ذكرت وسائل إعلام محلية سودانية، أنه تم نقل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، إلى سجن «كوبر» بالعاصمة الخرطوم، في ساعة متأخرة من مساء أمس (الثلاثاء).
وقال مصدر في السجن، إن البشير محتجز في حبس انفرادي تحت حراسة مشددة.
وفي ظل التقلبات السياسية الكثيرة التي شهدتها الحياة السياسية في السودان، كان سجن «كوبر»، شاهداً على العصر، ومشاركاً رئيسياً في المشهد السياسي. فمع كل حقبة سياسية جديدة في السودان نتيجة انقلاب عسكري أو مظاهرات مناهضة للسياسات الحاكمة، ينضم إلى غرف السجن رجال المشهد السابق.
وكان البشير من أصحاب قرار اعتقال قيادات سياسية، بعد الانقلاب العسكري الذي قاده إلى الحكم عام 1989. وكان من أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، وزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي محمد عثمان الميرغني.
ويعود تاريخ السجن إلى بداية القرن الماضي، حين قرر الاحتلال البريطاني وقت سيطرته على السودان، بناء سجن ضخم مماثل للسجون البريطانية. وتم اختيار منطقة بعيدة عن المناطق السكانية، ووقع الاختيار على مدينة الخرطوم بحري؛ حيث شيد السجن على مساحة خمسة آلاف متر مربع.
ففي بداية عام 1903، أمر الجنرال البريطاني كتشنر حاكم السودان، ببناء السجن، إلا أنه لم يحضر الافتتاح بسبب استدعائه إلى لندن بتوجيهات ملكية، ليشغل منصباً آخر هناك، وجاء بعده الجنرال السير ريجنالد وينجت، وأشرف على استكمال بناء السجن. ثم تولى إدارة منطقة الخرطوم بحري الجنرال كوبر، الذي اتخذ السجن اسمه، وكذلك الحي بعد ذلك، ليصبح حي «كوبر» من أشهر الأحياء في السودان، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام محلية.
واشتهر الجنرال كوبر بالحزم والصرامة، وكذلك معاملة نزلاء السجن بمعايير الإنسانية العادلة، وأشرف على السجن الذي ضم 14 قسماً، منه قسم خاص للمحكوم عليهم بالإعدام، وآخر لأصحاب المدد الطويلة، وقسم للمخدرات. وكان يوجد قسم لكبار موظفي الدولة الذين دانهم القضاء في قضايا الفساد، ولاحقاً تم إلغاء هذا القسم.
ويعد القسم السياسي بالسجن هو الأشهر في تاريخ السودان، لما شهده من اعتقالات لشخصيات سياسية مؤثرة في المشهد السوداني، والذين كان من أشهرهم قادة أعضاء حركة «اللواء الأبيض»، وهي حركة سياسية سودانية ظهرت في منتصف عشرينات القرن الماضي لبعث الوعي السياسي الوطني ضد الاستعمار البريطاني، والدعوة للوحدة بين مصر والسودان، وتم اعتقالهم وحبسهم في عام 1924.
وكانت أول دفعة سجناء دخلوا سجن «كوبر» مجموعة من السودانيين السياسيين الذين أبعدتهم السلطات المصرية بتوجيهات من القصر الملكي؛ لأنهم كانوا نشطاء سياسيين انتقدوا مشاركة جنود مصريين في معركتي «كرري» و«أم دبيكرات» اللتين كانتا في عامي 1898، و1899.
وشهد السجن أولى عمليات الإعدام رمياً بالرصاص في عام 1924، بعد أن حكم بالإعدام على مجموعة ضباط سودانيين قاموا بتمرد تحت قيادة عبد الفضيل ألماظ، ضد القوات البريطانية في السودان.
ومن أشهر سجناء «كوبر»، إسماعيل الأزهري، الذي ترأس أول حكومة وطنية عام 1954، وكان من أبرز قيادات الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني.
وكان «الانقلاب العسكري» شاهداً أسياسياً على الحياة السياسية بالسودان، ومع كل فشل ونجاح، يُسجن ويُحاكم ضباط وسياسيون سابقون.
في عام 1959، وعقب فشل محاولة انقلاب ضد حكم الفريق إبراهيم عبود، تم إعدام مجموعة من ضباط في الجيش شاركوا في الحركة تحت قيادة البكباشي علي حامد.
كذلك في عام 1971، شهد سجن «كوبر» إعدام قيادات الحزب الشيوعي السوداني، بعد فشل حركة سياسية تدعو للانقلاب على السلطة، قادها الرائد هاشم العطا.
وفي ثمانينات القرن الماضي، حين انحاز الفريق سوار الذهب للمظاهرات المناهضة لحكم جعفر النميري عام 1985، أفرجت المظاهرات الشعبية التي انطلقت صوب سجن «كوبر»، عن المعتقلين السياسيين، الذين دخل السجن مكانهم رجال المرحلة السابقة، وعلى رأسهم اللواء عمر الطيب، الذي كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، بعد أن كان رئيس جهاز المخابرات السودانية، وحكم عليه بالسجن 144 عاماً في تهم سياسية، إلا أنه نال العفو بعد سنوات من النفي، وعاد إلى السودان في مطلع الألفية.
سجن «كوبر»... شاهد على تقلبات الحياة السياسية في السودان
سجن «كوبر»... شاهد على تقلبات الحياة السياسية في السودان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة