5 لبنانيات يحلّقن بأحلامهن إلى فضاء قيادة الطائرات

يعدّ إنجازاً للمرأة

يارا درويش واريكا شبير وستيفاني كتيلي وأنجيلا مراد في صورة تذكارية
يارا درويش واريكا شبير وستيفاني كتيلي وأنجيلا مراد في صورة تذكارية
TT

5 لبنانيات يحلّقن بأحلامهن إلى فضاء قيادة الطائرات

يارا درويش واريكا شبير وستيفاني كتيلي وأنجيلا مراد في صورة تذكارية
يارا درويش واريكا شبير وستيفاني كتيلي وأنجيلا مراد في صورة تذكارية

خبر إيجابي انشغل به اللبنانيون مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمثل بتعيين شركة «طيران الشرق الأوسط» (ميدل إيست) خمس لبنانيات قائدات طائرات.
فبعد أن كانت رلى حطيط المرأة الوحيدة التي تشغل هذه المهنة في الشّركة، ها هنّ اليوم كلّ من اريكا شبير وستيفاني كتيلي ويارا درويش إضافة إلى أنجيلا مراد وستيفاني حلو ينضممن إليها.
الخبر أثار ضجة محببة لدى اللبنانيين ولا سيما النساء بينهم، إذ اعتبروه بمثابة إنجاز جديد تحقّقه المرأة اللبنانية على الصّعيدين المحلي والعالمي. وبذلك أصبح لبنان وبفضل إدارة شركة (ميدل إيست) من البلدان القليلة التي لم تتوان عن اللجوء إلى العنصر الأنثوي في مهام قيادة الطّائرات. فالمعروف بأنّ نسبة النساء اللاتي يعملن بصفتهن قائدات طائرات لا تتجاوز نسبتهن في العالم الـ3 في المائة.
والجدير ذكره أنّ اثنتين بينهن بدأن منذ فترة ممارسة مهامهن في هذا المضمار وصرن اليوم يجلسن في قمرة القيادة في الطائرة من ناحية اليمين كمساعد قبطان، على أمل أن ينتقلن إلى الكرسي المجاور له من ناحية اليسار في أقرب مدة ممكنة والتي عادة ما تستغرق سنوات طويلة. أمّا الثلاث الباقيات فواحدة منهن وهي أنجيلا مراد التحقت بمدرسة الطيران في إسبانيا فيما الثانية ستيفاني حلو والثالثة يارا درويش يستعددن لذلك.
«الأمر لا يتوقّف فقط على عدد الساعات التي علينا تأمينها كي نتحوّل إلى قبطان، وهي 4000 ساعة إذ أنّ الأمر منوط أيضا بحاجة شركة «الميدل إيست» إلينا والتي تصبح ضرورية كلما كبر أسطولها». تقول ستيفاني كتيلي التي ورثت حبها للطيران عن والدها الكابتن جاد كتيلي. وتؤكّد أنّها منذ صغرها كانت تحلم بقيادة الطائرة وكانت تكن إعجابا كبيرا لوالدها وهو يرتدي بذلة القيادة. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كنت أسافر في رحلات سياحية كنت أحاول دائماً حجز مقعد لي على متن طائرة يقودها والدي، فقد كان لدي الحشرية لمشاهدته وهو يمارس عمله ولو من بعيد. وكلّما كنت أسترق النّظر إليه وهو في قمرة القيادة كنت أتمسّك أكثر بحلمي».
حاليا تحقق ستيفاني حلمها على أرض الواقع، فهي تعمل مساعدة قبطان في رحلات سفر إلى بعض البلدان الأوروبية ودول الخليج العربي. «لقد أتاحت لي شركة الـ«ميدل إيست» فرصة الطّيران إلى مختلف وجهاتها ما عدا باريس ولندن، ولكنّني فخورة بما حققته حتى الآن، بعد أن أقرنت القول بالفعل. وأنا أنصح كل امرأة ترغب في امتهان هذه المهنة أن لا تتردد أو تخاف لأنّها بالتأكيد ستنجح بذلك. كما كان لي الفرصة بأن أطير إلى جانب أول قبطان طائرة امرأة في لبنان رلى حطيط».
جميع الفتيات اللاتي تم اختيارهن لهذه المهنة يجب أن يتمتعن وكبقية المرشحين لها باختصاص جامعي معين، فهو الشرط الأساسي الذي تفرضه شركة «طيران الشرق الأوسط» عليهم.
«لقد درست طبّ الأسنان، ولكنّني رغبت في الانتقال إلى عالم الطيران كوني أحب هذه المهنة». تقول اريكا شبير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» وتضيف: «عندما ننجح في الامتحان الموضوع من قبل الشركة، ترسلنا إلى مدرسة الطيران في إسبانيا لنحو سنة ونصف. وبعدها نخضع لتدريبات على متن طائرات خاصة للشركة، لنصبح مستعدين لممارسة عملنا على الأرض». وترى شبير أنّ هذه المهنة حلوة وصعبة في آن، إذ تلزم صاحبها بأن يتمتع بسرعة بديهة واتخاذ القرّارات المناسبة بسرعة شرط أن تكون صحيحة. «هذا الأمر نتدرّب عليه لنحو ستة أشهر، إذ يعلموننا كيف علينا التصرّف والتفكير في هذا الإطار».
وعلى ما يبدو فإن اريكا تأثرت أيضا بأحد أفراد عائلتها لتمارس هذه المهنة؛ فخالها (شقيق والدتها) يعمل قبطان طائرة. وكان كلما زار عائلتها تجلس لتصغي إلى أخباره وتجاربه. «لقد كانت الأحاديث عامة تدور حول هذا الموضوع بطلب مني، لأنّها كانت تجذبني. فمهنة قبطان الطائرة ذكورية بالإجمال، إلّا أنّ الجنس اللطيف استطاع أن يخترقها ولو بعدد قليل».
ومن ناحيتها فإن يارا درويش التي تعدّ الأصغر سنا بين زميلاتها (23 سنة)، تملك خبرة واسعة في عالم الطيران فقد سبق لها وعملت مضيفة طيران على خطوط شركة «طيران الشرق الأوسط» لأربع سنوات. «لدي شغف كبير بالطيران. ومارست مهنة مضيفة وأنا في الـ19 من عمري. وعندما أنهيت دراستي الجامعية لم أتخلّ عنها، بل قرّرت دخول هذا العالم من بابه العريض وتقدمت للامتحان الخاص بها. أعداد كبيرة تتقدم لهذا الامتحان الذي يستغرق نحو تسعة أشهر لإتمامه، ويجري على ست مراحل مختلفة. ومن ينجح في الاختبار يُرسل إلى مدرسة الطيران الإسبانية، ومن بعدها يخضع إلى ما يسمّى «MEA type rating»، وهو كناية عن مرحلة للتدرب على قيادة الطائرة». وتؤكد يارا أنّ التدريبات هي نفسها بالنسبة للرجال والنساء الذين يتقدمون لممارسة هذه المهنة، وهو ما يجعل الجميع متساوين فيها. وعن الصعوبات التي يمكن أن تطبع مهنتها هذه في المستقبل ترد: «لدي خبرة طويلة في مجال الطّيران من خلال عملي مضيفة، ولا أجد صعوبات تذكر فيها، إلّا أنّها بالطّبع تتطلب كغيرها من المهن مسؤولية كبيرة، خصوصاً أنّك تحملين معك مصير الرّكاب الموجودين على متن الطائرة». وتختم يارا التي تتمسّك شركة «طيران الشرق الأوسط» في التقاط صور فوتوغرافية لها مع النّساء الأربع الأخريات وهي ترتدي اللباس الخاص بمضيفات طيران الـ«ميدل إيست»، للإشارة إلى مهنتها السّابقة.


