عندما تصبح الجوائز نقمة على أصحابها

تقف وراء {غونكور} آلة تجارية ضخمة

بولا كوستان  -  باسكال روز
بولا كوستان - باسكال روز
TT

عندما تصبح الجوائز نقمة على أصحابها

بولا كوستان  -  باسكال روز
بولا كوستان - باسكال روز

لا أحد ينكر فضل الجوائز الأدبية في تشجيع الإبداع الأدبي، ودعم المؤلفات والترويج لها، والأهم من ذلك تنبيه القراء إلى أعمال قد لا ينتبهون لها. لكن الحصول عليها لا يعني بالضرورة الشهرة والمجد لأصحابها، فقد تصبح الجائزة الأدبية لعنة تلاحق الكاتب، فتقلب حياته رأساً على عقب، وتشوش سيل إلهامه، حتى يصبح مجرد ذكر اسمها بداية شريط من الذكريات المؤلمة. وهنا، نتناول «لعنة» أهم هذه الجوائز الفرنسية وأعرقها (الغونكور) التي تمنح «لأفضل الأعمال الأدبية، من حيث جدة الموضوع، وشجاعة الفكر والشكل».
- لعنة غونكور
أصيب بالكآبة، وتوقف عن الكتابة لمدة 15 سنة، وتمنى لو لم يمنح تلك الجائزة الأدبية العريقة... إنه الكاتب الفرنسي الراحل جان كاريير الذي مر بتجربة مؤلمة لم يتعافَ من أثارها بعد أن حصلت روايته «صقر مايو»، دار نشر «بوفرت»، عام 1972، على جائزة غونكور. لم تمهله الآلة التجارية الكبيرة التي تقف وراء الجائزة الوقت الكافي لاستيعاب الشهرة المفاجئة التي تعرض لها، فبعد حفل التتويج، بدأ ماراثون حفلات توقيع الكتاب التي لا تنتهي - حسب تعبيره - في كل مدن فرنسا، إضافة للمحاضرات واللقاءات التي قلبت حياته الخاصة رأساً على عقب. التعرض الإعلامي الشديد سبب له إرهاقاً جسدياً ونفسياً، تحول إلى حالة كآبة مستديمة، بعد أن انسحبت عنه الأضواء فجأة، وتملكه القلق من عدم قدرته على تقديم عمل جديد بالمستوى نفسه. معاناته هذه بعد الجائزة، وتحوله إلى شخصية هشة مكتئبة، رواها في كتابه «ثمن غونكور»، دار نشر «غاليمار»، حيث كتب: «جائزة غونكور تكبير لحياتنا في أعين الآخرين، وتثقيل لحضور الآخر في حياتنا الخاصة؛ كعكة محشوة بأحجار صغيرة تأكلها فتكسر أسنانك (...) هناك باستمرار هذا القلق الذي ينتابك، والسؤال الذي لا يفارق ذهنك: والآن... ماذا أكتب؟». الهاجس نفسه كان قد عاشه من قبله الكاتب ألفونس دو شاتوبريان، حين فاز عام 1911 بالجائزة نفسها عن روايته «السيد لوردين»، حيث كشف أنه ظل لفترة طويلة كـ«المشلول»، لا يستطيع أن يكتب ولا كلمة، لشدة خوفه من تخييب الآمال، وانتظر أكثر من 12 سنة قبل أن يصدر روايته الثانية.
أما الكاتبة بولا كوستان التي فازت بالجائزة عام 1998، عن «اعترافات مقابل اعترافات»، دار نشر «غاليمار»، فقد واجهت حملة انتقاد شديدة من طرف وسائل الإعلام دامت لسنوات، على اعتبار أنها لم تكن المرشحة المفضلة للوسط الثقافي، وأنها «سرقت» الجائزة من المرشح المفضل آنذاك: ميشال ويلبيك، وروايته «الجسميات الأساسية». وهي وضعية أشبه بالتي مر بها الكاتب الراحل جي مازولين الذي يبقى عند كثيرين بمثابة الكاتب الذي «سرق» جائزة «الغونكور» من لويس فريديناند سيلين، عام 1932، وروايته المعروفة «رحلة إلى آخر الليل».
الناقد الأدبي سيلفان بورمو، من صحيفة «جي دي دي»، كتب آنذاك بلهجة ساخرة: «إذا كانت لجنة (غونكور) قد فكرت في منح الجائزة لعمل أدبي بهذه الرداءة والتفاهة في كل سنة، فإن الاهتمام بها كان سينتهي منذ فترة طويلة».
وتذكر فائزة أخرى بالجائزة، هي الروائية الفرنسية بولا كوستان: «في الأول، كنت سعيدة بالاستقبال الحار، والتهاني الخالصة، وقلتي لنفسي يومها يا للّه... كم أنا محبوبة! لكني تفاجأت بعدها بموجة من الهجوم هزت من ثقتي، وجعلتني أسأل نفسي لسنوات طويلة: هل أستحق فعلاً هذه الجائزة؟».
الظروف نفسها أحاطت بفوز الروائية باسكال روز، عن روايتها الأولى «صياد الصفر»، دار نشر «ألبان ميشال»، أمام الكاتب إيدواردو ماني، عام 1996، حيث لاقت على أعقابها هجوماً شديداً، لأنها لم تكن «الفائز المنتظر».
وتروي الكاتبة على صفحات «لو فيغارو»: «في الليلة نفسها التي فزت فيها بالجائزة، كل شيء انقلب عليّ، بدءاً ببرنامج إذاعي مشهور انتقد روايتي بعنف غير معهود، إلى مقالات الصحافيين المُهاجمة. في الأول، كنت كاتبة واعدة. بعد الجائزة، أصبحت مرُبكة مثيرة للحيرة!».
وتذكر باسكال روز أن الهجوم طال روايتها الثانية «الحديد»، دار نشر «ألبان ميشال»، التي صدرت بعد أشهر من الجائزة، والتي حظيت بحملة انتقادات حادة جرحتها بشدة، وهي الوضعية التي استمرت 6 سنوات كاملة، لم تلقَ فيها أعمالها أي ترحيب من النقاد. اليوم، الكاتبة الفرنسية نفسها عضوة في لجنة تحكيم «جائزة ميديسيس»، ويبدو أن «الوسط الأدبي» قد «غفر» لها حصولها على جائزة «غونكور» - كما تقول - إلا أنها لن تنسى تلك السنوات السوداء.
باسكال ليني الذي حصل على الجائزة عام 1974، عن «صانعة الدونتيل»، دار نشر غاليمار، تعب من الملاحظات التي تذكره باستمرار بماضيه المرتبط بالجائزة الأدبية، وكأنه لم يكتب غير تلك الرواية، بل إنه لا يفهم الشغف الذي نشأ حولها، لا سيما بعد اقتباسها للسينما، لأنه لا يعتبرها أحسن أعماله، لدرجة أنه ألف كتاباً عام 2000 بعنوان: «يا له من غونكور»، دار نشر فايار، للتعبير عن سخطه. يقول ليني: «كتبت أكثر من 50 رواية، بعضها لاقى نجاحاً تجارياً كبيراً في المكتبات، لكن بعد 40 سنة من حصولي على الجائزة، لا يزال البعض يسألني: ماذا كتبت بعدها؟ الحديث عن الرواية الفائزة يعود كل سنة وكأنه أنشودة أطفال، كتبت رواية ناجحة، لكنها كانت أيضاً الشجرة التي أخفت الغابة!».
وفي مقطع آخر، يشّبه ليني حفلة تتويج الكاتب الفائز بمسابقات ملكات الجمال، فيكتب: «وكـأنك في مسابقة اختيار ملكة جمال، وأنت بمثابة المرشحة... شيء في غاية الابتذال، لكنك تردد في أعماق نفسك: لا بأس كله يحدث لسبب وجيه، ثم إني سأجني الكثير من الأموال... وهو ما يحدث فعلاً، ولكن هل هو مبرر كاف؟ لست متأكداً».
الخوف من فقدان قاعدة قرائه الأوفياء هو ما عاشه الكاتب فريديريك ترستان بعد حصوله على الجائزة الأدبية عام 1985، عن روايته «التائهون»، دار نشر بالان. يقول الكاتب: «فجأة، أصبحت كتبي تُطبع وتباع على نطاق تجاري واسع: 200 إلى 300 ألف نسخة. بطبيعة الحال، القراء الجدد يشترونها كما يشترون أي رواية فائزة يمنحونها للأقارب في أعياد الميلاد، لكنهم سرعان ما ينتقلون لكاتب آخر؛ المشكلة هي أنك قد تفقد القراء الأوفياء الذين يتابعون أعمالك منذ البداية، لأنهم يشعرون بتغيير بعد الجائزة، بأنك دخلت حلقة جديدة لم يتعودوا أن يروك فيها؛ ببساطة لم تعد في نظرهم ذلك الروائي النادر».
فريديك ترستان يعترف بأن عدة كتب كانت لازمة لكي يستعيد القراء الذين فقدهم بعد الجائزة، والذين ذهبوا لغاية اتهامه بـ«الدعارة الأدبية»، ورضوخه للمنطق التجاري لدور النشر الكبيرة.
ويضيف الكاتب الصحافي هوبرت برولونجو، في موضوعه «غونكور قتلتهم»، أن هؤلاء الكتاب، وإن كانوا قد اشتكوا من لعنة «الجوائز الأدبية»، فإنهم لم يرفضوها، باستثناء جوليان غراك، عام 1951، بل إن معظمهم اعترف باستفادته من المردود المادي والإعلاني الذي واكب حصوله على الجائزة. للتذكير، معدل مبيعات رواية فائزة يتراوح ما بين 400 ألف إلى 600 ألف نسخة. على أن المعاناة تأتي بعد مرحلة التتويج عند كتُاب عرفوا محطات صعبة في حياتهم الشخصية والمهنية، وجاءت الجائزة لتزيدها تعقيداً، أو عند أولئك الذين يدفعون ثمناً باهظاً لأنهم فازوا بعيداً عن وصاية مؤسسات النشر الكبيرة، ومناوراتها المعتادة في كواليس الجوائز الأدبية؛ أو ببساطة لأنهم تفاجئوا بالتعرض الإعلامي الشديد. وكما يلخصه الكاتب الفرنسي جان فوتران الذي حاز على «الغونكور» عام 1989: «غونكور وثبة للخوف، انعتاق... والتزام في الوقت نفسه، وهو أن تكون في المستوى».



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».