حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الميزة التنافسية!

لي صديق عزيز من سوريا، ابن أسرة كريمة من دمشق، يعاني مر المعاناة جراء طغيان وقمع نظام بشار الأسد، ما اضطره لترك البلاد، واليوم وهو في النصف الثاني من الخمسينات العمرية بات ينظر لحياته بحس فلسفي عميق وروحانية نقية، ويستطيع أن يقول ما استفاده في حياته دون خوف أو مجاملة.
وقال لي: اليوم وبعد أن قمت بعمل جرد وكشف حساب لحياتي تبين لي أن أهم قيمة في الحياة هي الحرية، وأتعجب من نفسي ماذا لو اشتريت هذه القيمة مع كل نفس من أنفاس حياتي، ماذا لو كنت تجرعت ثقافة الجرأة والنقد، بدلاً من أسمال الخوف وثقل الفزع من صفعة شاردة من يد رجل أمن يحمي فاسدين، فيصفعنا بدلاً من أن يصفعهم، إذا أساءوا، أوليس هذا دورهم الأصلي، ومهمتهم الأساسية، بموجب القانون؟ إنها الحرية.
تذكرت هذا الحوار مع صديقي، وأنا أتابع تداعيات خبر إلغاء شركة «غوغل» الأميركية الدعم التقني والتطبيقات والتحديثات لكل برامجها لهواتف شركة «هواوي» الصينية، في ضربة مؤلمة وموجعة جداً، نظراً لأهمية برامج «غوغل» للمستخدمين، فهي تملك أهم موقع بحثي على الشبكة العنكبوتية، وأهم موقع للبريد الإلكتروني، وأيضاً موقع «يوتيوب» المشهور، وبالتالي لن يكون أمام «هواوي» من خيارات سوى إطلاق مواقع «بديلة».
هذه جولة في الحرب التجارية الهائلة بين أميركا والصين، و«غوغل» ترد «الدين» للصين التي منعتها من ممارسة عملها في الصين، وحجبت مواقع الشركة بها، وقامت الصين بتوفير منتج «بديل» يشمل موقع الشركة الأصلي، تماماً كما وفرت مواقع «بديلة» لـ«تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب».
مواقع عليها رقابة هائلة من النظام، ولا يوجد أي معيار لحرية النقد والتعبير والإبداع فيها، هذه النوعية من المنتجات لن تكون بالإمكان ناجحة، وتعبر الحدود كبديل لـ«غوغل» وغيرها. الذي تعوَّد على الحرية لن يستطيع التكيف على الاختناق. وهذه هي الميزة الأهم في الاقتصاد الرقمي الجديد الذي تروج له أميركا.
حرية الرأي والتعبير بالتقنية هي مسألة لا يمكن أن تنافس فيها الصين بوضعها الحالي. الحرية حق مكفول في الأديان والفطرة، ويكون أعظم لو كان للتقنية دور في ترويج وتمكين الإبداع والتميز لأجل ذلك.
الصين فشلت في تصدير المواقع والتطبيقات التي استحدثتها لسوقها المحلية كبديل للمواقع المشهورة في أميركا، لأنها مواقع مقيدة. الإبداع لا يكون إلا بمناخ حر وغير مقيد. هذه أهم شروط نجاح المبدع، ويبقى ذلك الأمر سر تفوق وتميز أميركا. إنها الفكرة التي تولد من رحم الإبداع الذي يأتي من الحرية.