساس للتعامل مع الأزمات». وأضاف فياض أن «العراق يقف في المنتصف بين إيران وأميركا، وهو في واقع الأمر ليس طرفاً فاعلاً في الخصومة بين الطرفين، ولكن عليه أن يتجنب أن يكون طرفاً مفعولا به، وبالتالي فإن أفضل طريق هي أن يعلن موقف الوسيط أو المهدئ للأزمة قدر الإمكان، لأن أي صدام ستكون ساحته العراق».
وأوضح فياض أن «المشكلة في العراق هي تعدد الولاءات بين الأطراف المختلفة؛ فهناك موالون لإيران، وهناك موالون لأميركا، وهو أمر ينعكس بالضرر على العراق دولة وشعباً». وحول العرض الإيراني بتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع دول الجوار، قال فياض إن «هذا العرض يجب أن يدرس، فهو على الأقل نقطة مفادها بأن إيران مستعدة للتفاهم، وبالتالي فإنهم ما لم يكونوا جادين، فإن لديهم نية في التفاهم يمكن التقاطها والبناء عليها، خصوصا أنهم الآن مضطرون لذلك».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.