التمدد الإيراني باقٍ مع استمرار {تصدير الثورة}

هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي
هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي
TT

التمدد الإيراني باقٍ مع استمرار {تصدير الثورة}

هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي
هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي

بعد كمون استمر طوال عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي فرضته ظروف إعادة إعمار إيران بعد الحرب مع العراق وسياسة «الاحتواء المزدوج» الأميركية، بُعثت حية مقولة تصدير الثورة بعد الغزو الأميركي للعراق ووصول محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة مدشنا استئناف استراتيجية التدخل في شؤون الدول المجاورة لكن مع قدر أقل من الآيديولوجيا وأكثر من البراغماتية السياسية.
رأت إيران بقيادة المرشد علي خامنئي في احتلال العراق وانهيار دولته فرصة تاريخية لبناء حزام عازل يبعد أراضيها عن أي هجوم مقبل من جهة الغرب على غرار ما جرى في الأعوام 1980 - 1988 المريرة. عليه، لم يكن مستغربا أن يسارع الإيرانيون ومنذ الأسابيع الأولى لدخول القوات الأميركية الأراضي العراقية إلى إرسال أنصارهم من العراقيين أولا ثم الخبراء الأمنيين والعسكريين الإيرانيين الذين ساهموا مساهمة حاسمة في تأسيس الميليشيات وتدريبها وتمويلها في الوقت الذي كانت الأذرع السياسية الإيرانية تعمل من دون كلل لضمان الحضور السياسي الكبير للموالين لها في أجهزة الدولة العراقية التي يعاد بناؤها.
كان النفوذ الإيراني في المنطقة العربية قد انحسر بعد الحرب مع العراق إلى علاقات طهران المميزة مع سوريا وتوجيه «حزب الله» في لبنان الذي يظل دعمه وتأييده من أسس الاستراتيجية الإيرانية لأسباب تتجاوز الصلة بجماعة شيعية كبيرة لتصل إلى صميم الذرائع الآيديولوجية ومبررات وجود النظام الإيراني باعتباره رافعا لشعار «تحرير القدس» وما شاكل، على الرغم من مشكلات إعادة البناء والصراعات الداخلية التي انتهت إلى إمساك التيار المحافظ بكل روافع الحكم وتحول «الحرس الثوري» الإيراني إلى منظومة اقتصادية وسياسية ضخمة متداخلة بآليات اتخاذ القرار اليومي في الدولة.
في المقابل، ساد اعتقاد في الكثير من الأوساط العربية أن التمدد الإيراني لا يمكن أن يتجاوز المحيط المباشر لإيران أو المناطق التي تحتضن حضورا شيعيا وازنا على غرار العراق ولبنان. بيد أن أحداث العقدين الماضيين تقول شيئاً آخر. ذلك أن فتح «البوابة الشرقية للعالم العربي» على ما كان يوصف العراق، لم يتبعه قيام بوابات وسدود بديلة بمعنى تشكيل استراتيجية عربية للتعامل مع الاحتلال الأجنبي لدولة عربية كبيرة، أولا، وخطر تحول هذه الدولة إلى نقطة انطلاق لقوى إقليمية لا تتفق مصالحها مع المصالح العربية، سواء لناحية الإصرار على التمسك بموقع القيادة الإقليمي بشعارات من نوع دعم قوى المقاومة التي تحارب إسرائيل أو تقديم إيران نفسها باعتبارها المفسر الوحيد لماهية المصلحة العليا في المنطقة.
ترك غياب استراتيجية عربية عددا من الدول وحيدة أمام الضغوط الإيرانية. وانتشر النفوذ الإيراني في مؤسسات دول مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، ليس على مستوى ضمان الولاء السياسي العام، بل على صعيد الرقابة اليومية على سير أمور قد تبدو من اختصاص الدول المعنية. الحضور الأمني الإيراني في هذه الدول بات بمثابة تحصيل الحاصل، في حين أن السيطرة السياسية الكاملة تسير سيرا حثيثا نحو الكمال.
الفكرة القائلة إن المد الإيراني سيظل محصورا في الطائفة الشيعية في المنطقة ولن يتجاوزها إلى الطوائف الأخرى، بسبب «مناعة» متخيلة عند السنة أو المسيحيين حيال الدعاية الإيرانية، ثبت انعدام دقتها. التجربتان العراقية واللبنانية تقولان إن السياسة الإيرانية المزودة بالمال وبالوعود قادرة على القفز فوق الجدار المذهبي. وكان إغراء «تحالف الأقليات» قد جذب المسيحيين أولا فانضموا إلى «محور المقاومة» في لبنان وسوريا، ثم لحقت بهم شرائح من الطائفة السنّية التي فضلت إقامة علاقات تعاون وولاء بدلا من تحمل الضغط الإيراني؛ خصوصاً أن العرب لم يبدوا مؤهلين لخوض مضمار المنافسة مع إيران في الساحات اللبنانية والعراقية والسورية.
وإذا أُخذت الانتخابات النيابية اللبنانية في مايو (أيار) الماضي كمؤشر إلى ما يجري داخل هذا البلد، لظهر بجلاء أن النفوذ الإيراني لم يعد مقتصرا على الحلفاء التقليديين (الشيعة) والجدد (المسيحيين) بل حقق تقدما ملحوظا في شرائح كان من الصعب تخيل تأييدها لنفوذ إيران قبل أعوام قليلة.
حماية النظام الإيراني بحيث لا يفاجأ بحرب عليه من دولة مجاورة والرد على أي هجوم قد يتعرض له من دول بعيدة (إسرائيل خصوصا) يبقيان من أسس الاستراتيجية التي تقوم عليها السياسة الإيرانية الحالية، وترافقها عروض اقتصادية واقتراحات بالتسليح وخطابات متنوعة بين اللين والشدة تتلاءم كلها مع التطورات اليومية من دون أن تعكس أي تبدلات في المقاربة الإيرانية للمنطقة، وهي المقاربة الباقية ما دامت الاستراتيجية العربية المقابلة غائبة وما دام القرار الغربي منقسماً.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.