الهند في قبضة مودي مجدداً

تستعد الهند لتبدأ الخمسية الثانية، من دون وجود عائلة غاندي وحزب المؤتمر في السلطة. من يصدق ذلك؟
الخمسية الأولى، بدأت في الانتخابات النيابية عام 2014، التي جاءت برئيس الوزراء ناريندرا مودي، محمولاً على ظهور حركة القوميين الهندوس، المتمثلة في حزبه بهاراتيا جاناتا الهندوسي إلى الحكم، بأغلبية برلمانية غير مسبوقة من 30 عاماً، وأطلق عليها اسم مرحلة الأمل.
الخمسية الثانية ابتدأت في الانتخابات النيابية الأخيرة، مايو (أيار) 2019، وأُطلق عليها اسم مرحلة الثقة.
الأمل في شخصية الزعيم مودي، في تغيير الهند، ووضعها على الطريق إلى مستقبل أفضل. والثقة بالزعيم، أيضاً، وبقدرته على تحقيق وعوده بتحويل الهند إلى دولة هندوسية، تنتمي إلى عائلة عالمية، من الدول القوية، مرهوبة الجانب اقتصادياً، وتقنياً، وعسكرياً.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 600 مليون مواطن هندي، أدلوا بأصواتهم في هذه الانتخابات، وبنسبة تصويت عالية، 10 ملايين منهم شباب، يصوتون للمرّة الأولى.
اللوائح الانتخابية الهندية تنص على ألا يضطر المواطن إلى السفر أكثر من كيلومترين عن مكان سكنه للإدلاء بصوته. وهذا بدوره جعل المسؤولين في الهيئة الانتخابية يتنقلون متوزعين في جميع قرى، ومدن، وجبال، ووديان البلاد، لنصب مراكز اقتراع تتيح للمواطن، حتى في أقصى مناطق جبال الهملايا، 4500 متر فوق مستوى سطح البحر، على سبيل المثال لا الحصر، للقيام بواجبه الانتخابي، من دون تعب أو مشقة.
كان نمو الاقتصاد الهندي، خلال السنوات الخمس الماضية، مذهلاً، بتحقيق نسبة نمو تبلغ 7 في المائة سنوياً، وفقاً لإحصائيات رسمية. وتم ربط 25 مليون بيت وعائلة، بشبكة الكهرباء، في مختلف مناطق البلاد، وربط أكثر من 9 ملايين بيت بشبكة المجاري العامة، عبر بناء مراحيض، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت 500 مليون نسمة.
وعلى المستوى العسكري، كان ردّ رئيس الوزراء مودي السريع على الهجوم الإرهابي، منذ عام مضى، بضرب قاعدته في باكستان، مؤشراً آخر على جديته في التعامل مع أي تهديد قد يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار. هذا من جهة.
من جهة أخرى، فإن وعود مودي في الانتخابات الماضية، بتوفير 20 مليون فرصة عمل لم تتحقق، بل إن البطالة بلغت نسبة 6.1 في المائة، وهي أعلى نسبة تعرفها الهند منذ 4 عقود تقريباً. هناك أيضاً قطاع الزراعة الذي يعاني من انخفاض في أسعار المحاصيل، وتراكم الديون على صغار الفلاحين والمزارعين.
أضف إلى ذلك، ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الحوادث الطائفية، وخاصة ضد المسلمين، الذين صاروا يتعرضون للتضييق في أرزاقهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في قطاع لحوم المواشي؛ حيث تعرضت معظم السلخانات التي تذبح البقر إلى عنف المتطرفين الهندوس، وإجبارها على الإغلاق. العنف ضد المسلمين، وفقاً لتقارير إعلامية، وصل إلى حد إجبار المسلمين في القطارات على التخلي عن مقاعدهم بالقوة للهندوس، وكذلك تعرضهم للضرب والقتل، علناً في الأحياء والشوارع إذا تجرأ شخص منهم على الوقوع في غرام سيدة هندوسية.
قد يقول قائل إن الطائفية كانت دوماً جزءاً من المشهد الحياتي الهندي، قبل الاستقلال وبعده. لكن ما حدث خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفقاً لتقارير إعلامية، كان أقرب ما يكون بتواطؤ من الحكومة، متمثلاً في البطء والتكاسل في التحرك ضد مرتكبي تلك الجرائم، وإسباغ الحماية على الأقليات بقوة القانون.
في كتابه الصادر، مؤخراً، بعنوان «جمهورية الحقد - تاريخ مختصر للهند الحديثة»، يرى الكاتب والمحلل الهندي كابيل كوميريدي أن الهند «منذ وصول حزب بهاراتيا (بقيادة مودي)، إلى الحكم، تمر بمرحلة تحوّل لم تشهدها منذ عام 1991». ويضيف أن الانتخابات الأخيرة (مايو 2019) هي «بمثابة استفتاء حول ما إذا كان من الممكن الحفاظ على الجمهورية بمثُلها التي تأسست عليها، أم - في حالة فوز مودي، وهو متوقع - ستقفز إلى مكان في طائفية، ربما تكون العودة منها أقرب إلى الاستحالة».
المراقبون للمسرح السياسي الهندي يشيرون إلى عدة عوامل وراء نجاح حركة القوميين الهندوس، بقيادة مودي في الوصول إلى السلطة في الهند، لعل أهمها، من وجهة نظرهم، التقاليد السلالية الحاكمة، ممثلة في حزب المؤتمر، التي سادت المشهد السياسي لفترة طويلة، وكانت وراء الدفع بالسيد راهول غاندي إلى قيادة الحزب والترشح للانتخاب، على الرغم من ضعف قدراته السياسية، الأمر الذي حال دون تقديم مرشح أكثر كفاءة، من خارج سلالة غاندي، ليقود حزب المؤتمر، وليقوم بإصلاحه، وتخليصه من قياداته القديمة التي عرفت بالفساد، وكي يعيد ثقة الناخبين بالحزب، ويقنع من تخلى عنه من أنصاره بالعودة إلى صفوفه. أضف إلى ذلك، أن هيمنة عائلة غاندي، وغيرها من العائلات على الهند، منذ استقلالها حتى الآن، حالت دون تهيئة الظروف السياسية اللازمة لظهور حزب اجتماعي ليبرالي حديث، أو حزب محافظ معترف به في معظم الديمقراطيات الحديثة.