ظريف يطلع مراجع قم على «مشروع فاتف»

دفعت الحكومة الإيرانية، أمس، بورقة أخرى في إطار سعيها لإقناع الأوساط المحافظة بتمرير مشروع الانضمام إلى اتفاقية «فاتف». وتوجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى مدينة قم؛ معقل المحافظين، وأطلع مراجع إيرانيين على مسار الحكومة، وذلك قبل 3 أشهر من نهاية مهلة المجموعة لإيران.
وحاول ظريف لدى وصوله إلى المدينة التقليل من أهمية تسريبات سبقت زيارته حول لجوء الحكومة إلى المراجع بشأن مشروع «فاتف» عقب ازدياد الخلافات بين الحكومة والبرلمان من جهة ومجلسي «صيانة الدستور» و«تشخيص مصلحة النظام» من جهة أخرى. وقال إن «لجنتين في مجلس تشخيص مصلحة النظام تدرس مشروع (فاتف)، وسيتخذ القرار وفق مصالح البلد» بحسب التلفزيون الإيراني.
ونقل التلفزيون الإيراني أن ظريف التقى 7 من مراجع التقليد في قم، إضافة إلى جواد الشهرستاني ممثل المرجع الأعلى لشيعة العراق علي السيستاني.
ولم تحرز الحكومة تقدماً ملموساً منذ تنفيذ الاتفاق النووي على صعيد الالتزامات والامتثال لمعايير «مجموعة العمل المالي (فاتف)» التي تتخذ من باريس مقراً لها وتراقب مخاطر العمل المالي بما فيها غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما ترهن أطراف دولية عدة التعامل مع البنوك الإيرانية والتحويلات المالية بمعايير «مجموعة فاتف» التي منحت إيران مهلة ثالثة هي الأخيرة لتفادي جزاءات على البنوك الإيرانية.
وقدمت الحكومة الإيرانية العام الماضي 4 لوائح بهدف الانضمام إلى «فاتف». ووافق نواب البرلمان على مشروع الحكومة للائحة الانضمام إلى «اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب» و«اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة»، لكنها تعثرت في «مجلس صيانة الدستور» الذي يشرف على تشريعات البرلمان.
وطلب النواب تدخل «مجلس تشخيص مصلحة النظام» منذ أكثر من شهر، لكنه فشل في التوصل إلى إجماع حول مشروع الحكومة.
وتخشى أطراف إيرانية من تأثير انضمام إيران إلى الاتفاقيات الدولية على أنشطة «الحرس الثوري» وذراعه الخارجية «فيلق القدس» والجماعات المسلحة التي ترعاها طهران.
وأفاد التلفزيون الإيراني، أمس، نقلاً عن المرجع صافي غلبايغاني، بأنه طالب الحكومة الإيرانية بتبديد مخاوف الإيرانيين من القضايا الاقتصادية، إضافة إلى نبذ الخلافات الداخلية، وقال في هذا الصدد: «كلما كانت هناك خلافات بين أركان النظام والمسؤولين، تمكن الأعداء من التغلغل والتمكن من تحقق كثير من الأهداف». وتابع غلبايغاني أن «الوضع الحالي للاقتصاد محزن، والناس يواجهون مشكلات» ونوّه بالقول: «باعتقادنا أنه يمكن رفع المشكلات بالسياسات الجيدة والمفيدة والعلاقات البناءة»، مشيراً إلى «صعوبة» دور المسؤولين في تحقيق هذا الهدف.
وأوصى غلبايغاني وزير الخارجية الإيراني بـ«المنطق والأداء المعقول في السياستين الداخلية والخارجية»، مشدداً على أهمية «العلاقات البناء والجيدة مع الجيران والعالم إلى جانب حفظ المصالح». كما دعا وزير الخارجية الإيراني إلى مواصلة زياراته الإقليمية وتحسين العلاقات مع دول مثل مصر والمغرب والأردن.
من جهته، نصح المرجع نوري همداني الجهاز الدبلوماسي الإيراني بـ«أخذ الكرامة في الحسبان، وتجنب التشتت والخلافات في متابعة الأهداف الدولية». في غضون ذلك، أفادت وكالة «شفقنا» المقربة من الأوساط المحافظة في مدينة قم، بأن المرجع الإيراني وحيد خراساني أبلغ ظريف بعد سماع وجهة نظره، بأنه يطالب روحاني بـ«التفكير في شؤون الناس» والاهتمام بأوضاعهم المعيشية، ودعا الحكومة إلى «مخاطبة العالم بلغة معتدلة».
