بعد فشل قمة هانوي اتجهت بيونغ يانغ إلى التصعيد الكلامي والتراشق الإعلامي للضغط على واشنطن في التنازل عن العقوبات الاقتصادية المفروضة، إلا أن زيادة التصعيد والحرب الإعلامية هذه ربما تدفع الإدارة الأميركية إلى اتخاذ خطوة مضادة ضد النظام الكوري الشمالي. عروض القوة العسكرية في شوارع بيونغ يانغ، وإطلاق الأسلحة الجديدة المعروفة بـ«التكتيكية»، والهجوم الإعلامي على المسؤولين الأميركيين، كان الهدف منها الضغط على الولايات المتحدة في العودة إلى طاولة المفاوضات ورفع العقوبات الاقتصادية.
بيونغيانغ طالبت باستبعاد مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي من المحادثات الثنائية بين الطرفين، وأمس هاجمت مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون، ووصفته بأنه «ضعيف البصر». وقال تشوي سون هوي نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي يوم السبت، إن الولايات المتحدة ربطت إجراء القمة الثالثة بين الرئيس ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، برؤيتها إشارة حقيقية من كوريا الشمالية إلى أنها اتخذت القرار الاستراتيجي بالتخلي عن الأسلحة النووية، واصفاً هذه الرغبة بـ«الهراء».
وبين خلال حديثه للصحافيين أن الذي يقف خلف هذه الطلبات الأميركية هو مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون، ومطالبات الجانب الأميركي هراء و«خالية من السلطة التقديرية والعقل، وجون بولتون ضعيف البصر». وكانت وزارة الخارجية الكورية الشمالية قالت يوم الخميس الماضي، إنه ينبغي استبدال «شخص أكثر نضجا» بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبو في المحادثات الجارية بين الطرفين، وجاء البيان بعد ساعات من إعلان كيم أن كوريا الشمالية أجرت أول تجربة أسلحة تقدمية منذ لقاء كيم بالرئيس ترمب في قمة هانوي فبراير (شباط) الماضي. وأضافت: «كلما دسّ بومبيو في أنفه، فإن المحادثات تسوء دون أي نتائج حتى من نقطة قريبة من النجاح»، وانتقد البيان بومبيو بسبب تعليقاته التي وصفها بـ«الطائشة» واتهمه بتحريف موقف كيم بشأن نزع السلاح النووي.
وقال مصدر مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» (فضّل عدم ذكر اسمه)، إن الولايات المتحدة الأميركية على علم بالخطوات التي اتخذتها كوريا الشمالية في التصعيد المستمر على جميع الأصعدة والتقارير المنشورة مؤخراً في إطلاقها سلاحاً تكتيكياً، إلا أن واشنطن تريد أن تبقى على استعداد لإشراك كوريا الشمالية في مفاوضات بناءة.
وفي تصريحات صحافية أول من أمس، قال مايك بومبيو إن الجهود الدبلوماسية الأميركية ستستمر مع كوريا الشمالية لتحقيق هدف إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية، وذلك بعد يوم من تصريح مسؤول كوري شمالي بأنها لم تعد ترغب في التعامل معه في المحادثات.
وأكد بومبيو أن المحادثات بين الطرفين كما هي، ولم يتغير شيء في إشارة إلى عدم خروجه من هذا الملف الذي بدأه منذ أن كان رئيساً للاستخبارات الأميركية قبل أن يتولى منصب وزارة الخارجية.
ويرى مراقبون أن الاستفزازات المتواضعة لكوريا الشمالية في الأيام الأخيرة كشفت عن محور في استراتيجيتها بعد محادثات هانوي النووية الفاشلة، وهو تصاعد التوترات لإخفاء شعورها بالإحباط من عدم تسجيل تقدم في المحادثات والتوصل إلى اتفاق، ولكن إبقاء أفعالها محسوبة بما يكفي لضمان عدم تخلي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عن الدبلوماسية.
وبدلاً من ذلك، يجد الزعيم كيم جونغ أون نفسه غارقاً في مياه مجهولة عقب محادثات فبراير الماضي، حيث غادر هو والرئيس ترمب دون اتفاق بشأن تخفيف العقوبات، إلا أن كيم ربما يختار الآن أسلوب «الاستفزازات الصغيرة»، لدفع الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات دون التسبب في سقوط العلاقات.
