غاريما أرورا أول طاهية تنال نجمة «ميشلان» في الهند

في عاصفة عارمة هزت أجواء الطهي في شبه القارة الهندية حصلت غاريما أرورا على نجمة «ميشلان» لمطعمها الخاص؛ لتكون أول امرأة في الهند تحصل على أهم تقدير في عالم الطهي.
ويعد دليل «ميشلان» الفرنسي المرموق، الذي بدأ منذ أوائل القرن العشرين، من الجهات التنظيمية التي تتيح للعملاء معرفة أي المطاعم هي الأجدر بتناول الطعام وقضاء أفضل الأوقات فيها. والتصنيف بنجمة واحدة على أساس هذا الدليل الراقي يعني توافر «جودة فائقة من الطهي تستحق التجربة».
ويدفع مندوبو «ميشلان» لقاء الوجبات التي يختبرونها، ويقدمون مراجعات غير محددة الهوية وفق معايير خمسة: جودة الطعام، وإتقان النكهة، وأساليب الطهي، والقيمة المالية المستحقة، وشخصية الطاهي.
وأرورا هي من خريجات معهد «لو كوردون بلو» الفرنسي لدراسات الضيافة، وعملت بالصحافة لفترة من الزمن قبل أن تتخذ قرارها بملاحقة حلم حياتها الدفين بأن تصبح طاهية مشهورة وذائعة الصيت.
والآن، تشرف وتدير مطعم «غا» في بانكوك، الذي تمتد قائمة الانتظار فيه لشهور مقبلة.
ومطعم «غا» – المشتق من الأحرف الأولى لاسم صاحبته – عبارة عن منزل، أصفر اللون، محول إلى متجر ويتسع لاستقبال 40 ضيفاً في أي وقت من الأوقات. وهو يقدم ما تصفه أرورا بقولها «المطبخ الانتقائي الحديث». كما يقدم نوعين من الوجبات الأساسية: خيار الوجبة الرئيسية (10) ويبلغ سعرها 73 دولاراً، أو خيار الوجبة الرئيسية (14) ويبلغ سعرها 85 دولاراً. ويُقدم العصائر وفق تكلفة إضافية.
واليوم، يوفر مطعم «غا» Gaa أنواعاً متعددة من الأطباق التي تستلهمها صاحبته من نشأتها الهندية ورؤيتها للأجواء الدولية من حولها، وهي تقول عن ذلك: «أحاول الجمع بين الأمرين للخروج بشيء بارع وجميل ويحمل عبقاً ثقافياً لا يُنسى».
وتعتقد أرورا، أن التشابهات التي تجمع بين المطبخين الهندي والتايلاندي تصبّ في صالحها على الدوام كطاهية محترفة وصاحبة مطعم ذات خبرة. وتضيف قائلة: «إن أكثر ما يبهر العملاء حول الطعام في مطعم (غا) هي المضاهاة بين المطبخين الهندي والتايلاندي بأكثر مما كان يتصور البعض. ويتيح لي هذا التماثل عقد التزاوج الفني بين المطبخين في الأطباق التي أقدمها مع نسج التراث الهندي العريق ضمن الطعام التايلاندي حيث أقطن الآن، وبسلاسة فائقة إلى حد كبير. ومع نهاية كل يوم، تحمل ثقافات الطهي الهندية والتايلاندية الكثير من أوجه التشابه التي تسمح بتمايز واضح في كل طبق يظهر على موائد مطعمي».
يقدم مطعم «غا» مختلف الوجبات إلى الضيوف باستخدام المكونات من شاكلة ثمار الكاكايا غير الناضجة، واليقطين، والسلطعون النهري، والجوافة.
