ويليام بار... الوزير الذي أعاد وزارة العدل الأميركية إلى سلطة ترمب

بعد أكثر من سنتين من التشكيك والفوضى من جرّاء ملف روسيا

ويليام بار... الوزير الذي أعاد  وزارة العدل الأميركية إلى سلطة ترمب
TT

ويليام بار... الوزير الذي أعاد وزارة العدل الأميركية إلى سلطة ترمب

ويليام بار... الوزير الذي أعاد  وزارة العدل الأميركية إلى سلطة ترمب

عندما قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاستغناء عن جيف سيشنز، وزير العدل (المحامي العام - كما يُعرف في الولايات المتحدة) السابق وصديقه المقرّب وأكثر أعضاء الكونغرس حماسة وتأييداً له خلال حملته الانتخابية، قال إنه «لو كان يعلم بأن سيشنز سينأى بنفسه عن التحقيق في ملفّ التدخل الروسي المفترض، لكان اختار مدعياً عاماً بديلاً عنه بسرعة».
وعثر ترمب على هذا الرجل في شخص ويليام بيلهام بار، الذي أقسم اليمين وزيراً جديداً للعدل يوم 14 فبراير (شباط) الماضي، ليغدو الشاغل الخامس والثمانين للمنصب في تاريخ الولايات المتحدة، وأول شخص يجري تعيينه لولاية ثانية وزيراً للعدل منذ جون كريتيندين عام 1850.
وبالفعل، لم يخيب بار أمل الرئيس ترمب، إذ سارع على الفور إلى تولي ملف هذه القضية التي سمّمت أجواء نحو سنتين من ولايته الرئاسية الأولى. وعلى الرغم من أن نتائج التحقيق في هذا الملف خلُصت إلى تبرئة ترمب من تهمة التواطؤ مع روسيا، فإن القضية تحوّلت إلى نزاع سياسي، كشف عن أزمة عميقة تعيشها الديمقراطيات الغربية في تعاملها مع صعود اليمين المتشدد، وعجزها عن حل أزمة التمثيل السياسي، والرد على التحديات الاقتصادية التي أنتجتها العولمة وتداعيات قضية الهجرة والمهاجرين.

على الرغم من الاعتقاد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير عدله (المحامي العام) ويليام «بيل» بار صديقان حميمان منذ الثمانينات، ويتبادلان الزيارات العائلية، كان بار ينتقد علناً تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي، إذ كتب بار عام 2017 أن مولر «أخطأ في تعيين محققين في فريقه ساهموا في دعم سياسيين ديمقراطيين»، في إشارة إلى هيلاري كلينتون. وأضاف أن «فريقه (أي فريق مولر) كان يجب أن يكون أكثر توازناً، كما كان التحقيق قاصراً، لأن هدفه كان الإطاحة بالرئيس». وفي يونيو (حزيران) عام 2018، أرسل بار مذكرة من 20 صفحة إلى نائب وزير العدل رود روزنشتاين، قال فيها إن «نهج مولر حول إثبات أن ترمب يسعى إلى عرقلة محتملة للعدالة، كان أمراً قاتلاً، لأن تصرفات الرئيس كانت ضمن سلطته الرئاسية».
ثم، وفي 7 ديسمبر (كانون الأول) 2018، أعلن ترمب ترشيحه لبار خلفاً لسيشنز، الأمر الذي وُصف بأنه بمثابة تعيين كبير المحامين للدفاع عنه في ملف التحقيق الذي يتولاه روبرت مولر.

- مدافع مخلص عن ترمب
جدير بالذكر أيضاً، أن بار كان قد دعم قرار الرئيس ترمب بطرد جيمس كومي، المدير السابق لـ«مكتب التحقيقات الاتحادي» (إف بي آي) عام 2017، قائلاً إن الرئيس لم يرتكب خطأً عندما دعا للتحقيق مع هيلاري كلينتون حين كان الاثنان يتنافسان على الرئاسة، ورغم أنه لم يدعُ إلى سجنها أو مقاضاتها، فإنه اعتبر التحقيق معها أمراً واجباً. وقال إن الجدل كان يجب أن ينصب حول قضية اليورانيوم الروسي المتهمة فيه كلينتون، بدلاً من النظر فيما إذا كان ترمب يتآمر مع روسيا للتأثير على انتخابات عام 2016.
وفي تطوّر ينذر بالتحوّل إلى أزمة سياسية جديدة، لكن هذه المرة بمبادرة من الجمهوريين، أعلن بار يوم الثلاثاء الماضي أنه سيشكّل فريقاً لمراجعة قرارات مكافحة التجسّس التي اتخذتها وزارة العدل ومسؤولو «إف بي آي»، بما في ذلك الإجراءات المتخَذة خلال التحقيق في حملة ترمب صيف 2016. وتابع أن «التجسس على حملة سياسية يُعدّ أمراً كبيراً»، في إشارة إلى «إف بي آي»، الذي يتهمه بار بأنه بادر إلى فتح تحقيق ضد حملة ترمب لأسباب سياسية، في ترديد للأوصاف التي استخدمها الرئيس ومؤيدوه.

- الشهادة المكتوبة
يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2019، أي قبل يوم واحد من بدء جلسات الاستماع لتعيين بار، أرسل الأخير شهادة مكتوبة إلى اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ حول تقرير مولر النهائي، قال فيها: «مهم جداً إطلاع الجمهور والكونغرس على نتائج التحقيق، وهدفي كمحامٍ عام توفير أكبر قدر ممكن من الشفافية بما يتسق مع القانون».
وفي 22 مارس (آذار) 2019، أنهى مولر تحقيقه وقدّم التقرير النهائي إلى بار لدراسته. وبعد يومين قدّم بار تقريراً من أربع صفحات إلى الكونغرس لخّص فيه الاستنتاجات الرئيسية للتقرير، وهي: أولاً أن التحقيق لم يثبت وجود مؤامرة أو تنسيق بين حملة ترمب وجهود روسيا للتدخل في انتخابات عام 2016. وثانياً، لم يطلب مولر أي إجراء إضافي لاتهام ترمب بعرقلة العدالة، وأن «التقرير لا يخلص إلى أن الرئيس ارتكب جريمة وإن كان لا يعفيه».
ثم يوم الاثنين الماضي، بعد ردات فعل عنيفة ومطالبات مجلس النواب بنشر تحقيق مولر بالكامل، وافق بار على نشر أجزاء أوسع منه، محتفظاً بحق حجب كثير من المعلومات، التي اعتبر كشفها «مضراً بالأمن القومي».

- بار... وتاريخه السياسي
أثبت إذن ويليام بار ولاءه المبكر لدونالد ترمب «لأنه بعد كل شيء، ما الواجب الأعلى الذي يمكن أن يقوم به المحامي العام للولايات المتحدة غير المزايدة الشخصية للرئيس؟»، بحسب ما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً. لكن الأمر قد لا يبدو على هذا النحو بالنظر إلى تاريخ الرجل، الذي تقلد مناصب حكومية كثيرة، ولو كانت مواقفه تعكس على الدوام انتماءه الحزبي وقناعاته السياسية. بل إن بار، حقاً، عضو في الحزب الجمهوري، وسبق له أن تبّرع للمرشح الجمهوري جيف بوش خلال حملة 2016 بمبلغ 50 ألف دولار.
وُلِد ويليام بار في مدينة نيويورك يوم 23 مايو (أيار) 1950، وهو محامٍ سبق له أن شغل منصب نائب المحامي العام عام 1991، ثم تولى منصب وزير العدل من 1991 إلى 1993، بعدما أُعجب الرئيس الأسبق جورج بوش الأب بإدارته لملف 9 رهائن في أحد السجون الاتحادية، احتجزهم 121 نزيلاً كوبياً كانوا ينتظرون ترحيلهم إلى كوبا. ويومذاك، طلب بار - الذي كان نائباً لوزير العدل في تلك الفترة - من فريق إنقاذ تابع لـ«إف بي آي» مهاجمة السجن، ما أدى إلى إنقاذ جميع الرهائن من دون خسائر في الأرواح.

- موقفه من الإجهاض
كانت جلسة تعيين بار وزيراً للعدل للمرة الأولى عام 1991 هادئة بشكل غير عادي. وحظي باستقبال جيد من الجمهوريين والديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، بخلاف جلسة تثبيته الأخيرة وزيراً للعدل، في فبراير الماضي.
وفي حينه، ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن الحق الدستوري في الخصوصية يشمل الحق في الإجهاض، أجاب بار بأنه يعتقد أن الدستور لم يكن في الأصل يهدف إلى إنشاء حق في الإجهاض، الذي هو قضية مشروعة لمشرّعي الولايات، وليس لديه آراء ثابتة أو مستقرة بشأنه.
هذا الرد حدا برئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ - آنذاك - جو بايدن (نائب الرئيس الأميركي لاحقاً) بالقول إنه على الرغم من اختلافه مع بار، فإن كلامه هو أول إجابة صريحة يسمعها من أحد المرشحين لمنصب وزير العدل حول سؤال يجري التهرُّب منه عادة، ثم وصفه بأنه «رجل يعيدنا إلى الأيام التي كان لدينا فيها محامون بالفعل».

