«غوغل» تدق باب عالم الألعاب الإلكترونية بخدمة «ستاديا»

بعد مرور 8 أجيال على عالم أجهزة الألعاب الإلكترونية المنزلية، قررت «غوغل» أن الوقت قد حان لإحداث تغيير جذري فيه، معلنة عن خدمة «ستاديا» Stadia (جمع كلمة «ستاديوم» التي تعني «الحلبة الرياضية»)، التي ستطلقها في وقت لاحق من العام الحالي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي بشكل أولي.
- نقلة نوعية
الخدمة آلية للعب بالألعاب الإلكترونية عبر أي جهاز متصل بالإنترنت بغض النظر عن قدراته التقنية (حتى لو كان تلفزيوناً متصلاً بالإنترنت عبر ملحق «كرومكاست»)، للحصول على تجربة ترفيه بأعلى المستويات. وتتم عملية معالجة البيانات عبر أجهزة «غوغل» السحابية، ويتم نقل أوامر اللاعب للتحكم بشخصيته والعالم إلى أجهزة الشركة مباشرة، ومن ثم نقل ما يحدث إلى جهاز اللاعب المتصل بالإنترنت. كما ستقدم عروض «يوتيوب» للألعاب رابط «اللعب الآن» Play Now الذي يسمح للمستخدمين ببدء تجربة اللعبة التي أعجبتهم خلال 5 ثوانٍ فقط، بدلاً من تحميلها إلى أجهزتهم لساعات عدة، ومن ثم تثبيتها على القرص الصلب الداخلي لجهازهم.
وتتكامل هذه الخدمة مع خدمات بث المحتوى الترفيهي، بحيث يمكن لأي قناة «يوتيوب» مشاركة رابط خاص يسمح لأي لاعب باللعب مع نجمه المفضل أو ضده في لعبة ما بمجرد النقر على ذلك الرابط. كما يمكن لأي لاعب أو صانع محتوى في «يوتيوب» النقر على زر خاص لنقل صورة رقمية عن مجريات الأحداث ووضعها على شكل رابط يمكن لأي شخص من خلاله معاودة تجربة ذلك اللاعب بجميع العوامل المرتبطة، مثل وجود شخصية اللعب في موقف صعب دون وجود أي وسيلة للقتال مع قدوم الأعداء من كل حدب وصوب نحو اللاعب، ليستطيع أي شخص نقل هذه التجربة إلى الآخرين بدلاً من مجرد مشاهدتها.
وتوفر «غوغل» آلية صناعة الألعاب عبر منصتها بحيث يستطيع المطورون استخدام تقنيات «غوغل» السحابية لتطوير الألعاب، أو استخدام محركات البحث القياسية (مثل «يونيتي» Unity و«أنريل إنجين» Unreal Engine) على أجهزتهم شرط دعم بعض العوامل التقنية الأساسية. ونظراً لأن الأجهزة الخادمة للعبة موجودة داخل مقرات «غوغل»، فإن عملية ربط اللاعبين بعضهم ببعض سترتفع من 12 أو 100 لاعب إلى آلاف اللاعبين في آن واحد، وذلك لأن بيانات هذه الكميات الكبيرة من اللاعبين ستكون محلية بالنسبة للأجهزة الخادمة، ولا حاجة لوجود أجهزة خادمة لكل شركة مطورة للعبة. كما تسمح الأجهزة الخادمة لـ«غوغل» بتقديم أعلى مستويات الأداء التي تحتاجها اللعبة، بحيث لن تضطر الشركات المطورة إلى التفكير في النواحي التقنية، بل الجانب الإبداعي والترفيهي في ألعابها.
وتبلغ قدرة الحوسبة الحالية لهذه الخدمة 10.7 تيرافلوب (التيرافلوب هو وحدة قياس عدد العمليات الحسابية في الثانية) والتي تزيد على قدرة جهازي «إكس بوكس وان إكس» و«بلايستيشن 4 برو» مجتمعين، مع سهولة رفع هذه القدرة حسب طلب الشركة المطورة.

- لعب «إنترنتي»
ومن الأمور اللافتة للنظر أن «غوغل» لا تتطلب وجود أي ملحقات أو أجهزة خاصة بها، بحيث يمكن اللعب باستخدام لوحة المفاتيح أو الفأرة على الكومبيوتر الشخصي، أو أدوات التحكم الخاصة بكل جهاز ألعاب، أو أدوات التحكم التي يطلقها كثير من الشركات الأخرى. ولكن «غوغل» تقدم أداة تحكم لاسلكية تنصح بها تتصل مباشرة بالإنترنت لخفض وقت نقل أوامر التحرك Latency بدلاً من اتصالها بتطبيق خاص الذي قد يخفض من وقت الاستجابة بشكل ملحوظ. تصميم أداة التحكم هذه قياسي، ولكنها تحتوي على أزرار خاصة لمشاركة المحتوى مع الآخرين عبر «يوتيوب» واستخدام تقنيات الذكاء الصناعي («مساعد غوغل» Google Assistant) لسؤال المساعد عن حل لغز موجود أمام اللاعب، ليقدم له «مساعد غوغل» الحل على شكل عرض فيديو في «يوتيوب»، وبكل سهولة.
وتعد «غوغل» بتقديم جودة رسومات تبدأ من دقة 1080 بسرعة 60 صورة في الثانية بالصوتيات المجسمة، مع استهداف الدقة الفائقة 4K بالسرعة نفسها ودعم تقنية المجال العالي الديناميكي High Dynamic Range HDR، ووعدها بتقديم دقة 8K الخارقة بسرعة 120 صورة في الثانية، مع القدرة على إيقاف اللعب على أي جهاز، وإكماله على جهاز آخر من النقطة نفسها التي توقف عندها اللاعب. كما بدأت «غوغل» تأسيس أقسام مختصة بتطوير ألعابها. وبهذا تكون الشركة قد أوجدت نظاماً متكاملاً للترفيه يشمل اللاعبين وصناع المحتوى في «يوتيوب» والمطورين.
- آثار ضخمة
وستؤثر هذه الخدمة على كثير من القطاعات بشكل غير مسبوق، حيث إن اللاعبين لن يكونوا مضطرين إلى شراء أجهزة متقدمة ببطاقات رسومات عالية الأداء، ومعالجات متفوقة وأقراص صلبة سريعة وذاكرة ضخمة، ومن ثم تحديث تعريفات Drivers كل قطعة في جهازهم بالشكل المناسب، حيث ستتكفل «غوغل» بذلك في بنيتها التحتية الجديدة. كما أن المستخدمين ليسوا مضطرين بعد الآن إلى تحميل تحديثات ضخمة لألعابهم بشكل دوري، مع عدم وجود قيود على حجم الألعاب التي تطلقها شركات تطوير الألعاب، حيث كانت الحدود التقنية لأقراص «بلو - راي» تتراوح بين 50 و100 غيغابايت للقرص الواحد، بينما يمكن الوصول إلى 10 أضعاف كمية البيانات الحالية بكل سهولة.
ومن شأن هذه الخدمة تغيير مفهوم اللعب بين اللاعبين، حيث يمكن أن يلعب مستخدمو «بلايستيشن» مع لاعبي «إكس بوكس وان» أو «نينتندو سويتش» أو لاعبي الكومبيوتر الشخصي بمجرد تشغيل متصفح الإنترنت في تلك الأجهزة لبدء اللعب مع أي لاعب آخر متصل بهذه الخدمة، حتى لو كان يلعب من هاتفه الجوال.
وفي حال قررت الشركات المطورة للألعاب التي تطلقها على أجهزة متعددة استخدام هذه المنصة بشكل رئيسي بدلاً من أجهزة الألعاب الأخرى، فإن هذا الأمر سيعني هجرة جماعية لكبرى الشركات نحو «ستاديا»، ووجود ألعاب حصرية لأجهزة الألعاب وفقاً لقدرات فرق التطوير الموجودة في شركات تطوير الألعاب.
ولم تذكر «غوغل» سرعة الإنترنت المطلوبة لهذه الخدمة أو تكلفتها، ولكن هناك فرضيات عدة؛ أولاها تقديم نموذج اشتراك شهري يسمح باللعب بعدد غير محدود من الألعاب، الأمر الذي قد لا ينجح بسبب أن اللاعبين لن يمتلكوا أي لعبة، بل سيستأجرون وقت اللعب بها. أما النموذج الثاني، فهو شراء لعبة بقيمتها الكاملة واللعب بها في «ستاديا»؛ الأمر الذي قد لا يعجب اللاعبين بسبب عدم وجود سبب مقنع بالشكل الكافي لترك أجهزة الألعاب والانتقال إلى هذه الخدمة. النموذج الثالث المرجح هو تقديم هذه الخدمة مجاناً، على غرار الخدمات الأخرى لـ«غوغل»، وعرض إعلانات مدروسة تحصل الشركة من خلالها على الدخل المطلوب، وهو النموذج المرشح للفوز بعشرات الملايين من اللاعبين.
ورغم وجود شكوك حول قدرة «ستاديا» على إلغاء نموذج شراء أجهزة الألعاب مقابل الحصول على أفضل القدرات التقنية للترفيه على أي جهاز وفي أي وقت شرط وجود اتصال جيد بالإنترنت، وذلك بسبب تاريخ «غوغل» الحافل بإلغاء كثير من مشاريعها التجريبية، فإن «غوغل» هي الشركة المناسبة لإحداث هذه النقلة على خلاف كثير من الشركات الأخرى التي حاولت تقديم نموذج مشابه في السابق (مثل «ستيم» Steam و«إيبيك» Epic و«بلايستيشن ناو» PlayStation Now التي هي عبارة عن خدمة «غايكاي» GaiKai التي تحدثت عنها «الشرق الأوسط» في السابق بعد شراء «سوني» لها في وقت سابق.
ويتوقع أن تبدأ هذه الخدمة بالانتشار الموسع خلال بضعة أعوام بعد دعم مزيد من الشركات المطورة للألعاب وازدياد عدد الألعاب المقدمة فيها، بالإضافة إلى انتشار الإنترنت عالي السرعة بشكل أكبر في كثير من الدول حول العالم. ويتخوف البعض من معرفة «غوغل» نوع الألعاب التي يلعبونها والأوقات التي يقضونها ومع من يلعبون عبر الإنترنت والمحادثات الصوتية التي تدور بينهم، خصوصاً مع شركة تعرف الكثير عن عادات استخدامهم الكومبيوتر الشخصي والهواتف الجوالة والخرائط... وغيرها.