محادثات روسية ـ إسرائيلية لـ«زيادة التنسيق العسكري» في سوريا

TT

محادثات روسية ـ إسرائيلية لـ«زيادة التنسيق العسكري» في سوريا

عادت موسكو، بشكل مفاجئ، إلى التذكير بموقفها حول رفض طرح شروط مسبقة للتسوية في سوريا تدور حول مصير ودور الرئيس السوري بشار الأسد، وأكدت الخارجية الروسية أن «هذا الملف ليس مطروحاً في النقاشات الخاصة بتسوية الأزمة في سوريا».
وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في حديث لإذاعة «صدى موسكو» الروسية، إن ملف مصير الأسد «ليس موضوعاً للتفاوض، ومسألة رحيل الأسد تم إغلاقها، وسبق أن طوت كل الأطراف التي كانت تطالب بذلك هذه الصفحة».
وزادت الدبلوماسية الروسية: «إنه رئيس فعلي لدولة ذات سيادة. والشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر من سيدير بلاده، وكيف ينبغي العمل على وضع الدستور الجديد من أجل ذلك».
ولفتت إلى أن موسكو نشطت اتصالاتها في الفترة الأخيرة مع تركيا وإيران والحكومة والمعارضة السوريتين والأمم المتحدة، بهدف دفع ملف تشكيل اللجنة الدستورية، واستكمال تنفيذ مقررات مؤتمر سوتشي للحوار بين السوريين.
وكانت وسائل إعلام روسية ركزت خلال الفترة الماضية على تنامي الخلافات داخل معسكر «مسار آستانة»، ولفتت إلى «تعقيدات متزايدة» تواجهها علاقات موسكو مع كل من طهران وأنقرة. لكن اللافت أن بعض وسائل الإعلام تحدثت عن استياء روسي متزايد من أداء الأسد نفسه، خصوصاً بعد زيارته الأخيرة إلى إيران، التي قالت عنها مصادر روسية إن «موسكو أُبلغت بها في اللحظات الأخيرة»، وبعد خطوات عدة قامت بها الحكومة السورية لمنح الإيرانيين عقوداً مهمة في سوريا.
في المقابل، تشير الأوساط الحكومية الروسية إلى أنه بعد نجاح القوات الحكومية في سوريا في بسط السيطرة على أكثر من 90 في المائة من أراضي البلاد، لم تعد الشعارات التي كانت ترفعها بعض البلدان حول ضرورة رحيل الأسد شرطاً لإطلاق مسار التسوية تحظى بقبول.
على صعيد آخر، أجرى سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، جلسة مناقشات موسعة مع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، الذي كان يرافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو.
وأعلن الموقع الإلكتروني لمجلس الأمن أن الطرفين بحثا تطورات الملف السوري، وآليات تعزيز وتوسيع التنسيق الأمني والعسكري بين روسيا وإسرائيل. وأفاد بيان صدر في ختام اللقاء بأن باتروشيف وشبات «تبادلا الآراء حول عدد من الموضوعات المتعلقة بالتعاون الروسي الإسرائيلي في مجال الأمن، كما ناقشا الأوضاع في سوريا».
وركزت وسائل إعلام روسية، أمس، على أن نتنياهو حصل خلال زيارته على «كل ما كان يريد من الجانب الروسي». وعلى الرغم من أن الكرملين أعلن بعد لقاء نتنياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين أن الطرف الإسرائيلي «لم يقدم ورقة مكتوبة» إلى موسكو خلافاً لتوقعات سابقة في هذا الشأن، لكن مصادر إعلامية روسية أشارت إلى أن «الزيارة حققت أهداف نتنياهو». ولفتت صحيفة «كوميرسانت» إلى أن الهدف الأساسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي تركز في استعادة الاتصالات بين الجيشين الروسي وإسرائيل، وأن إقامة استعراض مهيب لتسليم رفات الجندي الإسرائيلي كان بين العناصر التي أسهمت في تذويب ما تبقى من خلافات سابقة بين المؤسستين العسكريتين.
وفي مقابل تجنب الطرفين إثارة موضوع الضربات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، بشكل علني، لكن مصادر الصحيفة قالت إن بوتين طلب من الجانب الإسرائيلي «زيادة وقت التحذير قبل قيام الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربات على مواقع في سوريا». كما تطرق البحث، وفقاً للصحيفة، إلى نشر نظام الدفاع الجوي «إس 300» في سوريا من دون إحراز تقدم في هذا الشأن، علماً بأن إسرائيل تطالب موسكو بعدم وضع الأنظمة الصاروخية تحت إشراف العسكريين السوريين.
ووفقاً لمصادر إسرائيلية تحدثت معها الصحيفة، فإن بوتين أخبر نتنياهو بأن «العلاقة الخاصة بيننا هي ما حال دون وقوع صدام بين الجيشين الروسي والإسرائيلي»، في إشارة إلى الأزمة القوية التي واجهها الطرفان بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية قرب السواحل السورية خريف العام الماضي.
وزاد المصدر أن «العلاقة الشخصية بين رئيس روسيا ورئيس الوزراء الإسرائيلي فريدة ومتميزة». وزاد أن «العلاقات المباشرة بين بوتين ونتنياهو تخدمنا في حل القضايا مع الإيرانيين و(حزب الله)، وكذلك في القضايا الدولية الأخرى».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.