باريس وطهران تقتربان من العودة إلى تبادل السفراء

باريس وطهران تقتربان من العودة إلى تبادل السفراء
TT

باريس وطهران تقتربان من العودة إلى تبادل السفراء

باريس وطهران تقتربان من العودة إلى تبادل السفراء

منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، خلت السفارة الفرنسية في طهران من سفير، بعد أن عين الرئيس إيمانويل ماكرون السفير السابق فرنسوا سينيمو مديراً لجهاز المخابرات الداخلية. كذلك كان حال السفارة الإيرانية في باريس. وهكذا، بقي حال الفراغ الدبلوماسي على مستوى السفراء طيلة 8 أشهر، شهدت خلالها العلاقات الفرنسية ــ الإيرانية صعوداً وهبوطاً، وعرفت أياماً عصيبة، خصوصاً عقب تعطيل عملية إرهابية كان يحضر لها نهاية الشهر المذكور ضد تجمع للمعارضة الإيرانية في ضاحية فيلبانت، الواقعة على مدخل العاصمة الشمالي. ولم تسعَ باريس للتغطية على هذه العملية المحبطة، إذ ألقت القبض على 3 مواطنين إيرانيين، أفرجت سريعاً عن اثنين منهم، وسلم الثالث إلى بلجيكا التي فتحت تحقيقاً قضائياً في الحادثة، بعد القبض على زوج إيراني بحوزته كمية قليلة من المتفجرات. كذلك قبض على دبلوماسي إيراني معتمد في النمسا في مدينة ألمانية.
وكانت هذه المسألة في قلب الفتور بين باريس وطهران. ولم تتردد وزارتا الخارجية والاقتصاد لاحقاً في نشر بيان رسمي مشترك، يتهم جهاز مخابرات تابع لوزارة الداخلية الإيرانية بالوقوف وراء العملية، كما اتخذت باريس مجموعة من العقوبات بحق الجهاز المذكور، وبحق 3 إيرانيين، وعمدت إلى إبعاد دبلوماسي إيراني في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. لكن الطرفين عمدا إلى التغطية على مسألة الإبعاد، ولم تظهر إلى العلن إلا بعد أن دعت صحيفة «كيهان» المحافظة قبل 3 أيام إلى طرد دبلوماسي فرنسي، عملاً بمبدأ المثل. وإلى جانب ملف الإرهاب، توترت العلاقة بين الطرفين بسبب مواقف باريس من موضوع البرنامج الباليستي الإيراني، وتهديد وزير الخارجية جان إيف لودريان طهران باتخاذ عقوبات بحقها إذا استمرت به على الوتيرة نفسها. ثم جاء القرار الأوروبي الجماعي نهاية يناير (كانون الثاني) بشأن الإرهاب مجدداً، ولكن هذه المرة في هولندا، حيث اغتيل معارضان إيرانيان عامي 2015 و2016، ليصب الزيت على النار، وليجعل المواضيع الخلافية تتداخل فيما بينها.
بيد أن باريس، رغم التوتر، بقيت متمسكة بالدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران، واستمرت بالدفع لإطلاق الآلية المالية التي من شأنها تمكين إيران من الاستمرار في الاستفادة من منافع الاتفاق النووي، رغم العقوبات الأميركية، بل ذهبت إلى حد استضافتها. ورفضت فرنسا، كما بريطانيا وألمانيا، الضغوط الأميركية التي حثتها على الخروج من الاتفاق. والشهر الماضي، أعلن لودريان أن طهران وباريس يقتربان من العودة إلى تبادل السفراء، مما يدل على أن نسبة التوتر بينهما قد تراجعت. وحضر المدير السياسي للخارجية الفرنسية نيكولا ريفيير الأسبوع المنصرم اجتماعاً في فيينا، ضم الموقعين على الاتفاق النووي (من غير الولايات المتحدة الأميركية)، وعباس عرقجي نائب وزير الخارجية الإيراني، لوضع اللمسات الأخيرة على الآلية، والتعرف على ما يتعين على طهران القيام به من جانبها لبدء العمل بها، علماً بأن الأوروبيين ربطوا ذلك بأن تلتزم طهران بمعايير «غافي» الخاصة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأول من أمس، أفاد مصدر رفيع المستوى، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين العرب في باريس، بأن الحكومة الفرنسية قبلت تعيين بهرام قاسمي، الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سفيراً لبلاده في فرنسا. وسبق ذلك أن عينت باريس فيليب تييبو، السفير السابق في كوريا الجنوبية وباكستان. كما أن تييبو كان مندوباً لبلاده لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية، وهو يعد خبيراً في هذه الملف. من هنا، تبرز أهمية اختياره لهذا المنصب الحساس. وقد صدر اسم السفير الجديد الذي لم يعرف بعد موعد انتقاله إلى طهران في الجريدة الرسمية. وبالمقابل، فقد أفاد موقع وزارة الخارجية الإيرانية، أمس، بأنه قاسمي الناطق باسم الخارجية. وسبق لـقاسمي أن شغل مناصب دبلوماسية في إسبانيا ودول أخرى.
لكن هل يعني تبادل السفراء أن الملفات الخلافية بين باريس وطهران قد زالت؟ تجيب المصادر الفرنسية بأن باريس ما زالت عند مواقفها بشأن برامج إيران الباليستية، وبالنسبة لسياستها الإقليمية التي تصفها بأنها «مزعزعة للاستقرار»، فضلاً عن ملفي الأنشطة النووية الإيرانية لما بعد عام 2025، والنزوع إلى الأعمال الإرهابية على الأراضي الأوروبية. لكن هذه الخلافات لا تمنع فرنسا من الاستمرار في الدفاع عن الاتفاق النووي، واعتبار أن المقاربة الأميركية القائمة على الضغوط والتصعيد «غير نافعة»، بينما تدعو هي إلى الاستمرار في الضغوط، ولكن من أجل التفاوض بشأن الملفات المذكورة.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».