- الخلفية الاجتماعية
والدة وزير العدل، ماري مارغريت، ووالده، دونالد بار، كانا عضوين في هيئة التدريس بجامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك. وللعلم، فإن والده من أصل يهودي لكنه اعتنق الكاثوليكية وأنشأ ابنه في مدرسة كاثوليكية. وحصل ويليام على شهادة البكالوريوس عام 1971 وشهادة الماجستير في الدراسات الحكومية والصينية عام 1973 من جامعة كولومبيا، ثم حصل على درجة الإجازة (الدكتوراه) مع مرتبة الشرف العليا عام 1977 من كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن.
في مقالة علمية له عام 1995 كتب بار بأن الحكومة الأميركية «مبنية بدقة» على نظام القيَم اليهودي - المسيحي. وصارع العلمانيين والليبراليين بشدة، قائلا إنهم يستخدمون ثلاث طرق لتغيير النسق القائم:
- القانون، كسلاح للقضاء على القواعد الأخلاقية التقليدية عبر إزالة الحواجز التي تحول دون الطلاق.
- تعزيز النسبية الأخلاقية، من خلال إقرار القوانين التي تحل الإجماع الأخلاقي، وفرض الحياد، لإعطاء المثليين حقوقاً كغيرهم من الأشخاص.
- استخدام القانون مباشرة ضد الدين لاستبعاد المواطنين ذوي الدوافع الدينية من الساحة العامة.
وختم بار بالتذكير بضرورة الحاجة إلى إعادة هيكلة التعليم، والاستفادة من التخفيضات الضريبية للمؤسسات الخيرية لتعزيز التعليم الكاثوليكي.

- في الاستخبارات
من عام 1973 إلى عام 1977، عمل بار في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كذلك عمل في فريق السياسة المحلية في البيت الأبيض إبان عهد الرئيس رونالد ريغان بين مايو 1982 وسبتمبر (أيلول) 1983، مع لقبه الرسمي نائباً مساعداً لمدير السياسة القانونية.
واشتهر بار، منذ ذلك الحين، بأنه مدافع قوي عن السلطة الرئاسية، وكتب مطالعات تبرّر الغزو الأميركي لبنما، واعتقال رئيسها مانويل نورييغا. وله رأي مثير للجدل يعطي «إف بي آي» الحق بدخول الأراضي الأجنبية دون موافقة الحكومة المضيفة، للقبض على الهاربين المطلوبين من قبل حكومة الولايات المتحدة، في تهم الإرهاب أو الاتجار بالمخدرات.
وفي 24 ديسمبر 1992، وقبيل نهاية ولايته بعد هزيمته من قبل بيل كلينتون، أصدر الرئيس جورج بوش الأب عفواً عن ستة من مسؤولي الإدارة، خمسة منهم أدينوا بتهم تتعلق بما عُرف بـ«فضيحة إيران - كونترا» بعد التشاور مع بار. ولقد دافع الأخير بشكل خاص عن وزير الدفاع السابق كاسبار وينبرغر، الذي لم يُحاكَم قَط.

- موضوع الهجرة
ودافع بار أيضاً، بعد سنوات كثيرة، عن قرار الرئيس ترمب فصل المدعية العامة بالوكالة سالي ييتس بسبب رفضها الدفاع عن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب لمنع دخول مواطني سبع دول غالبيتهم من الدول الإسلامية. يُذكر أنه عندما كان نائباً لوزير العدل عام 1990، قاد بار بنجاح، إلى جانب آخرين في وزارة العدل، جهود سحب اقتراح من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية كانت ستسمح للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز) بدخول الولايات المتحدة. كذلك دعا إلى استخدام قاعدة خليج غوانتانامو الأميركية لمنع اللاجئين الهايتيين والأفراد المصابين بفيروس «الإيدز» من طلب اللجوء في الولايات المتحدة. ووفقاً لمحطة «فوكس نيوز» في ديسمبر 2018، دعم بار أجندة «القانون والنظام» ضد الهجرة، حين كان وزيراً في إدارة بوش الأب.

- مكافحة الجريمة
آيديولوجياً، عندما عُيّن بار وزيراً للعدل عام 1991 وصفته وسائل بأنه «محافظ متشدد». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنه يؤمن بأن مكافحة الجريمة العنيفة مستحيل إلا من خلال توسيع السجون الاتحادية وسجون الولايات لحبس المجرمين العنيفين.
واتخذ على الفور تدابير لمكافحة الجريمة في محاولة لإعطاء الأولوية لهذا الملف. وأعاد تشكيل 300 من عملاء «إف بي آي»؛ من العمل في مكافحة التجسس إلى التحقيق في عنف العصابات، وهو ما وُصف بأنه أكبر تغيير في القوى العاملة بتاريخ «إف بي آي».
وفي تأكيد لنهجه المحافظ المتشدد يؤيد بار عقوبة الإعدام، لأنه يعتقد أن قوانين عقوبة الإعدام الأكثر صرامة تقلل من الجرائم. وكان قد دافع عن مشروع قانون دعمه الرئيس بوش الأب، يوسع أنواع الجرائم التي يمكن معاقبتها بالإعدام. ودعا لأن يقتصر السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في الطعن بأحكامهم على القضايا التي لا تستمر لسنوات طويلة. وقال إن «القضايا التي لا نهاية لها تدمر نظام العدالة الجنائية، وتقلل من تأثير القوانين وتستنزف موارد النيابة العامة وتعيد باستمرار فتح جروح الضحايا والناجين»، على حد قوله.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».