تصاميم آمنة للسيارات الطائرة

بعد عقود من الوعود أصبحت المركبات الشخصية الطائرة أخيراً أقرب إلى حقيقة الإنتاج التجاري... ورغم ذلك فإنكم لن تمتلكوا واحدة قريباً
ستشهد السنوات القليلة المقبلة دخول نحو 20 مركبة طائرة صغيرة إلى الأسواق التجارية، بعضها يبدو كطائرة الدرون، تطير في الهواء مدعومة بدوارات يتراوح عددها بين 4 و18، وبعضها الآخر مركبات بجناح ثابت مجهزة بمراوح تتجه إلى الأعلى أثناء الإقلاع والهبوط العمودي، وتميل إلى الأمام للطيران.
لكن بعض هذه المركبات أقرب إلى الواقع من غيرها. وفي الوقت الذي تملك فيه شركات الطيران العملاقة مثل «بوينغ» و«إيرباص» مشاريع قيد التطوير، تعمل شركات أخرى أصغر على تطوير مركباتها الخاصة في جدول زمني سريع أيضاً.
وتخطط شركة «فولوكوبتر» الألمانية بدء تجارب سيارة الأجرة الطائرة خاصتها هذا العام في سنغافورة، بينما قالت «أوبر» إنها ستبدأ اختباراتها العام المقبل، وستقدم خدمات في مدن كثيرة بين مدينة فريسكو في ولاية تكساس ومطار «دالاس - فورت وورث»، إلى جانب إعلانها إطلاق رحلاتها التجارية عام 2023، وتتعاون «أوبر» في تطوير سياراتها الطائرة مع خمس شركاء.
لكن هل ستكون هذه المركبات آمنة، أو هل سيكون استخدامها متاحاً لغير الأغنياء؟... خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد شتاء هذا العام في دافوس، قدمت مجموعة من الخبراء في جلسة مناقشة خاصة، عرضاً مقنعاً لإمكانية توافر هذه العربات بمواصفات آمنة للجميع. ولا بد من القول إن جميع الحاضرين أبدوا اهتماماً بتحقق هذا الأمر على أرض الواقع.
وضمت تلك اللجنة ديرك كارستن، رئيس «إيرباص» التنفيذي، وروس بيروت جونيور، عملاق من عالم العقارات من تكساس وشريك «أوبر» في شركتها الناشئة المخصصة لإطلاق خدمة سيارة الأجرة الطائرة في دالاس، وليو فانج، المدير العام لمنظمة الطيران المدني الدولي، وغيرهم. وقد قدمت اللجنة جملة من التوصيات التالية، وفقاً لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية.
- سيارات طائرة
> سيارات طائرة قيد التطوير حالياً. لماذا ستشهد السنوات القليلة المقبلة إطلاق الكثير من السيارات الطائرة؟ الجواب يكمن في توفر المواد المركبة الخفيفة الوزن وتحسن تقنيات الاتصال، وأنظمة الإرشاد، والبرامج الإلكترونية. وهي التي قد تمكن هذه المركبات من الطيران، خصوصاً في حال وجود عدد كبير من السيارات في الجو.
ولعبت هذه العناصر جميعها دوراً في هذا الأمر، إلى جانب تقنية البطارية التي تشارف على تأمين طيران كهربائي فعال. صحيح أننا لا نزال بعيدين بعض الشيء عن كثافة الطاقة المطلوبة للرحلات مهما كانت مدتها، لكن الإطلاقات القصيرة ليست مستبعدة كلياً من المشهد.
> هل هي سيارات طائرة بمعنى الكلمة؟ ليس فعلاً. بعضها فقط كذلك مثل «أييروموبيل» Aeromobil و«تيرافوجيا ترانزيشن» Terrafugia Transition، وهي عبارة عن سيارات يمكنكم قيادتها على الطريق السريعة، لكن معظم السيارات الأخرى لا تتعدى كونها عربات ذاتية طائرة. ومعظمها يضم في تصميمه أجنحة تولد الارتفاع كالطائرات التقليدية. قليل من العربات التي يجري تطويرها يضم دوارات كطائرات الدرون، لكن في كلتا الحالتين، تتمتع المركبة بأمان أكبر من الطوافات، نظرياً على الأقل.
- قيادة ذاتية
> هل ستكون السيارات الطائرة ذاتية القيادة؟ في النهاية، ستكون كذلك؛ إذ إن الطيارين البشر مكلفون مادياً، وقد يفتقرون إلى المصداقية على صعيد السلامة الجوية في سماء مزدحمة. كما أن التحليق أو الطيران الذاتي يعتبر مشكلة تقنية أسهل من القيادة الذاتية للسيارات على الأرض؛ لأن العوائق الجوية قليلة ويمكن رصدها بواسطة رادار بسيط، بينما تحتاج السيارة الذاتية القيادة إلى أجهزة استشعار متعددة وخوارزميات عالية التدريب للتعرف على الناس والمركبات الأخرى، وإشارات المرور والممرات، وغيرها.
من الممكن أيضاً أن يصار إلى استخدام نظام آلي لإدارة السير الجوي لإرشاد السيارات الطائرة لتفادي الصدمات عبر التواصل الدائم، بالتعاون مع مشغلين بشر على الأرض جاهزين للسيطرة على المركبة في حالات الطوارئ. لكن رغم ذلك، قد تفرض القوانين المطبقة حالياً والمخاوف العامة سبباً لفرض الاستعانة بطيارين بشر في الفترة الأولى على الأقل، حتى ولو على شكل دعم للنظام الآلي.
> وجهات الطيران. أين ستطير السيارات الطائرة؟ في المناطق التي يرتفع فيها الطلب على هذه المركبات والتي تعاني من زحمة سير خانقة في المدن الكبيرة أو من وسط المدن إلى المطارات. لكن استخدامها لن يكون منطقياً من الناحية الاقتصادية في السفر من المناطق الريفية أو بين المدن.
- مطارات ومرآب
> أين يمكن للناس أن يستقلوا واحدة من هذه السيارات؟ في المحطات العمودية والمرافئ العمودية الكبرى على أسطح المباني، التي ستجلب لأصحاب المباني عائداً إضافياً. (كما سيتم بناء محطات للشحن أو تغيير البطاريات على هذه الأسطح). وهكذا، سيتم التعامل مع مشكلة العثور على المساحة في المدن المزدحمة.
> ألن تكون الرحلات في هذه المركبات باهظة جداً؟ نذكّر بأن معظم هذه المركبات ليست طوافات، بل طائرات مجنحة، أي أن طاقة المراوح ستكون لدفعها إلى الأمام بعد الإقلاع وليس لإبقائها في الجو. نظرياً، تستخدم طائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية الطاقة نفسها التي تستخدمها السيارة الكهربائية في الكيلومتر الواحد. لكن من المتوقع أن يدفع الإنتاج الكثيف لهذه العربات أخيراً الأسعار إلى الهبوط. أما مشكلة التكلفة الحقيقية، فتكمن في أجور الطيارين (على الأقل، في الفترة التي سنكون في حاجة إليهم فيها).
> أجرة النقل. رغم ذلك، توقع الخبراء أن يصل بدل الركوب في عربة طائرة إلى 40 أو 50 دولاراً، أي أكثر بقليل من التاكسي البري، لكنكم بالطبع ستصلون على متنها إلى وجهتكم بسرعة أكبر في المدن المكتظة. وفي تقرير صدر عام 2016، أظهرت بعض التوقعات المتفائلة لشركة «أوبر»، أن تكلفة هذه السيارات الطائرة ستكون أرخص في بعض الطرقات من غيرها، فضلاً عن كونها أسرع بمرات من السيارات البرية.
> هل يعتبر تجول مئات السيارات الطائرة فوق مراكز المدن المكتظة، آمناً؟ لتأمين حصول الإقلاعات العمودية، تحتاج هذه المركبات إلى محركات عدة قادرة على توليد طاقة أكبر من تلك المطلوبة بعد استقرار الرحلة. هذا يعني أنه حتى ولو فشل محركٌ أو اثنان منها، ستظل الطائرة قادرة على الطيران أو الهبوط بسلامة. ومن المرجح أن تعتمد أنظمة إدارة السير الجوي الجديدة على الخوارزميات أكثر من البشر لإدارة المسارات. وهذا سبب آخر يوضح أهمية طيران السيارة الطائرة بقيادة آلية وليس بشرية.
> وماذا إن سيطر القراصنة على القيادة؟ هذا التهديد جدي طبعاً؛ لذا لا بد من تأمين أمن سيبراني محكم. وهل ستكون السيارات الطائرة مصدراً للضجيج؟ مجدداً، إنها ليست طوافات، أي أنها لا تملك شفرات ضخمة تحتك بالهواء، غير أن محركاتها ستكون كهربائية.
وأخيراً، يطرح التساؤل أن الدول تعاني اليوم من صعوبات كبيرة في تنظيم طائرات الدرون؛ كيف ستتمكن إذن من تنظيم السيارات الطائرة؟ هاتان المشكلتان مختلفتان تماماً. أصبحت طائرات الدرون زهيدة ومتاحة لأي كان؛ لذا يتوجب على الأجهزة التنظيمية العمل على منع الناس من استخدامها للقيام بأمور مؤذية أو سخيفة.
في المقابل، يمكن إجبار السيارات الطائرة والطيارين الذين يقودونها على استحصال تراخيصهم الخاصة بالسلامة كما في حالات الطائرات التقليدية؛ ما يعني أيضاً أن الأجهزة التنظيمية القائمة المعنية بالطيران لن تكون مضطرة إلى إحداث أي تغييرات على قوانينها. لكن السؤال الأهم يبقى ما إذا كانت المدن ستقرر السماح لهذه السيارات بالطيران في أجوائها.