وأعلنت الخارجية الإيرانية عن تعيين ممثل لها في مدينة قم. وعزا ظريف الخطوة إلى الدور الذي تؤديه المدينة «في عالم السياسة والتشيع، وهو ما يبرز مكانتها» وأضاف أن «الأحداث الكبيرة والمهمة في العالم لم تعد اليوم بيد الغرب؛ إنما تغيرت الأوضاع، والعالم اليوم يمر بـ(مرحلة ما بعد غربية)»، مشدداً على أن الغرب «لم يعد محور العالم ومركز كل القرارات في العالم».
أما المرجع مكارم شيرازي، أبرز المراجع المؤيدين لسياسات المرشد الإيراني علي خامنئي، فلم يتبعد كثيراً عن الآخرين. وأبدى قلقه من المشكلات المعيشية والاقتصادية، وعزا تدهور الوضع الاقتصادي إلى «تلاعب بعض التجار»، وقال إن «بعض أهل السوق عدّوا ارتفاع أسعار العملة سبب الغلاء، لكنهم يرفضون خفض الأسعار رغم تراجع أسعار العملة»، مشيراً إلى بيع السلع بثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي. كما عزا الركود وزيادة البطالة إلى تنامي ظاهرة السمسرة وتجاهل الإنتاج وهروب رؤوس الأموال، مطالباً وسائل الإعلام الإيرانية بالمشاركة في توعية الناس. ومع ذلك، وصف شيرازي المشكلات الاقتصادية بـ«المصطنعة» تارة؛ وبـ«الواقعية» تارة أخرى، كما انتقد ما عدّه «إحباط الناس على يد البعض لأهداف سياسية»، مطالباً حكومة روحاني بالنشاط والتخطيط وتدعيم صفوفها. وقال إن ضعف الأجهزة الرقابية والأمنية «سبب الاختلاسات الغريبة والعجيبة» وذلك في إشارة إلى زيادة حالات الفساد.
وفي طهران، جدد الرئيس الإيراني حسن روحاني لليوم الثاني على التوالي تهديده بمقاضاة المسؤولين الأميركيين.
وقال روحاني غداة دعوة القضاء الإيراني إلى مقاضاة المسؤولين عن العقوبات الأميركية، إن حكومته ستقيم دعوى قانونية في إيران ضد المسؤولين الأميركيين الذين فرضوا عقوبات على بلاده في إجراء تمهيدي قبل نقلها إلى محاكم دولية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن روحاني قوله إن العقوبات الأميركية خلقت بعض الصعوبات؛ من بينها إضعاف قيمة الريال الإيراني والتأثير على أسعار العملات الأجنبية، وتفاقم التضخم، وإن طهران ستتغلب على تلك المصاعب. وأضاف: «هذه العقوبات جريمة ضد الإنسانية».
ونجحت الشكاوى التي ترفعها إيران أمام المحاكم الدولية بشأن العقوبات في بعض الأحيان. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أمر قضاة في محكمة العدل الدولية الولايات المتحدة بضمان ألا تؤثر العقوبات على المساعدات الإنسانية أو سلامة الطيران المدني.
وقال روحاني: «الأميركيون لديهم هدف واحد فقط: يريدون العودة إلى إيران، وأن يحكموا الأمة مرة أخرى»، وذلك في تكرار لوجهة نظر طهران بأن العقوبات الأميركية تهدف إلى إطاحة الحكومة واستبدال أخرى بها أكثر توافقاً مع السياسات الأميركية.
ودافع روحاني عن أداء حكومته في الاقتصاد، وقال رداً على انتقادات إنها استطاعت «كبح جماح سقوط الريال»، لكن التوازن لم يعد بعد إلى سوق العملات الأجنبية.
وانسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي عام 2018 من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني الذي كانت طهران قد وافقت بموجبه عام 2015 على الحد من برنامجها في مقابل تخفيف عقوبات اقتصادية دولية تستهدفها. ومنذ أغسطس (آب) 2018، أسفر هذا الانسحاب عن إعادة فرض عقوبات، على مرحلتين، كانت الولايات المتحدة قد رفعتها بموجب هذا الاتفاق.
وكان لعودة العقوبات أثر ملموس جداً على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً على أسعار كثير من المنتجات الغذائية والأدوية. وبحسب صندوق النقد الدولي، دخلت إيران في مرحلة انكماش عام 2018، ويتوقع أن يتراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.6 في المائة عام 2019؛ وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وكان يتم تداول الريال بسعر 131 ألفاً و500 ‭‬مقابل الدولار الأميركي الواحد أمس في السوق السوداء؛ أي أقل بنحو 3 أمثال مقارنة بعام مضى، لكنه أعلى من مستوى انخفاض قياسي وصل إلى 190 ألفاً في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي.
واتهم محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي أيضاً وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومسؤولين أميركيين آخرين، أمس، بشن «حرب نفسية» لإثارة الفزع في سوق العملة. ونقلت وسائل إعلام رسمية عن همتي قوله: «البنك المركزي يسيطر تماماً على السوق».