عائلات مصرية تحاول العودة إلى السياسة من بوابة الاستفتاء

عند مدخل دار عائلة دياب المتنفذة في محافظة الشرقية بمصر، اصطف شبان يرتدي بعضهم بدلات كاملة برابطات عنق لاستقبال ضيوف «مناسبة عائلية» دُعي إليها كبار رجال العائلات في القرى المجاورة، فيما تعاقب وصول الضيوف بسياراتهم الفارهة التي تراصّت في ساحة واسعة أمام الدار.
لم تكن «المناسبة العائلية» عرساً أو عزاء، بل مؤتمراً نظمته العائلة وحضره مئات تحت شعار «انزل... شارك بصوتك من أجل مصر»، بهدف تأييد للتعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان المصري الثلاثاء الماضي وبدأ الاستفتاء عليها داخل مصر اليوم (السبت).
مع بدء إذاعة النشيد الوطني عبر مكبرات الصوت، وقف الحضور الذين ملأوا جنبات المكان مرددين كلماته بصوت هامس على وقع تصفيق، قبل أن يلقي عدد من كبار رموز العائلات وبعض أفراد عائلة دياب كلمات ركزت غالبيتها على الطابع «العائلي» للمناسبة. ويقول محمد دياب (61 عاماً): «هذه مناسبة عائلية. لسنا محسوبين على حزب سياسي».
وعائلة دياب ليست استثناء في تنظيم هذا المؤتمر الذي عقد في نفس يوم إقرار البرلمان للتعديلات وقبل يوم من تحديد موعد الاستفتاء عليها. ووجدت عائلات متنفذة كثيرة في الاستفتاء مناسبة للعودة إلى السياسة ومحاولة مخاطبة ود الدولة لترسيخ مكانتها الاجتماعية. فنظمت فعاليات ومؤتمرات داخل مناطق تمركزها الجغرافي سواء في القاهرة أو بعض محافظات الأقاليم، لتأييد التعديلات الدستورية المقترحة وحث المواطنين على المشاركة.
كان الهدف من الاجتماع الذي وجهت الدعوات لحضوره عبر تطبيق «واتساب»، هو بحث الوسائل المناسبة لتحفيز الناس على المشاركة في التعديلات الدستورية «من أجل حماية صورة مصر خارجياً»، وفقاً لمحمد دياب الذي وصف مبادرة عائلته بأنها «وسيلة للدفاع عن الدولة ضد الاتهامات التي تلاحقها من جانب وسائل الإعلام الإخوانية، أو النشطاء السياسين البعيدين تماماً عن الواقع».
محمد، وهو طبيب سابق في وزارة الصحة المصرية، كان بين ثلاثة أفراد اختارتهم العائلة للترشُح لمنصب عمدة القرية الذي احتفظت به العائلة على مدى أكثر من قرن. وإلى جانب محمد وأبناء عمومته، يوجد منافسون من عائلات آخرى قدموا أوراق ترشحهم لوزارة الداخلية. ولا يزالون، جميعاً، في انتظار النتيجة، بعد انتهاء الداخلية من فحص أوراقهم، وإنجاز التحريات الأمنية.
غاب عن المؤتمر ابنا محمد لأسباب لها علاقة بدراسة الأكبر في الخارج وانصراف الآخر عن الشأن السياسي قبل ثلاث سنوات. ويقول: «نعمل أيضاً على احتواء الشباب. هم فصيل مهم، ونحاول فهم أسباب عزوفهم».
وفي حين يقر محمد بأن هذه المناسبات تمنح عائلته نفوذاً مجتمعياً وحضوراً كبيراً داخل المنطقة، إلا أنه يشدد على أن «العائلات هي القوى الناعمة للدولة المصرية. طبيعتنا تميل إلى الاستقرار، وقلبنا على البلد».
الأمر ذاته تكرر مع عائلة محمد عودة، وهو نائب سابق عن الحزب الوطني المنحل شغل مقعده النيابي لمدة 29 عاماً، كان يتولى خلالها عقد مؤتمرات في الأحداث السياسية الكبرى أو جولات لتسوية المنازعات بين ناخبي دائرته، باعتباره «رجلاً له وزن وهيبة»، على حد وصفه. ووجد عودة فرصة في الاستفتاء لمحاولة استعادة الدور القديم، فعقد عدداً من الاجتماعات داخل ساحة منزله في محافظة القليوبية (شمال القاهرة) في الأسابيع الماضية، من أجل حث المواطنين على تأييد التعديلات الدستورية. وعلى غرار محمد دياب، يقول عودة لـ«الشرق الأوسط» إن العائلات «أفضل ناس تحقق الاستقرار للرئيس، لأن كلمتنا مسموعة، وهيبتنا محفوظة».
لكن خلافاً لوجهة النظر تلك، يعتقد مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن العائلات هي المستفيد الأكبر من هذه المبادرات «كون ذلك يساعدها على تعزيز حضورها داخل مناطق تواجدها، ومنحها قدراً من النفوذ الاجتماعي». وأوضح أن «هذه الفئات لم تعد محتفظة بتماسكها أو فاعلة في التعبئة السياسية، كما كانت الحال في السنوات الماضية».
ويرى عمرو الشوبكي، الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أن نفوذ هذه القوى التقليدية «سيظل محدوداً، طالما لم يكن متوازياً مع حضور فاعل للمكون السياسي»، فيما يعزو السيد محدودية تأثيرها إلى «انتشار وسائل الإعلام الحديثة، وارتفاع مستوى التعليم، وحدوث انقسام جيلي بين الأباء والأبناء».