«مجددون»... مبادرة سودانية تطعم التلاميذ الجوعى وتعلم المشردين

«فرحة» طفلة سودانية ذكية، كانت تدرس بجدية لتكون «سفيرة»، لكن حلمها أجهضه الفقر المدقع، وتقاليد مجتمع لا تسمح للبنت بمواصلة الدراسة بعد سن الثانية عشرة.
زُوِّجت فرحة من أحد أقاربها وهي في سن صغيرة، وأجبرت على التوقف عن المدرسة والتخلي عن طموحها، وبسبب انهيار طموحها أمام ناظريها أصيبت بـ«إعياء» نفسي، نقلت على إثره لطبيب بلدي ليداويها «كيّاً بالنار»، فلم تشف والتهب الجرح.
وبعد تدهور حالتها، نقلتها «منظمة مجددون» إلى الطبيب، فشكت له من حمى وصداع وبكل براءة الأطفال من «شيء ما يتحرك في بطنها»، فقد حبلت الطفلة دون أن تدري معنى الأمومة والحمل والولادة، ثم تفاقمت حالة «فرحة» فذبلت وماتت.
يقول «فارس إبراهيم النور» مؤسس منظمة «مجددون» ومديرها السابق، إن مأساة «فرحة» ووجبة «أمل» المدرسية الفقيرة، المكونة من فتات الخبز اليابس المذاب في قارورة ماء تشربه حين تجوع، وتحصل عليه من بقايا «علف أغنام الجيران» غيّرتا حياته.
أثناء توزيع فارس ملبوسات على الفقراء، صدم حين التقى الفتاتين، يقول: «الشرارة التي أوقدت نار (مجددون)، إنني كنت أوزع ملابس للتلاميذ في إحدى المدارس في حي بري اللاماب، لكن مدير المدرسة قال لي نحن بحاجة لـ(أكل) بدلاً عن الملابس».
عرف فارس أن والدة أمل تعمل «غسّالة» ملابس في بيوت الأثرياء، وتابع: «قالت لي، أحياناً يكون عندنا أكل، وأحياناً لا، وحين لا نجد طعاماً تنظم لنا جدتي مسابقة لشرب الماء، فتمتلئ بطوننا بالماء فننام».
من التفكير في إطعام التلاميذ الجوعى في المدارس نبتت فكرة «منظمة مجددون»، لتحل مشكلة الغذاء في المدارس، يقول فارس: «بدأنا بعشرين ساندويتشاً، فاكتشفنا أن هناك 80 تلميذاً بحاجة لوجبة إفطار».
وقال مؤسس «مجددون»، إن الحاجة تطورت سريعاً إلى ثلاثة آلاف ساندويتش يومياً وفرها الخيرون، ثم عرفنا أن الجوع مشكلة عامة في المدارس.
تأسست منظمة «مجددون» في أبريل (نيسان) 2010. وفرت خلالها قرابة 50 مليون وجبة طعام، لقرابة 36 ألف تلميذ فقير، في 123 مدرسة، ويشير فارس إلى أن مدرسة منطقة «ود الحوري» الواقعة شمال الخرطوم تسرب معظم تلاميذها بسبب الجوع.
ليس الجوع وحده هو سبب الهروب من المدارس وضعف مستوى التعليم، يوضح فارس: «بعض المدارس بلا مرافق حتى في الخرطوم، في كرري بأم درمان قمنا وبالتعاون مع منظمة (كفد) ببناء 13 مدرسة»، ويتابع: «دخلنا في شراكة مع هذه المنظمة ومع اليونيسيف وبنينا 34 حماماً، إضافة إلى صيانة مدارس وتدريب معلمين على الصيانة».
وبحسب منظمة (Emergency) الإيطالية الطوعية، وتعمل في مجال طب القلب، فإن أحد أسباب أمراض القلب في السودان ناتج عن سوء التغذية، مما دفع «مجددون» لتنظيم حملات توعية من ذوي هؤلاء الأطفال المرضى وأسرهم.
وتستهدف «مجددون» إقامة مشاريع لسقيا المدارس، وتوفير مياه الشرب الصحية في 100 مدرسة في أنحاء البلاد، ونفذت حملة المياه الصحية في 21 مدرسة، بالتعاون مع «مجموعة دال السودانية» و«مجموعة الأمل الإماراتية».
استطاعت «مجددون» ببذل الطعام تحريك شريحة هؤلاء الأطفال، وجذبتهم للتعليم، وأقامت لهم فصولاً في الهواء الطلق على «شارع النيل»، علمت الكثيرين منهم الكتابة والقراءة واللغات والحساب.
يقول فارس: «كسبنا ثقتهم وشاركناهم همومهم، وقد قضيت شخصياً ليلة معهم في مساكنهم تحت مجارير المياه، فعزمونا على وجبة فول من دخلهم الشخصي». وتحصل «مجددون» على التمويل مما تسميه «المجتمع الداعم»، وتجمع زهاء 70 في المائة من تمويلها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، يقول فارس: «تعاملنا مع التبرعات بشفافية، وسلمنا المستحقين (لايف)».