زيلينسكي يتعهد «تقديم السلطة للشعب» ويَعد بخطة للتسوية في شرق البلاد

لم يكن فوز الممثل الهزلي فلاديمير زيلينسكي، في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في أوكرانيا، مفاجئاً للمتابعين، إذ رجحت الاستطلاعات تحقيقه انتصاراً كبيراً على منافسه الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو. لكن نجاحه في الحصول على نحو 73% من أصوات الناخبين في النتائج الأولية شكّل صدمة قوية لفريق السلطة في أوكرانيا، وعكس تبدل مزاج الشارع الأوكراني بشكل جذري ضد أقطاب السلطة السابقة والمرشحين التقليديين الذي انتموا عادةً إلى طبقة رجال المال والأعمال.
ودخل «خادم الشعب» نسبةً إلى عنوان المسلسل التلفزيوني الكوميدي الذي منحه شهرة واسعة في البلاد، تاريخ أوكرانيا بصفته أول رئيس يحظى بأصوات غالبية كبرى في الاستحقاقات الانتخابية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ورغم إقرار زيلينسكي بأنه «ليس سياسياً» و«دخل معترك السياسة من بوابة الرغبة في هدم النظام القائم ومحاربة الفساد»، لكن حملته الانتخابية كانت قوية ومقنعة بالمقارنة مع حملة بوروشينكو. وبدا أن هذا المدخل يحمل الممثل الهزلي الذي أضحك الجمهور طويلاً خلال الإعداد للانتخابات عبر توجيه سخرية لاذعة من أداء الحكومات المتعاقبة في البلاد، مسؤولية كبرى أمام استحقاقات المرحلة اللاحقة، خصوصاً وهو يواجه حرباً أهلية عاصفة في شرق البلاد، وتدهوراً واسعاً للأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فضلاً عن سيطرة النخب المالية المتنفذة على البرلمان، ما يزيد من تعقيد مهمته في الدفع ببرنامج إصلاحي وعد بأنه سيكون حاسماً وسريعاً.
ودفعت صعوبة المهام المطروحة أمام الرئيس المنتخب إلى مسارعته فور إعلان النتائج الأولية ليلة أول من أمس، إلى تأكيد أنه يعدّ لطرح خطة للتسوية في شرق البلاد، وهو أمر تلقفته موسكو بحذر، خصوصاً أنه خلال الحملة الانتخابية تحدث أكثر من مرة عن «الأراضي الأوكرانية المحتلة» في إشارة إلى شبه جزيرة القرم، وأشار إلى «تضحيات الأوكرانيين للدفاع عن أراضيهم في مناطق الشرق»، وهي إشارات رأت فيها موسكو التزاماً مسبقاً من جانبه بالتزام النهج السياسي لسلفه في معالجة الأزمة بين موسكو وكييف.
ورغم ذلك، التزمت موسكو الحذر في ردود الفعل الأولى التي صدرت عنها. وعلق رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، بأن نتائج الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا دلّت إلى انتصار إرادة التغيير باتخاذ مواقف جديدة من أجل حل مشكلات البلاد.
وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني الجديد سيواجه مهمة توحيد بلاده، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الذي نشأ في السنوات الأخيرة.
في حين أعربت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن تفاؤل حذر إزاء مستقبل أوكرانيا السياسي ورأت أنه «مع إدراكي لكل ما يجري وراء الكواليس الدولية، أود أن أقول إن بإمكان أوكرانيا تحقيق الانطلاق مجدداً، وليس بمعنى إعادة توزيع التدفقات النقدية من جيوب إلى جيوب أخرى، بل الانطلاق الحقيقي المبنيّ على إدراك ضرورة تماسك توحيد الشعب حول أجندة وطنية عامة».
وبدا أن الكرملين يفضل التريث في إعلان موقف واضح، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن «الحديث عن توجيه الرئيس بوتين تهنئة للرئيس الأوكراني المنتخب، سابق لأوانه».
وفي إشارة إلى ترقب خطوات زيلينسكي الأولى في مقعد الرئاسة زاد بيسكوف أنه «لا يمكن أن نقيّم الأمور إلا بالأفعال الملموسة».
وأضاف: «تحترم موسكو اختيار الشعب الأوكراني، لا سيما أنه واضح جداً. ومع ذلك فإن شرعية هذه الانتخابات كانت معرّضة للشك، عندما منع 3 ملايين من الأوكرانيين المقيمين في روسيا من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات».
وكانت كييف قد حضت الأوكرانيين المقيمين في روسيا على الإدلاء بأصواتهم في فنلندا أو كازاخستان. وكان لافتاً أن لهجة وسائل الإعلام الروسية تميزت بإظهار الارتياح لرحيل بوروشينكو عن سدة الرئاسة قبل الإشارة إلى التساؤلات المطروحة عن المرحلة المقبلة.
في مقابل الموقف الروسي، وجّه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، تهنئة إلى زيلينسكي، متعهداً بمواصلة دعم أوكرانيا.
وقال توسك إن «هذا يوم حاسم بالنسبة إلى أوكرانيا. إن الانتخابات الحرة والتغيير السلمي للسلطة يعنيان قوة الديمقراطية الأوكرانية».
كما تلقى زيلينسكي، رسائل تهنئة واتصالات هاتفية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية البريطاني الذي كتب مؤكداً أن المملكة المتحدة بـ«دعمها لأوكرانيا والمسار الذي اختارته نحو الأسرة الأوروبية الأطلسية، ومضيها قدماً في عملية الإصلاحات وضمان الأمن».
وعكست صياغة التهاني الغربية والموقف الروسي الحذر، وقوف زيلينسكي أمام اختبار مهم لتحديد خطواته الأولى، التي أعلن فريقه أمس أنها ستكون داخلية.
وأكد رئيس حملته الانتخابية ديمتري رازومكوف، أن الرئيس المنتخب يعتزم تقديم مشاريع قوانين حول الديمقراطية والمساواة أمام القانون للنظر فيها من قبل البرلمان الأوكراني. وقال إن جوهر المبادرة «تقديم السلطة للشعب» من خلال «رفع الحصانة عن الجميع وإخضاعهم للمحاسبة من النواب والقضاة إلى رئيس البلاد».
لكن رازومكوف أقرّ في الوقت ذاته أن هذه «لن تكون عملية بسيطة، لأن مجلس الرادا (البرلمان) سيئ للغاية في التصويت».
وعكست هذه الإشارة أحد التحديات الكبرى التي تواجه زيلينسكي على المستوى الداخلي، إذ يبدو الرئيس الفائز وحيداً في مواجهة أحزاب قوية لها تمثيل واسع في البرلمان، ما دفع إلى ترجيحات بأن تكون خطواته الأولى هادئة، وتركز على توسيع نشاط حزبه «خادم الشعب» الذي حمل اسم مسلسله الشهير، وتحضيره للمنافسة على غالبية برلمانية مريحة في الانتخابات النيابية التي ستشهدها البلاد الخريف المقبل.
ويبرز التحدي الأول أمام زيلينسكي في تصريحات رئيسة الوزراء السابقة والمرشحة الرئاسية يوليا تيموشينكو التي أكدت ضرورة تشكيل حكومة جديدة لأوكرانيا فوراً وعدم انتظار الاستحقاق الانتخابي البرلماني.
وقالت: «هل يتعين على الحكومة الحالية أن تتحمل نصف عام؟ ليس لهذا السبب أعطى الناخبون 75% من الأصوات للتغيير، ينبغي منح الرئيس الجديد على الفور فرصة لتغيير قوات الأمن والمدعي العام ورئيس جهاز الأمن الأوكراني ووزير الدفاع».
وهذا، حسب تيموشينكو، سيسمح بـ«إظهار الإرادة السياسية للرئيس الجديد، الذي يجب أن يقدم إلى العدالة جميع ممثلي الحكومة الحالية، الذين شاركوا في الفساد».