المشهد

كل الأفلام

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* شاهدت منذ مطلع العام الحالي 377 فيلما، نحو أربعين في المائة منها من إنتاج هذا العام (تحديدا 154 فيلما من إنتاج هذا العام)، والباقي من الأفلام القديمة التي لم يسبق لي أن شاهدتها من قبل. فإذا اعتبرنا أنه مر من أيام السنة قرابة 220 يوما حتى الآن، فإن المعدل هو ثلاثة أفلام كل 48 ساعة.
* هذا متاح لي عبر ما أتسلمه من أسطوانات مدمجة نظرا لكوني عضوا في أهم محفل لصحافيي السينما (جمعية مراسلي هوليوود الأجانب)، وعبر مواقع إنترنت للأفلام القديمة المتوافرة، لكن أساسا عبر المشاهدات المكثّفة للأفلام في عقر دورها وهي صالات السينما سواء تلك التجارية أو تلك التابعة للمهرجانات.
* إذا ما استمرت النسبة على حالها فإنه في نهاية السنة سيكون مجموع ما أشاهده من الأفلام المنتجة حديثا قد ارتفع لأكثر من 600 فيلم، وذلك مردّه أننا دخلنا موسم المهرجانات المتتابعة. مر بنا كارلوفي فاري، وتبعه لوكارنو، وما إن انتهى لوكارنو حتى بدأ سراييفو، وما إن ينتهي سراييفو حتى ينطلق فينيسيا، وخلال الأسبوع الثاني من فينيسيا يشعل مهرجان تورنتو شاشاته وتنتقل الشعلة إلى سان سيباستيان ودوفيل وأبوظبي ومراكش وروما ولندن والقاهرة ودبي، ما عدا السهو والخطأ.
* لن يكون متاحا حضور جميع هذه المهرجانات المتعاقبة، بل بعضها، علما بأن عددا متزايدا من المهرجانات بات يتيح للنقاد مشاهدة نسبة لا بأس بها من أفلامها على مواقع إلكترونية خاصة. في الوقت ذاته، هناك مهرجان شبه دائم خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من كل عام لأعضاء الجمعية المذكورة تعرض فيه الأفلام الراغبة في الفوز بجائزة «غولدن غلوبس» التي توزعها الجمعية. هذه الأفلام هي أميركية، رئيسة أو مستقلة، ودولية.
* لا أذكر كل ذلك تباهيا، وليس لأن هناك ناقدا زميلا يواصل الكتابة عن أفلام لم يرها كلما أراد مكتفيا بنحو 20 فيلما يلتقطها في «كان» الذي يحضره كل سنة وبنحو عشرة أخرى يدخلها اضطرارا، بل للتأكيد على أن كل الأرقام أعلاه لا تشكّل سوى أقل من خمسين في المائة مما يتم إنتاجه عالميا.
* ليس في الحسبان الثمانمائة فيلم هندي وما يوازيها صينيا (أو يقل عنها قليلا)، لكن في الاعتبار ما تنتجه شركات الإنتاج في دول أخف زخما لكن نسبة ما يعرض من أفلامها في المهرجانات هو دون العشرة في المائة من إنتاجاتها، ونسبة ما يعرض من أفلامها في الأسواق التجارية خارج حدود بلد المنشأ لا تتجاوز الخمسة في المائة في أفضل الأحوال.
* هناك أفلام سويسرية وفنلندية وكولومبية وجنوب أفريقية ونرويجية وهولندية وأرجنتينية وكورية وأخرى من تايوان والسنغال وتايلاند والفلبين والسويد والدنمارك وإندونيسيا (مؤخرا تمّ إطلاق مهرجان لها في لوس أنجليس) وحتى من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال تنتج ولا تعرض إلا داخل كل بلد منها. معظمها، كما أشرت، لا مجال لمشاهدته حتى ولو أمضى الواحد أيام العام كلها في صالة سينما تعرض الأفلام واحدا تلو الآخر باستثناء ساعات النوم.
* إنه وضع غريب. هذا الناقد ليس مميّزا فيه، بل هناك عشرات سواه في كل مكان. هؤلاء يتشرّبون الأفلام ليل نهار كما لو أنهم في سباق ماراثون. هؤلاء يفعلون ما يعتقدونه في صلب المهمة التي انتدبوها لأنفسهم والمهنة النقدية التي يشغلونها. هناك شيء غامض يجري في الدم والبال يحثهم على متابعة ما يمكن الوصول إليه من الأفلام الجديدة من دون إهمال ما تم إنتاجه خلال أكثر من 100 سنة سينما. ولنا عودة إلى هذا الموضوع إذا ما عرفت ما هو هذا الشيء الغامض.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز