مخابرات ألمانيا تكشف عن وجود 12 ألف يميني متطرف

خطرهم يزداد وتحذيرات من تنفيذهم أعمالاً إرهابية

من مظاهرة لليمين المتطرف في شرق ألمانيا بمناسبة عيد العمال هذا العام (غيتي)
من مظاهرة لليمين المتطرف في شرق ألمانيا بمناسبة عيد العمال هذا العام (غيتي)
TT

مخابرات ألمانيا تكشف عن وجود 12 ألف يميني متطرف

من مظاهرة لليمين المتطرف في شرق ألمانيا بمناسبة عيد العمال هذا العام (غيتي)
من مظاهرة لليمين المتطرف في شرق ألمانيا بمناسبة عيد العمال هذا العام (غيتي)

فيما كانت العاصمة الألمانية برلين تشهد مسيرات كبيرة شارك فيها الآلاف يوم عيد العمال، يهتفون بشعارات ضد اليمين المتطرف، كانت بلدة صغيرة في ولاية ساكسونيا شرق ألمانيا تنظم مسيرة لـ«النازيين الجدد» شارك فيها المئات؛ خرجوا في شوارع بلدة بلاون، أجسامهم مليئة بالوشوم، يرتدون زياً موحداً، ويحملون أعلاماً ويافطات كتبت عليها شعارات مثل: «عدالة اجتماعية عوضاً عن جرائم الأجانب».
المسيرة التي رافقتها الشرطة، دون أن تمنعها، أثارت ردوداً غاضبة في أنحاء ألمانيا. وزير الداخلية الفيدرالي هورست زيهوفر، استنكر السماح بتنظيم هذه المظاهرة. فيما كتب وزير الخارجية هيكو ماس، على «تويتر»، «إذا كان النازيون الجدد يخرجون في الشوارع، ولدينا أكثر من 12 ألف يميني متطرف يميلون للعنف، فلا يمكننا تجاهل ذلك. علينا ألا نترك الشوارع والإنترنت لليمين المتطرف». ولكن السلطات المحلية في ساكسوني قالت إن المتظاهرين لم يخالفوا القانون، ولم تكن هناك حاجة لوقف المظاهرة.
لم تسلط هذه المسيرة «النازية» الضوء فقط على الاختلاف الكبير بين غرب وشرق ألمانيا، ولكنها ذكرت كذلك بالفضائح المتتالية التي هزت الشرطة الألمانية، بعد الكشف عن شبكات يمينية متطرفة بين أعضائها، يتعاطفون وينشطون مع «النازيين الجدد». فضائح شبيهة طالت حتى الجيش.
وما زاد من الاستياء للسماح لهؤلاء «النازيين» بالخروج، واقع أنها جاءت بعد أيام قليلة من كشف المخابرات الألمانية عن أن أكثر من 12 ألف يميني متطرف من أصل 24 ألفاً في البلاد، مستعدون لتنفيذ أعمال إرهابية ضد الدولة.
«خطر» اليمين المتطرف في ألمانيا بدأ يزداد مؤخراً، ويظهر أكثر إلى العلن في السنوات الماضية، تحديداً منذ وصول حزب «البديل لألمانيا» إلى البرلمان في انتخابات عام 2017، وتحوله إلى أكبر حزب معارض في «البوندستاغ». شعارات كثيرة يرفعها هذا الحزب اليميني المتطرف، وسياسات يطرحها في البرلمان، جعلت الكثير من النقاشات التي كانت تعتبر محرمة في السنوات الماضية، مسموحة.
من الأسئلة مثلاً التي طرحها نواب «البديل لألمانيا»، قبل أشهر، للنقاش في البرلمان، واحد يتعلق بعدد الأطفال الذين يولدون بعاهات جسدية في ألمانيا، وما إذا كان ذلك متربطاً بزواج القربى بين المسلمين، في إشارة إلى أن اللاجئين الذين قدموا إلى البلاد منذ موجة عام 2015 يتسببون بزيادة نسبة الإعاقات الجسدية بين الألمان. ورغم أن هذا السؤال تسبب بجدل كبير في الصحافة، وبين السياسيين، خصوصاً من اليسار، لرسمه أوجه شبه مع سياسات النازيين أيام هتلر، إلا أنه مؤشر إلى أن بعض الخطوط الحمر التي حكمت ألمانيا منذ سقوط النازية بدأت تتلاشى.
