د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إحاطة سلامة المشوهة عن الوضع الليبي

إحاطة المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة، كانت غير مقنعة، بل كانت أشبه بالتقرير المشوه والمضلل من حيث المحتوى، وكانت غير حيادية، كما تقتضي مهمة البعثة الدولية. كما شملت الإحاطة التهويل واستخدام مفاهيم خاطئة، ومنها محاولة استخدام فزاعة الحرب الأهلية، ومما جاء فيها: «وقال سلامة لمجلس الأمن إن ليبيا باتت قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهلية بإمكانها أن تؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد»، رغم أن ما يجري في ليبيا لا ينطبق عليه التعريف ولا حتى مسببات الحرب الأهلية. وتجاهل سلامة حتى الإشارة لإدانة إرسال تركيا أسلحة لميليشيات السراج؛ الأمر الذي أخرج نص الإحاطة عن مضمون واشتراطات المهنية.
فزاعة التقسيم التي استخدمها سلامة، هي في الأصل كانت نيات الأمم المتحدة تجاه ليبيا في عام 1949، حيث قدم مشروع بيفن إسفورزا لتقسيم ليبيا، ولولا تدخل القوى الوطنية الليبية بجمع الأصوات ضد التصويت، لكانت ليبيا مقسمة بقرار الأمم المتحدة، وبالتالي فزاعة التقسيم مردودة على مبعوث الأمم المتحدة، التي لم تكن حريصة على وحدة التراب الليبي عبر التاريخ الطويل؛ وإسقاط الدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011 بقرار الأمم المتحدة ليس ببعيد.
فعندما يقول غسان سلامة: «لقد كانت العاصمة الليبية تتمتع بقدر من الأمن المتزايد» فهو بذلك يضلل المجتمع الدولي، فطرابلس لم تنعم بأي نوع من الأمن طيلة ثماني سنوات عجاف من سيطرة الميليشيات، إلا إذا كان سلامة يرى الأمن المتزايد من شباك سيارته المصفحة، ومبنى إقامته المحصن، ورتل السيارات المسلحة الذي يرافقه، في حين معدل الجريمة والسطو والقتل خارج سلطة القانون في أعلى مستوياته في طرابلس، التي هي رهينة للعصابات الإجرامية وميليشيات الإسلام السياسي، وتطفو طرابلس فوق صفيح ساخن، ولا يستطيع مسؤول ولا وزير الحركة، بمن فيهم السراج، ما لم يكن تحركه باتفاق مع زعماء الميليشيات في مناطق طرابلس، وإلا تعرض موكبه للاعتداء، وكثيراً ما استخدمت الميليشيات الابتزاز وسيلة لحلب ضرع الحكومة لإدرار المال.
سلامة تجاهل في تقريره وجود مرتزقة أجانب، وتجاهل الحديث عن قبض الجيش الليبي على الطيار البرتغالي، كما تجاهل وجود عناصر من «القاعدة» و«داعش» بين صفوف الميليشيات التي تقاتل إلى جانب حكومة «الوفاق» ضد الجيش الليبي، إذ أن عملية تحرير الجيش الليبي للعاصمة من الميلشيات، تعتبر تطبيقاً لاتفاق الصخيرات وتفاهمات أبوظبي، التي تقضي بدخول الجيش الليبي للعاصمة، وتأمينها، وخروج الميليشيات، إلا أن رؤية سلامة وصفت تدخل الجيش بأن «الهجوم على طرابلس قوَّض أي فرص لنجاح المحادثات».
سلامة حاول إخافة الأوروبيين من حرب طويلة الأمد في ليبيا على الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، في إشارة غير موفقة لإثارة مخاوف الأوروبيين، وكأن طرابلس وضفاف المتوسط ستكون آمنة، في ظل حكم عشرات الميليشيات لطرابلس.
يمكن أن يكون سلامة يجهل الحالة الليبية، ونظره إليها من بُعد، جعله يخطئ التشخيص.
إحاطة سلامة، بغض النظر عن نياته الحسنة، لا يمكن أن توصف إلا بغير المقبولة وغير الموفقة، بل وحتى بالمضللة، فالنيات الحسنة لا تنفع مع تقديم إحاطة مغلوطة.
إحاطة سلامة وصفها الجيش الليبي بأنها محاولة من سلامة لحل مشكلة تنظيم «الإخوان» في ليبيا، وعدم تطرقه للميليشيات التي نهبت ثروات الشعب الليبي.
ولكن كما قال سلامة، في ختام إحاطته، «إن ليبيا ليست مجرد جائزة ينالها الأقوى، بل إنها بلد يقطنه 6.5 مليون شخص يستحقون السلام، ويحق لهم اختيار طريقهم».
والليبيون اختاروا طريقهم مع الجيش الليبي، للقضاء على الميليشيات والإرهاب، وقيام دولة مدنية.