الصينيون... بين الإعجاب بـ«الحلم الأميركي» والثقة في صعود بلادهم

بكين تخفف من حدة انتقادها لواشنطن تفادياً لتأجيج التوتر في الداخل

صينيون يمرون قرب مقهى «ستاربكس» في بكين (نيويورك تايمز)
صينيون يمرون قرب مقهى «ستاربكس» في بكين (نيويورك تايمز)
TT

الصينيون... بين الإعجاب بـ«الحلم الأميركي» والثقة في صعود بلادهم

صينيون يمرون قرب مقهى «ستاربكس» في بكين (نيويورك تايمز)
صينيون يمرون قرب مقهى «ستاربكس» في بكين (نيويورك تايمز)

يشعر تشي هاوهان بالفخر لمشاركته في عروض مع أميركيين في مسارح مختلفة بالصين، ويعتبر دانييل سمكين، الراقص الرئيسي في فرقة «مسرح الباليه الأميركي»، أحد أبرز مصادر الإلهام.
ومع هذا، بمجرد أن تذكر الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، يختفي إعجاب تشي بالولايات المتحدة في لمح البصر. وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، كتب تشي البالغ 25 عاماً: «قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا!»، حاثّا بلاده على اتّخاذ موقف قوي بعد انهيار المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة.
وقال تشي الذي يعمل في «الفرقة الوطنية الصينية للباليه» إن «قرار أميركا بزيادة الرسوم لن يحقق سوى دمارها. أما الصين، فهي مستعدة تماماً للرد». وتعتبر آراء تشي مثالاً على التوجهات المعقدة، بل المتناقضة أحياناً تجاه الولايات المتحدة عبر مختلف أرجاء الصين، وذلك في إطار علاقة أقرب لكونها علاقة حب وكراهية في آن واحد. وتشكل هذه العلاقة تحدياً استثنائياً أمام الحزب الشيوعي الحاكم وزعيمه شي جينبينغ، في خضم محاولاته الدفاع عن صورتهما بالداخل في خضم الحرب التجارية الطاحنة.
وتواجه بكين صعوبة في اتخاذ موقف حاد إزاء واشنطن بسبب انقسام الرأي العام لديها، والشعور بالحيرة تجاه موقف الولايات المتحدة حتى في أوساط أنصارها (وكذلك منتقديها). في الوقت ذاته، إذا جاءت تحركات بكين واهنة للغاية، فإنها بذلك تخاطر بالظهور في صورة الطرف الضعيف.
لطالما تطلّع الشعب الصيني نحو الولايات المتحدة كمصدر إلهام، بما تتميز به من ناطحات سحاب عملاقة وقوة مالية وقوة عسكرية لا تضاهى. إلا أنهم في الوقت ذاته ينظرون إليها على نحو متزايد كمنافس استراتيجي، وهي نظرة عمّقتها مشاعر الفخر إزاء الصعود الصيني، وروّجت لها الأذرع الدعائية للحزب الحاكم التي تعمد منذ فترة طويلة إلى تصوير أميركا كبلد إمبريالي معاد يحاول تقويض الصين.
من جهته، قال يون سون، محلل صيني لدى «مركز ستمسون» في واشنطن، إن «الصين تتبع حالياً تفكير الشخص رقم 2. ومن الطبيعي تماماً أن يسعى الشخص رقم 2 لتجاوز الشخص رقم 1». وحتى في ظلّ النظام السياسي الاستبدادي بالصين، تجب إدارة الرأي العام بحرص، ذلك أنه إذا بالغ قادة البلاد في الترويج لرسائل معادية للولايات المتحدة، فإنهم يخاطرون بذلك بدفع المشاعر الوطنية خارج نطاق السيطرة. وسيؤدي ذلك بدوره لتقليص الخيارات المتاحة أمامهم في المحادثات مع واشنطن، عبر إجبارهم على اتخاذ موقف صارم.
ومع أن الصين لها سبلها في تعزيز اقتصادها، ثمة مخاوف عميقة من أنها غير مستعدة للدخول في أزمة طويلة الأمد من الممكن أن تكبدها ثمناً فادحاً من حيث دخول مواطنيها. ومن الممكن أن يأتي هذا في نهاية الأمر بنتائج عكسية على الحزب الذي بنى شرعيته على تحقيق نمو اقتصادي مستمر.
من جانب آخر، إذا تحركت القيادات الصينية على نحو مبالغ في الحذر، فإنها قد تبدو مفتقرة إلى الكفاءة اللازمة لإدارة البلاد في عين الرأي العام الذي أصبح أكثر ثقة على مدار السنوات الماضية في مكانة الصين كقوة صاعدة.
واليوم تلاشت مشاعر الانبهار الجارف التي حملها كثير من الصينيين تجاه الولايات المتحدة، وحل محلها إعجاب هادئ، بل أحياناً شعور بالصدمة مع تعرف الصينيين عن قرب على الولايات المتحدة ومشكلاتها.
وتبعاً لأحدث استطلاع رأي أجري على مستوى الصين من جانب «مركز أبحاث بيو» ونشر عام 2016، فإن 45 في المائة من الصينيين يعتبرون القوة والنفوذ الأميركيين مصدر تهديد كبير لبلادهم، بارتفاع عن 39 في المائة عام 2013. كما أعرب أكثر عن نصف الصينيين عن اعتقادهم بأن الولايات المتحدة تحاول منع الصين من أن تصبح في مثل قوتها، حسبما خلص الاستطلاع.
وربما يكون هذا التوجه قد تسارع خلال العام الماضي، الذي شهد دخول أكبر قوتين اقتصاديتين على مستوى العالم في حرب تجارية طويلة الأمد وخلاف حول شركة «هواوي» الصينية العملاقة بمجال الاتصالات. كما شددت الولايات المتحدة القواعد والشروط المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول لطلاب صينيين والمدرسين الزائرين، في إجراءات تقول واشنطن إنها يرمي إلى تقليص حجم السرقات الفكرية والتجسس.
وقد عزّزت مثل هذه التطورات من نظرة الصينيين إلى الولايات المتحدة، باعتبارها تتعمد تقويض الصعود المشروع لبلادهم، الأمر الذي ترك الصين دون خيار سوى القتال.
بهذا الصدد، قالت أماندا لين (36 عاماً) أثناء جلوسها داخل «ستاربكس» في بكين: «لست خائفة، فالصين تملك المال». وقالت إن شركة التصنيع الصينية التي تعمل لحسابها تضررت بشدة جراء الجولة الأخيرة من الرسوم الجمركية. وقالت إنه «ربما يتعين علينا التضحية قليلاً على المدى القصير، لكن إذا لم نقاتل، سنعاني أكثر على المدى الطويل».
تعود مشاعر الريبة في نفوس الصينيين إزاء النوايا الأميركية تجاه بلادهم إلى القرن الـ19، عندما فتحت قوى غربية موانئ صينية عنوة وقسمت البلاد إلى مناطق نفوذ. أما اليوم، فقد تحولت الصين إلى دولة تتحرك بسرعة كبيرة نحو الحداثة، وتتميز بطبقة وسطى مزدهرة وبنية تحتية قوية ومتطورة.
إلا أن الكثير من الصينيين ما يزالون يذكرون الشعور بالغضب والحنق الذي سيطر عليهم عندما قصفت الولايات المتحدة بطريق الخطأ سفارتهم في بلغراد عام 1999، أثناء الحرب في يوغسلافيا السابقة. وأسفر القصف عن مقتل ثلاثة صينيين، وأثار موجة احتجاجات عنيفة في الشوارع لأيام. وبعد عامين، تأجّج التوتر من جديد بين البلدين عندما احتجزت الصين طاقم طائرة تتبع الأسطول الأميركي، بعد دخول طائرة مقاتلة صينية وطائرة تجسس أميركية في صدام.
الملاحظ أن الصين أجّجت الدعايات المناهضة للولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن هذه الحملة الدعائية تظل متحفظة نسبياً. وتحسب السلطات خطواتها بحذر، لخوفها من وقوع اضطرابات قد تنقلب عليها.
من جهته، قال شين شون، الكاتب السياسي الليبرالي بمدينة غوانزو الواقعة جنوب البلاد، إنه جرى استدعاؤه في وقت قريب لاجتماع مع مسؤولين أمنيين محليين حثوه على إبداء نبرة أكثر اعتدالاً في كتاباته. وأوضح: «قالوا إن الشعب الصيني يسهل تحريضه، وأن المشاعر العامة قد تبلغ درجة كبيرة من التعقيد». وتابع: «من ناحية، ترغب السلطات في استغلال القومية لإضفاء الشرعية على النظام، لكن إذا خرج القوميون عن نطاق السيطرة، فإن ذلك قد يضر بالسلطات واستقرار النظام».
إلى ذلك، ربّما يبدي الحزب الحاكم تردده حيال تأجيج التنافس الصيني في مواجهة أميركا، لعلمه أن الصينيين ما زالوا يكنون مشاعر ود عميقة تجاه أميركا، التي يعني اسمها بالصينية «البلد الجميل». ويرى خبراء أن الثقافة الأميركية تضرب بجذور عميقة داخل الصين، لدرجة تجعل من المستحيل مقاطعة المنتجات الأميركية، مثلما فعلت الصين مع المنتجات اليابانية والكورية الجنوبية عندما توترت العلاقات معهما. الحقيقة أن الكثير من الصينيين يعشقون أجهزة «آيفون» الخاصة بهم، والسلطعون المستورد من بوسطن، إلى جانب عشقهم لمسلسلات أميركية شهيرة مثل «هاوس أوف كاردز» و«مودرن فاميلي».
والملاحظ أن مشاعر التقارب تمتد لما وراء المنتجات، فما يزال الكثير من الصينيين يشعرون بالإعجاب تجاه نظام التعليم الأميركي وحكم القانون القوي وهيمنة القوة الأميركية الناعمة. كما لا تزال فكرة «الحلم الأميركي» تلهم كثيرين.

* خدمة «نيويورك تايمز»



أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.