مقالات ذات صلة

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

الاقتصاد عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
يوميات الشرق طائرة تابعة لشركة «فولاريس» المكسيكية (رويترز)

اعتقال راكب حاول تحويل مسار طائرة مكسيكية إلى أميركا «بالقوة»

اعتُقل راكب على متن رحلة مكسيكية من إل باجيو إلى تيخوانا، بعد محاولته تحويل مسار الطائرة إلى الولايات المتحدة «باستخدام القوة».

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)
الاقتصاد طائرات تابعة لشركة «لوفتهانزا» في أحد المطارات (رويترز)

المفوضية الأوروبية توافق على استحواذ «لوفتهانزا» على حصة في «إيتا»

وافقت المفوضية الأوروبية على استحواذ شركة «لوفتهانزا» الألمانية للطيران على حصة في شركة الطيران الحكومية الإيطالية «إيتا».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية المقاتلة الأميركية «إف - 16 بلوك 70» (موقع شركة لوكهيد مارتن)

تركيا تقلص صفقة «إف - 16» مع أميركا وتتحدث عن تطور يخص «إف - 35»

قرَّرت تركيا تقليص صفقة شراء مقاتلات «إف - 16» الأميركية في الوقت الذي أعلنت فيه أن أميركا أعادت تقييم موقفها من حصولها على مقاتلات «إف - 35» الشبحية

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد شعار «طيران الإمارات» على طائرة ركاب بمطار دبي الدولي (رويترز)

«طيران الإمارات»: تأخير تسليم طائرات بوينغ عرقل قدرتنا على التوسع

قال رئيس «طيران الإمارات» إن الشركة «محبَطة» لأنها تحتاج إلى طائرات، مضيفاً أنه لو جرى تسليم طائرات بوينغ 777-9 إكس في الموعد المحدد لكُنا قد حصلنا على 85 طائرة

«الشرق الأوسط» (دبي)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)