مع ذلك، ومنذ انتخابات عام 2017 تزداد شعبية اليمين المتطرف، خصوصاً في الولايات الشرقية في ألمانيا. وفي العام الماضي، أثبت حزب «البديل لألمانيا» أنه يحقق تقدماً حتى في الولايات الغربية، عندما نجح بأخذ أصوات في انتخابات محلية في ولايتي هيسن وبافاريا من الحزبين الرئيسيين، اليميني الوسط الحاكم حزب «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» (وحزبه الشقيق «الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري») واليساري الوسط «الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، الحليف في الائتلاف الحكومي. خسائر دفعت حينها المستشارة أنجيلا ميركل إلى التخلي عن قيادة حزبها، وتسليم الدفة إلى خليفتها أنيغريت كرامب كارنباور، التي تميل إلى اليمين أكثر من ميركل. ولكن التحدي الأكبر الذي ينتظر الأحزاب الرئيسية سيكون انتخابات الخريف المقبل في ولاية ساكسونيا وبراندنبيرغ الواقعتين شرق ألمانيا. الاستطلاعات في الولايتين تشير حتى الآن إلى تقدم «البديل لألمانيا» على الأحزاب الأخرى، في نتائج قد تكون لها أصداء تصل إلى برلين، وقد تؤدي إلى إسقاط الحكومة.
وأمام هذا التقدم السريع لليمين المتطرف، تحاول أحزاب يمين الوسط الاتجاه أكثر نحو اليمين، في محاولة لإعادة كسب الناخبين الذين توجهوا إلى «البديل لألمانيا» بشكل رئيسي اعتراضاً على سياسات ميركل المتعلقة باللجوء، وسماحها لمئات آلاف السوريين بدخول البلاد.
حتى أن حزب «الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري»، الذي ينتمي إليه وزير الداخلية هورست زيهوفر، حاول الاقتداء بجارته النمسا ومستشارها سيباستيان كورتز الذي أدخل حزب «الحرية» اليميني المتطرف إلى الحكومة، ليصبح أول حزب من أصول فاشية يحكم في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وقبل انتخابات بافاريا المحلية العام الماضي، استعان زيهوفر بكورتز في الحملة الانتخابية، كما اقتبس الكثير من سياساته المتعلقة باللجوء عله يقلص خسائره الانتخابية.
ورغم أن زيهوفر نفسه نفى في السابق احتمال تحالف مع «البديل لألمانيا»، إلا أن ما يدفع للتشكيك بمصداقيته، استعانته برئيس حكومة النمسا الذي لم يتردد بإدخال حزب أسسه ضابط سابق في الوحدة الوقائية (إس إس) التي أنشأها هتلر لحمايته، ويقوده اليوم هاينز كريستان شتراخا، الذي يعد من «تلاميذ» يورغ هايدر الذي كان من أكثر الزعماء تطرفاً في أوروبا في العقود الماضية.
ويشغل شتراخا اليوم منصب نائب للمستشار النمساوي، ويعد مسؤولاً عن السياسات المعادية للاجئين، التي يتم إدخالها منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل عامين، من بينها تخفيض المساعدات الاجتماعية للذين لا يتحدثون الألمانية منهم، وإدخال شروط وصفها ناشطون بالتعجيزية لمنح اللجوء. وفي الأيام الأخيرة، صعَّد شتراخا أكثر من خطابه المعادي للمسلمين والمهاجرين، قبيل الانتخابات الأوروبية.
وقال شتراخا، في حديث لصحيفة محلية، إن «هناك أسلمة مخيفة. تغيير في السكان ونزوح للسكان». والتعبير الأخير يستخدمه اليمين المتطرف في النمسا الساعي لإعادة اللاجئين إلى بلادهم. ومع تصاعد خطاب الكراهية لحزب «الحرية» في النمسا، والإعلانات المعادية للاجئين صراحة، بدأت الصحافة النمساوية تقارن أسلوب هذا الحزب بالبروباغندا النازية. وأوجه الشبه بين حزب «الحرية» و«النازيين» لم تعد مخفية. فقد ظهرت إلى العلن، قبل أيام، عندما قارن نائب عمدة البلدة التي ولد فيها هتلر، اللاجئين، بـ«الجرذان» في قصيدة كتبها. ورغم أن الرجل اضطر للاستقالة من الحزب على خلفية قصيدته هذه، إلا أن كلامه مؤشر خطير إلى أن النمسا قد تكون بدأت تنسى تاريخها الأسود.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.