ومن أفضل أطباق مطعم «غا» اليوم هو طبق الخبز بالكاكايا، وفيه تقترن ثمار الكاكايا الطبيعية بخبز الكاكايا الناضجة. وبالجمع بين الاثنين، يصطحب الطبق الكثير من المخللات الطازجة. وهو من الأطباق الفريدة والمختلفة على حد سواء، مع أنه معروف لدى كلتا الثقافتين. وهو من أجود الأمثلة على الطريقة التي نطهو بها الطعام لدينا.
وتشتمل قائمة المطعم على أطباق متميزة أخرى مثل كعكة البط، وسرطان البحر الأزرق، وآيس كريم بسكر جوز الهند المحترق، من بين الكثير من الأطباق الأخرى.
وإثر شعورها بالشرف والاعتزاز لحصولها على وسام نجمة «ميشلان»، تقول أرورا إنها فخورة للغاية بفريق العمل لديها وبمطعمها، وترغب في مواصلة التركيز على تحديث وترقية المطعم والاستمرار على منوال العمل والنجاح الذي اعتدنا عليه. وبوصفها طاهية محترفة، فإن كل رغبتها تنصب في أن ينصرف الضيوف من مطعمها في كل يوم وهم يحملون شعوراً بأنهم «لم يتناولوا طعاماً بمثل هذا الرقي والتميز من قبل».
وقالت أرورا في تصريح إلى «شبكة إندو آسيان الإخبارية»: «أشعر يتواضع غامر إزاء تشريف مطعم (غا) بهذا الوسام. وإنني فخورة للغاية بفريق العمل. وإنه لشعور رائع أن تنال التكريم والتقدير عن كدك وجهدك، بالنسبة لفريقي ولي شخصياً. لقد كانت رحلتنا سوياً حتى الآن رائعة للغاية. رغم آلامها وأوجاعها فإن ما حققناه كان يستحق مواجهة كل تلك المصاعب».
- قصة نجاحها
> بدءاً من عام 2010، كانت أرورا قد أنهت دراستها في معهد «لو كوردون بلو» لتصبح طاهية مؤهلة، ثم شرعت في العمل رفقة الطاهي الشهير غوردون رامزي في مطعم «تيبل 9 كيتشن» الماليزي الشهير. ثم أمضت سنتين تتدرب على أيدي الطاهي ذائع الصيت رينيه ريدزيبي في مطعم «نوما» الراقي في كوبنهاغن، وهناك حيث بدأت تنظر إلى الطهي كممارسة لتنمية الذكاء. وانتقلت في عام 2015 للحياة في بانكوك، وللعمل كطاهية مساعدة تحت أيدي الطاهي الهندي الكبير غاغان أناند، وبعد مرور عام كامل لديه، اتخذت قرارها بالشروع في افتتاح مطعم «غا» خاصتها بحلول عام 2017.
وبحديثها عن الخبرات التي تحصلت عليها إثر العمل المستمر مع كبار الطهاة، قالت أرورا: «لقد تعلمت كثيراً جداً من كل زاوية عملت فيها. في بعض الأحيان تتعلم كيفية صناعة الأشياء. وفي أحيان أخرى تتعلم كيف لا تصنع أشياء أخرى. لقد كانت تجربة تعليمية هائلة بالنسبة لي».
وقالت إن من أكثر الطهاة الذين كان لهم أبلغ الأثر على شخصيتها هو رينيه ريدزيبي، المؤسس المشارك لمطعم «نوما» الدنماركي الشهير، وأضافت تقول عنه: «ما تعلمته هناك أن الطهي يتعلق بتنشيط خلايا الذكاء في المخ. فعليك التفكير ملياً بشأن كل صغيرة وكبيرة، وتتحدى قواعد الطعام المعروفة والخروج عنها ببصمتك الذاتية التي تميزك. إذ إن التفرد في إعداد الطعام لهو من الأهمية بمكان».
وتحيل أرورا الفضل إلى والدها في غرس الشغف بالطهي في نفسها منذ نعومة أظفارها. فخلال فترات الطفولة المبكرة، كما تقول، كانت ترى والدها يحاول طهي أطباق جديدة في مطبخ المنزل. وكان والداها يديران شركة لإدارة الفعاليات، وكان والدها يرجع من سفرياته الخارجية وينسى نفسه تماماً في متعة الطهي المنزلية الرائعة.
تقول أرورا عن والدها: «كان لوالدي أكبر الأثر وأعمقه على نفسي. لقد كان هو، وليست والدتي، طاهي العائلة الأول. وكان يمارس هواية الطهي بكل سعادة ومرح، ويعيد تجربة الأطباق المختلفة أو يراجع تركيب مكونات جديدة. ثم بدأت أفكر أن هذا من الأشياء التي يمكنني القيام بها يوماً ما».
وبالإشارة إلى أول تجربة للتدرب مع غوردون رامزي، الذي يبدو مخيفاً للغاية على شاشات التلفزيون، تقول أرورا: «لديه حس فكاهي رائع للغاية، وليس كما ترونه في التلفزيون على الإطلاق. وإحقاقاً للحق، لقد تقابلت معه لمرة واحدة فقط. فهو يمتلك الكثير من المطاعم حول العالم؛ مما يجعله على سفر وترحال مستمر طيلة الوقت».
وفي حين أن قطاع الضيافة من شأنه أن يبعث بالكثير من التحديات بالنسبة للمتدربين المبتدئين، ليس أقلها ما يتصل بالمرأة، فإن رحلة أرورا المهنية في عالم الطهي كانت تحظى بالسلاسة واليسر إلى درجة ما. وهي تقول: «ليست بالمجال الذي يسهل العمل فيه، لكنني كنت أحظى بالدعم الكامل والدائم من أسرتي. إنها مهنة صعبة للغاية، لكن مع الجد والتركيز يمكن للمرء تحقيق ما يصبو إليه. ولقد كنت محظوظة بما يكفي لعدم تعرضي للتمييز على المستوى الشخصي. ومع ذلك، فإنني مدركة تماماً لحقيقة أن المرأة في المطبخ يتعين عليها العمل وبذل المجهود المضاعف».
كما أنها وجهت نصيحة إلى النساء الشابات اللاتي يطمحن للعمل في هذه المهنة؛ إذ قالت: «التزمي الصدق مع نفسك دوماً، ولا تتأسفي عن اختيارك هذه المهنة أبداً. أعلم أنه يجب على النساء في هذا المجال أن يحاولن إثبات أنفسهن بشتى السبل بالمقارنة مع الرجال، لكن لا تغادري حلبة النزال قط». وهي تريد أن ترى المطاعم الهندية تتوسع في أعمالها، وتتنوع في ثقافاتها، وتبعث برياح تراثها إلى أرجاء العالم كافة. وتقول عن ذلك: «تُبلي المطاعم الهندية بلاءً حسناً حالياً. وتملك الهند ثقافة كبيرة وثرية للغاية، وتاريخاً وإرثاً عظيمين وهائلين. ولسنا (الهنود) في حاجة إلى التماهي مع أي شيء ينبع من الثقافات الغربية؛ فلدينا ما يكفينا من التنوع الثقافي الهائل. وكوني طاهية من أصول هندية؛ فإنني أسعى دوماً إلى توسيع مداركي الثقافية باستلهام مجريات العالم من حولي، والاستفادة من خبرات الطهاة وتجارب المطاعم الأخرى، ويجب على الطهاة والمطاعم الهندية أن يحذوا حذوها». وفي الآونة الراهنة، هناك عدد محدود من المطاعم الهندية التي حازت وسام نجمة «ميشلان» حول العالم. وتعتقد غاريما أرورا، أنه مع المزيد ثم المزيد من الطهاة الهنود الذين يحصلون على هذا الوسام الرفيع لمطاعمهم، فمن المرجح أن يتسع المجال ويتغير المشهد العام لهذه الصناعة في بلادنا عن قريب.