«العاصوف» الذي لا بد منه!

«العاصوف» الذي لا بد منه!
TT

«العاصوف» الذي لا بد منه!

«العاصوف» الذي لا بد منه!

في البدء كانت «بيوتٌ من تراب»، رواية كتبها الراحل عبد الرحمن الوابلي، تتناول التحولات السريعة التي شهدها المجتمع السعودي في نجد أولاً، ثم في بقية أرجاء البلاد... لكنها تحوّلت إلى «العاصوف» في أشهر مسلسل درامي رمضاني تعرضه الشاشة الصغيرة كل مساء.
المسلسل الذي كُتب بروح العبقرية وبشجاعة نادرة من مثقف رصين هو الراحل عبد الرحمن الوابلي اختار أن يصوّر طبيعة المجتمع السعودي وعفويته وبساطته وأسلوب حياته التقليدي غير المعقد والعلاقات المتناسقة بين أفراده وحضور المرأة الطبيعي وأنماط المعاش والإنتاج وإقباله على الحياة. لكن هذا المجتمع شهد ما عُرف بـ«العاصوف» الذي هزّ كيانه وأدى إلى تحطيم صورته القديمة، وإحداث قطيعة مع هويته وتراثه وثقافته، وإحلال صورة مختلفة تتسم بالقسوة والتدين في آن واحد.
تطوران مهمان يرصدهما «العاصوف»: الطفرة النفطية التي مثّلت ذروة التحولات التي شهدتها البلاد مع ارتفاع دخل الدولة من البترودولار (1969)، وهي كانت البداية، لأنها فتحت البلاد على مداخيل عالية غيّرت طبيعة المجتمع وقوى الإنتاج وأدت إلى تدفق رساميل عالية وانتشر التعليم وتشكلت الطبقة الوسطى مع حركة هجرة داخلية وقيام المدن الكبيرة، مع ما يصاحب ذلك من تخلخل في أنماط العلاقات والمصالح...
التطور الآخر هو حركة تسييس الدين التي بدأت تدريجياً منذ أصبحت البلاد ملاذاً للتيارات الدينية العربية، وجاذباً لآلاف الطلاب الأجانب للدراسة في الجامعات الإسلامية... حتى صدمة حركة جهيمان واحتلال الحرم، وما تلا ذلك من انتشار أفكار الصحوة. المسلسل يرصد بهدوء التحولات السريعة للمجتمع، ولا يغفل التفاصيل التي تشكل طبيعة المجتمع وعفويته، ولذلك هاجمه البعض، بدعوى التعريض بقيم المجتمع وصورته الملائكية التي حرصت الصحوة على تشكيلها من خيال. الصورة القديمة بدت جذابة وقريبة إلى الطبيعة الإنسانية رغم فقرها وشح مواردها، أكثر من الصورة المشكّلة قسراً رغم طوباويتها.
«العاصوف» فكرة عبقرية، لأنه لم يُسرف ولم يبتذل ولم يتشبع بالخطابية أو التبرير أو التحريض... بساطته سرّ قوته، وهذا دليل على أن الأعمال الدرامية يمكنها أن تقدم إضافة هائلة للوعي وللثقافة وللمجتمع.
لا تنقصنا الأفكار لكي نقدم أعمالاً عظيمة، فـ«العاصوف» اتّكأ على رواية، مثلها أو قريب منها عشرات الروايات التي يمكن أن تصنع أعمالاً درامية جادة ومؤثرة.
أبرز الروايات السعودية المشهورة هي تلك الروايات التي تناولت التحولات الاجتماعية والسياسية والدينية، وفي طليعة الروائيين السعوديين الذين تناولت أعمالهم تأثير حقبة النفط في الخمسينات على تطور المجتمع وتشكل هوياته، عبد الرحمن منيف، في خماسيته «مدن الملح»، كذلك روايات تركي الحمد، وبينها ثلاثية «أطياف الأزقة المهجورة»: العدامة، والشميسي، والكراديب، والتي تناولت فترة الستينات بنحو خاص ونمو التيارات القومية واليسارية في وسط الشباب، والتأثيرات التي تركها المدّ القومي وما خلّفه من مواجهات وتصادم مع السلطات. ورواية «شقة الحرية»، للدكتور غازي القصيبي، والتي عرضت للتيارات السياسية التي شهدها العالم العربي والسعودية من بينها. فيما بعد وفي حقبة الثمانينات ونتيجة الصراع مع ما كان يُعرف بـ«الصحو»، برزت روايات تناول تلك الفترة بالنقد والتحليل، من بينها رواية «القارورة» ورواية «الحمام لا يطير في بريدة» ليوسف المحيميد، و«هند والعسكر» لبدرية البشر، ورواية «سورة الرياض» لأحمد الواصل، و«عرق بلدي» لمحمد المزيني، ليعود تركي الحمد مرة أخرى لسرد حسابات تلك المرحلة في روايته «ريح الجنة» مستفيداً من الوهج الذي خلّفته أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، في الولايات المتحدة، ومثله عبد الله ثابت في رواية «الإرهابي 20». أما أحداث الحرم المكي سنة 1979 واحتلال جهيمان للمسجد الحرام، فعرضت له رواية «بنت الجبل» لصلاح القرشي، ضمن جملة صراعات شهدتها المنطقة. روائيون قدموا أعمالاً عظيمة، كعبده خال ورجاء عالم ومحمد تراوري وليلى الجهني وآخرون... ولا يمكن بالطبع إغفال رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، فرغم بساطتها فإنها فتحت الفضاء الروائي البسيط أمام عشرات التجارب اللاحقة في اقتحام التابوهات المغلقة في المجتمع، وبينها بالطبع عالم الفتيات وعلاقة البنات بالشباب.
نجح «العاصوف» لأنه أحسن اختيار الفكرة والنصّ والأداء... ونجح ثانياً، لأنه أتاح لهذا الجيل أن يشاهد صورة آبائه قبل أن تُختطف وتُستلب وتجري عليها البرمجة القسرية...
العاصوف الذي لا بد منه هو طي تلك المرحلة بكل أثقالها وأحمالها والتوجه نحو المستقبل.



وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

توفي، اليوم (الأحد)، الفنان المصري نبيل الحلفاوي عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد وعكة صحية.

ونعى نجلا الحلفاوي، وليد وخالد، والدهما عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»، وكتبا: «ربنا استجاب لدعاه، ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل».

وكان الحلفاوي المعروف بين محبيه ومتابعيه على موقع «إكس» بـ«القبطان»، يعاني من أزمة صحية في الصدر، ونُقل إلى المستشفى يوم الثلاثاء الماضي، بعد تدهور صحته.

ووُلد الحلفاوي في القاهرة عام 1947 وتخرَّج في كلية التجارة قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. حقق نجاحاً كبيراً في الدراما التلفزيونية عبر محطات متقطعة من خلال مسلسل «غوايش»، ومن بعده «رأفت الهجان»، ثم «الزيني بركات»، و«زيزينيا»، و«ونوس»، و«لأعلى سعر»، و«القاهرة كابول».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

وقدَّم في المسرح «عفريت لكل مواطن»، و«طقوس الإشارات والتحولات»، و«رجل في القلعة»، و«الزير سالم»، و«بيت في الهوا»، و«اضحك لما تموت». وفي السينما شارك في أفلام «الطريق إلى إيلات»، و«اغتيال مدرسة»، و«السفاح»، و«العميل رقم 13»، و«الهروب إلى القمة»، و«ثمن الغربة».

كما اشتهر الحلفاوي أيضاً بين جمهوره بلقب «نديم قلب الأسد»، نسبةً للدور الذي جسَّده لضابط المخابرات المصري في مسلسل «رأفت الهجان». تزوَّج الحلفاوي الممثلة فردوس عبد الحميد وأنجب منها المخرج خالد الحلفاوي، قبل أن ينفصلا ويتزوج مرة ثانية.

ونعى الحلفاوي عددٌ من النجوم عبر موقع «إكس». وكتب الفنان محمود البزاوي: «أرجو من الجميع الدعاء له بالرحمة والمغفرة وقراءة الفاتحة».

ورثاه الفنان أحمد فتحي عبر حسابه على «انستغرام» ،وقال: «ورحل القبطان وداعا الفنان الكبير نبيل الحلفاوي».

ونشرت الفنانة منة فضالي صورة للراحل على حسابها بموقع انستغرام وكتبت :«وداعا الفنان الخلوق نبيل الحلفاوي كنت فنانا على خلق ، حتوحشنا يا قبطان».

كما نعته الفنانة حنان مطاوع، وكتبت :«لا إله إلا الله، رحل واحد من احب واغلي الناس علي قلبي، ربنا يرحمه ويصبر قلب خالد ووليد وكل محبيه».

وكتب الإعلامي اللبناني نيشان: «نبيل الحلفاوي. أَثْرَى الشّاشة بِرُقِيّ وَدَمَغَ في قلوبنا. فَقَدنا قامة فنيَّة مصريّة عربيّة عظيمة».

وكان آخر أعمال الحلفاوي الفنية فيلم «تسليم أهالي» الذي تم عرضه عام 2022، حيث ظهر ضيف شرف في أحداث العمل.