هل يمتلك الرجل دماغاً مختلفاً عن دماغ المرأة؟

يشعر الرجال والنساء في حقيقة الأمر، وكأنهم من كوكبين مختلفين، فقد جاءت دراسات علمية كثيرة فيما مضى لتؤكد أن هناك اختلافات كثيرة بين دماغ الرجل والمرأة. إلا أن الدراسات الحديثة أكدت عكس ذلك، حيث إن تركيب الدماغ لا يختلف في كلا الجنسين... سوى أن دماغ المرأة أصغر بنسبة 10 في المائة عن دماغ الرجل، ومع ذلك فإنه لا يؤثر على مستويات الذكاء.
الفوارق بين الرجل والمرأة هي ليست اختلافات من حيث الشكل أو الأعضاء التناسلية فقط، بل هناك اختلاف في دماغ كل منهما. وهناك أدلة كثيرة على صحة ذلك، فالعاملون في شركة «غوغل» على سبيل المثال أكثرهم من الذكور بسبب العاطفة الشديدة لدى النساء وقلة ميلهن في صياغة الرموز التشفيرية.
وإذا أردت أن تعرف ما الذي يدعم الاختلافات بين الرجل والمرأة في قدرة كل منهما وسلوكهما وطباعهما، وحتى في خيارات نمط حياة كل منهما، فسوف ترى الإجابة تكمن في الجينات والأعضاء والغدد التناسلية.
- نظرة تاريخية
إن التفريق في الجنس على أساس الدماغ كان يعتمد في السابق على «سخافة» أساسها قياس حجم الجمجمة، أو على علم فراسة الدماغ Phrenology ، (وهو علم زائف قديم). وبقيت تلك المعتقدات حتى نهاية القرن التاسع عشر. بعدها بدأت البحوث الجادة في تثبيت طبيعة هذه الفوارق بين الرجل والمرأة. كانت التفسيرات الأولية لاختلاف دماغ الرجل عن المرأة تعتمد على الفارق في الوزن، فدماغ المرأة أخف من دماغ الرجل بنسبة 10 في المائة، أي ما يعادل 140 غراماً؛ ولذلك اعتبرت المرأة حينذاك في منزلة أدنى.
في الثمانينات من القرن الماضي جاءت فكرة الاختلاف في تركيب دماغ المرأة على أساس الجزء الأيمن والجزء الأيسر من الدماغ، فالجزء الأيسر هو الذي يسيطر على اللغة والتفكير الخاص بالتحليل النفسي والتفكير المنطقي، بينما يسيطر الجزء الأيمن منه على الإحساس العاطفي والإبداع.
وبتطور التكنولوجيا في نهاية القرن العشرين مع التطور الكبير في برامج الكومبيوتر وتحليل البيانات، أصبح بالإمكان تحديد الفوارق بين دماغَي الرجل والمرأة. وفي واحدة من الدراسات التي نشرت عام 2014 قام الباحثون من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة بقياس مسارات اتصال الدماغ لعدد كبير من الرجال والنساء.
- الدماغ ومساراته
ليس هناك ما يثبت حقيقة أن الأشخاص الأذكياء يملكون أدمغة كبيرة، لكن البشر عادة يتفوقون على الحيوانات التي لديها أدمغة كبيرة كالحوت والفيل. وفي الوقت الحاضر نحن نعلم أن دماغ الإنسان هو ناتج من طبيعة حياة الفرد ومن الممارسات التي مر بها ومن مراحل التعليم ومواقع العمل ومن الممارسات الرياضية والهوايات.
على سبيل المثال، لكي يجتاز سائق التاكسي في لندن اختبار القيادة عليه أن يتذكر مسارات الطرق المختلفة التي يزيد عددها على 25 ألف شارع ضمن دائرة مداها 6 اميال (10 كلم) في منطقة تشارنغ كروس في وسط لندن؛ لذلك فإن أدمغة هؤلاء الأشخاص تختلف عن أدمغة مدربي قيادة التاكسي، وعن أدمغة سائقي التاكسي المتقاعدين، وحتى عن أدمغة سائقي حافلات نقل الركاب الذين يسلكون طرقاً محددة في مسارهم.
في عام 2005، أوضحت الطبيبة النفسانية ميليسا تيرلكي في كلية كابريني Cabrini College، والباحثة نورا نيوكومب من جامعة Temple، وكلتاهما من بنسلفانيا في أميركا، أن ألعاب الفيديو والكومبيوتر هي أفضل متنبئ للقدرات الذهنية. ولا فرق بين الجنسين في المهارة والتحكم في الألعاب. وتشير الدلائل إلى أن الرجل والمرأة متشابهان أكثر مما هما مختلفان، ففي عام 2015 وجدت مراجعة لأكثر من 20 ألف دراسة في الاختلافات السلوكية وفق بيانات من أكثر من 12 مليون شخص، وجدت أن الاختلاف بين الرجل والمرأة على مدى واسع من الصفات كانت بسيطة جداً مثل الاندفاع والتعاون والانفعالية.
- فوارق غير جوهرية
وكانت دراسة قامت بها دفنا جويل عام 2015 الأكثر تأكيداً على عدم وجود فوارق جوهرية بين دماغ الرجل والمرأة. فبعد فحص تراكيب 100 دماغ في أكثر من 1400 اختبار بالأشعة فوق الصوتية، وجدت أن من الصعب، بل من المستحيل تقسيم تلك العينات من الأدمغة إلى مجاميع لأدمغة رجال أو نساء.
في أحدث دراسة قامت بها جينا ريبون من جامعة استون في برمنغهام في المملكة المتحدة استخدمت تقنيات تصوير الدماغ لدراسة حالات التوحد وعسر القراءة dyslexia، أشارت إلى أن حالة التوحد هي حالة ذكورية، بمعنى أننا نفتقد الكثير من الإناث المصابات بالتوحد. فالتشخيص غالباً ما يشتمل على الذكور دون الإناث؛ ولذلك لا تحصل الإناث على العلاج اللازم، وتفتقد دراسات دماغ الإناث لطبيعة الإصابة بالتوحد وتقتصر على أدمغة الذكور.
بينما جاءت دراسة جامعة كمبردج البريطانية التي نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وهي الأكبر والأوسع لمعرفة أوجه الاختلاف بين دماغ الرجل والمرأة استناداً إلى معطيات لأكثر من 671.6 ألف شخص، ويؤكد العلماء أن بنية دماغ الرجل تختلف عن بنية دماغ المرأة، وقد أكدت نتائج هذه الدراسة أن الرجال أفضل في مجال البرمجة، في حين أن المرأة أفضل تقبلاً للمشاعر، وقد انتقد البعض نتائج هذه الدراسة، مبررين ذلك بأن الباحثين لم يوضحوا ما إذا كانت السمات المعينة للدماغ ناتجة من التنشئة الاجتماعية أو الصفات الفطرية.
في النهاية، لا بد من القول: إن مفهوم دماغ الرجل يختلف عن دماغ المرأة أصبح قديماً وغير دقيق؛ فإن دماغ كل شخص فريد والأهمية تأتي من معرفة أن هذه الاختلافات الفردية هي ما يعنيه الدماغ لكل منهما.

مخطط «فراسة الدماغ» العلم الزائف القديم الذي قسم الدماغ إلى ملكات فكرية تكون كل ملكة مسؤولة عن صفة معينة