انتعاش سوق الأسماك المملّحة في مصر قبل أعياد «شمّ النسيم»

«الرنجة» و«الفسيخ» على رأس القائمة

محل يبيع الأسماك المملحة في القاهرة
محل يبيع الأسماك المملحة في القاهرة
TT

انتعاش سوق الأسماك المملّحة في مصر قبل أعياد «شمّ النسيم»

محل يبيع الأسماك المملحة في القاهرة
محل يبيع الأسماك المملحة في القاهرة

يحتفل المصريون الأسبوع المقبل بعيد «شم النسيم»، أحد أقدم الأعياد الفلكلورية المصرية، التي يحرصون فيها على الخروج إلى المتنزهات والحدائق، والرحلات النيلية، ويُعدّ تناول الأسماك المملّحة في هذا العيد، من أبرز الطّقوس التي يتميز بها الشّعب المصري عن بقية شعوب العالم، رغم تحذيرات وزارة الصّحة من تناول كميات كبيرة منها، مع الابتعاد عن الأسماك مجهولة المصدر.
وتشهد أسواق بيع الأسماك المملحة حالياً انتعاشة كبيرة في بيع هذه الأسماك استعدادا للاحتفال بشم النّسيم. وتعكف شركات ومحال بيع الأسماك المملّحة منذ شهور على تجهيز كميات كبيرة لبيعها في موسم «شم النسيم»، التي من بينها، «السردين»، و«الرنجة» و«الفسيخ».
من جهته قال عمرو شاهين، أحد أفراد عائلة شاهين، الذين ورثوا مهنة تمليح الأسماك، لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «تاريخ عائلتنا في صناعة وبيع الأسماك المملحة يعود إلى أكثر من قرن من الزمان، ولدينا سلسلة محلات في مناطق متفرقة في القاهرة والجيزة». وأضاف أنّ «الاستعدادات لشم النّسيم تبدأ قبل شهرين من حلول موعده، حيث نشتري أنواع الأسماك البوري الجيدة، من محافظات كفر الشيخ وشمال سيناء، والدقهلية، لنبدأ بتمليحها، وتجهيزها للزبائن، بمعاونة عدد من الحرفيين المهرة الذين يمتلكون خبرة كبيرة في هذا المجال».
وذكر شاهين وهو صاحب أحد المحلات الموجودة في ميدان السيدة زينب، بالقاهرة، «أنّ منتجات عائلته حافظت على شهرتها لعشرات السّنين، وهو يعمل على استمرار سمعتها الطّيبة، مع أخيه الذي يدير فرعاً في منطقة باب اللوق وسط القاهرة، أمّا عن المنتجات التي يقدمونها لزبائنهم فهي لا تتغير، ومنها البطارخ المملحة التي تُباع في عبوات صغيرة، بوزن ربع كيلوغرام، ويبيعها بمبلغ 35 جنيهاً، (الدولار الأميركي يعادل 17.3 جنيه مصري)، بينما يُباع سعر كيلو (الفسيخ) بمبلغ 170 جنيهاً مصرياً، ويتراوح سعر كيلو الرنجة بين 60 و55 جنيهاً، وكما يباع كيلو الملوحة بـ150جنيهاً».
ولفت شاهين إلى أنّ مهنة صانعي الملوحة حافظت على وجودها، لأنّها خلاف غيرها من الصّناعات، لديها الكثير من الأسرار، وليس من السهل تعلّمها بسهولة، لذلك فإنّ صنّاعها قليلون في أنحاء الجمهورية، ولا يتعلمها إلّا أبناء العاملين بها الذين يحرصون على عدم انقراض صناعتهم، ويعملون على توريثها لأبنائهم وأحفادهم واستمرارها في عائلاتهم.
من جانبه، قال أحمد جعفر رئيس شعبة الأسماك في غرفة القاهرة التجارية، في تصريحات صحافية أنّ أسعار الفسيخ زادت بنسبة 20 في المائة مع اقتراب شم النسيم، مقارنة بأسعار العام الماضي. وأرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى «تصدير كميات كبيرة من سمك البوري نتيجة إلغاء رسوم الصّادر على الأسماك بداية من العام الجاري».
وبجانب الأسماك المملّحة يتناول المصريون البيض «الملون» بشكل مكثف. وهو ما يعتبره باحثون ومؤرخون تقليداً فرعونياً يحرص الأحفاد على ممارسته كل عام بمختلف أنحاء الجمهورية. وتعدّ الحدائق العامة المصرية وشواطئ النيل والبحر المتوسط والأحمر، مقصداً رئيسياً للمحتفلين.
بدوره، قال محمد سيد، الذي ورث المهنة عن والده، لـ«الشرق الأوسط»: إنه يشتري أسماك البوري من مدينة الإسكندرية، ويبدأ في تصنيعها، بنفسه مع عدد من عماله، داخل محلّه الموجود في قلب سوق منطقة باب اللوق، وينتج بيده أنواعا من الفسيخ والسردين والملوحة ذات الطعوم المتفاوتة في ملوحتها، فهو يسعى لإرضاء زبائنه، ويقدم لهم أصنافا ذات درجة ملوحة عالية ومتوسطة ومنخفضة، حسب رغباتهم.
وذكر سيد الذي يعمل أيضا إماماً وخطيباً لأحد مساجد القاهرة، أنّ الرنجة هي الصنف الوحيد الذي لا يُصنّع داخل محله، أمّا جميع الأصناف الأخرى فتحمل بصمات يده، وهو يحرص على تقديم أجود الأنواع ويعمل على أن تكون منتجاته ذات مذاق لذيذ، ما يجعله يتأنى في إخراجها من براميلها قبل 4 شهور بعد بدء عمليات الحفظ والتمليح.
وأشار سيد إلى أنّ الأسماك النّاضجة تختلف عن غيرها غير الطازجة في مظهرها، ولكي تتم عملية النضج جيداً، لا بد من إتقان عملية التمليح، كما يجب أن تُغلق براميل التخزين جيداً، حتى يصل السّمك لأعلى درجة من النُّضج. وتتم عملية تصنيعه على أكمل وجه. وأوضح أنّ الأسماك الفاسدة يمكن اكتشافها من رائحتها النّفاذة، وجلدها المكرمش، بينما يكون لون جلد الأسماك الصالحة فضياً، ولحومها حمراء أو مائلة للون الوردي.
وتتراوح أسعار الفسيخ في الأسواق المصرية حالياً من 150 جنيه للكيلو وحتى 200 جنيه، بينما تتراوح أسعار الرنجة ما بين 30 جنيهاً وحتى 70 جنيهاً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».