وكان قد أوقف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون اختبارات الصواريخ الباليستية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وتعهد العام الماضي «ببناء نظام سلام دائم ومستقر في شبه الجزيرة الكورية»، وفي خطابه السنوي في يناير (كانون الثاني)، قدّم كيم عرضا جديدا للسلام، ووعد بامتناع بلاده عن إنتاج أسلحة نووية، إلا أن فشل المفاوضات مع الرئيس ترمب في هانوي، سرعان ما عكس الحال والأفعال ودفع كوريا الشمالية إلى التصعيد المستمر.
ويقول خبراء الأمن إن الاجتماع الذي ستعقده كوريا الشمالية مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، قد يؤدي إلى تزويد روسيا لكوريا الشمالية ببعض الإغاثة الإنسانية، رغم أنه من غير المرجح أن تقدم موسكو أي حوافز اقتصادية كبيرة، في الوقت الذي قال الرئيس الكوري الجنوبي مون، الذي دفع باتجاه تنفيذ مشاريع اقتصادية مع الشمال كوسيلة لتحسين العلاقات، إنه يريد اجتماعا آخر مع كيم.
وفي سياق متصل، قال مصدران مطلعان إن السلطات الأميركية اعتقلت يوم الخميس جنديا سابقا بقوات مشاة البحرية الأميركية كان ضمن مجموعة قيل إنها اقتحمت سفارة كوريا الشمالية في العاصمة الإسبانية مدريد في فبراير، وسرقت أجهزة إلكترونية.
وقال مسؤول في سلطات إنفاذ القانون ومصدر قريب من المجموعة إن كريستوفر آن اعتقل يوم الخميس ومثل أمام محكمة اتحادية في لوس أنجليس يوم الجمعة. وفي تطور مرتبط بذلك داهم أفراد اتحاديون أميركيون مسلحون شقة أدريان هونغ زعيم جماعة «كيوليما للدفاع المدني» التي تسعى للإطاحة بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والتي ينحى باللوم عليها في الهجوم على السفارة في 22 فبراير، وذلك حسبما قال شخص قريب من هذه الجماعة دون ذكر تفاصيل أخرى. وقال المصدر إن هونغ لم يكن موجودا في مسكنه لدى مداهمته. وامتنعت وزارة العدل عن التعليق. وقالت محكمة إسبانية إن مجموعة تضم ما لا يقل عن عشرة أشخاص اقتحموا السفارة وقاموا بتقييد وضرب بعض الأشخاص واحتجازهم رهائن لساعات قبل هروبهم. وقال محققون إسبان إن الأشخاص الذين اقتحموا السفارة أخذوا أجهزة كومبيوتر وأقراصا صلبة من السفارة قبل هروبهم إلى الولايات المتحدة حيث سلموا هذه المواد إلى مكتب التحقيقات الاتحادي.
وقال مصدر قضائي إسباني الأسبوع الماضي إن السلطات الإسبانية أعادت هذه المواد لسفارة بيونغيانغ بعد أن أعادها مكتب التحقيقات الاتحادي إلى المحكمة الإسبانية التي تحقق في الهجوم. ووقع هذا الحادث في وقت حساس قبيل أيام فقط من ثاني اجتماع قمة بين ترمب وكيم في هانوي. ونددت وزارة الخارجية الكورية الشمالية بالحادث بوصفه «هجوما إرهابيا خطيرا»، وأشارت إلى إشاعات بأن مكتب التحقيقات الاتحادي كان وراء هذا الهجوم إلى حد ما. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنه ليس لواشنطن صلة بهذا.
كوريا الشمالية تصف بولتون بـ«ضعيف البصر» ولا تريد التعامل مع بومبيو
واشنطن تعتقل عسكرياً سابقاً بتهمة الهجوم على سفارة بيونغ يانغ في مدريد
كوريا الشمالية تصف بولتون بـ«ضعيف البصر» ولا تريد التعامل مع بومبيو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة