بينما خرج آلاف طلاب الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس العليا بالجزائر، أمس، للاحتجاج مجددا على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ندد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، المعروف بولائه الشديد للرئيس، بـ«أطراف يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم والجمر»، في إشارة إلى سنوات الصراع مع الإرهاب، وهي فزاعة دأب النظام على رفعها ضد المتظاهرين لتخويفهم من التغيير.
وسار الآلاف من طلاب «الجامعة المركزية» بالعاصمة باتجاه «البريد المركزي»، ثم أخذ موج بشري كبير طريقه إلى قصر الحكومة، عن طريق «شارع باستور». ورفع المتظاهرون خلالها شعارات معادية لـ«العهدة الخامسة»، ونددوا بـ«الحاشية المحيطة بالرئيس، التي تتحدث باسمه». وكتب على لافتة كبيرة مصنوعة من القماش: «ارحلوا... ارحلوا. لم نعد نطيقكم».
وفي مشهد نادر، اصطف أساتذة الجامعة مع طلبتهم في مسيرة واحدة، رغم انتشار رجال الأمن بكثافة في العاصمة منذ الصباح الباكر، لكنهم لم يتدخلوا لمنع المظاهرة، واكتفوا بمراقبتها وتأطيرها.
وكان وزير الداخلية نور الدين بدوي قد أصدر منذ أيام، تعليمات لمدير الشرطة الجديد، تشدد على عدم استعمال العنف مع المتظاهرين. وبدت السلطات خلال الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ 22 فبراير (شباط) الماضي «متسامحة» مع موجة الغضب على غير عادتها.
وتظاهر الطلبة أمس بأعداد كبيرة في وهران، كبرى مدن الغرب. وفي قسنطينة كبرى مدن الشرق، وكل ولايات الوسط. كما تظاهر في بجاية، صغرى مناطق القبائل الناطقة بالأمازيغية، مئات الآلاف من الطلبة وعامة سكانها ضد ترشح الرئيس.
يشار إلى أن بوتفليقة تعهد على لسان عبد الغني زعلان، مدير حملته الانتخابية، بتنظيم رئاسية مسبقة بعد رئاسية 18 من أبريل (نيسان) المقبل، وقال إنه لن يترشح لها. كما تعهد بإجراء «تغيير عميق للدستور»، وباستفتاء الشعب حوله، وبـ«توزيع عادل للثورة». لكن يبدو أن الحراك الشعبي الهادر يرفض التمديد للرئيس تحت أي مبرر كان. واللافت أن أحزاب «الموالاة» اختفت من المشهد هذه الأيام. ففي خنشلة (600 كلم شرق)، اضطرت وزيرة البريد هدى فرعون إلى قطع زيارتها أمس، عندما وجدت حشودا وسط المدينة، منعتها من دخول هياكل البريد المحلية.
من جهته، قال الفريق صالح أمس في خطابه بـ«الأكاديمية متعددة الأسلحة بشرشال»، غرب العاصمة، ملمحا للغضب الشعبي، إن «إرساء الجزائر لجميع عوامل أمنها، من خلال القضاء على الإرهاب وإفشال أهدافه، بفضل الاستراتيجية الشاملة والعقلانية المتبناة، ثم بفضل التصدي العازم الذي أبداه الشعب الجزائري وفي طليعته الجيش الوطني الشعبي رفقة جميع الأسلاك الأمنية الأخرى، لم يرض بعض الأطراف، الذين يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، ويريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر، التي عايش خلالها الشعب الجزائري كل أشكال المعاناة، وقدم خلالها ثمنا غاليا. فالشعب الأصيل والأبي والواعي الذي عاش تلك الظروف الصعبة، وأدرك ويلاتها، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يفرط في نعمة الأمن ونعمة راحة البال».
ولم يوضح الضابط العسكري النافذ في الحكم من يقصد بـ«الأطراف التي يزعجها إرساء الجزائر لجميع عوامل أمنها». لكن يفهم من كلامه أن جهة، أو جهات، هي من حركت الشارع ليثور على النظام، ويحتج على «العهدة الخامسة».
ومن شأن هذا الكلام أن يؤجج الغضب أكثر، بينما تجري الاستعدادات لمسيرة ضخمة يوم الجمعة، ثامن مارس (آذار)، أطلق عليها في شبكة التواصل الاجتماعي: «مظاهرات استعادة الكرامة». ودعيت المرأة لتكون حاضرة فيها بقوة، لكون الثامن من مارس هو عيدها العالمي.
وأضاف صالح موضحا: «إننا ندرك أن هذا الأمن المستتب، وهذا الاستقرار ثابت الركائز، سيزدادان تجذرا وسيزدادان ترسيخا، وسيبقى الشعب الجزائري، يرفل في ظل هذه النعمة، وسيبقى الجيش ماسكا بزمام ومقاليد إرساء هذا المكسب الغالي، الذي به استعاد وطننا هيبته». مشددا على أن الشعب «الذي أفشل الإرهاب وأحبط مخططاته ومراميه، هو نفسه المطالب اليوم، في أي موقع كان، أن يعرف كيف يتعامل مع ظروف وطنه وشعبه، وأن يعرف كيف يكون حصنا منيعا لصد كل ما من شأنه تعريض الجزائر لأخطار غير محسوبة العواقب».
ومن عادة صالح حرصه على إظهار ولائه للرئيس بوتفليقة في كل خطاباته، بل إنه هاجم خصومه السياسيين من المعارضة مرات كثيرة. غير أنه بدا في خطاب أمس «مهادنا» تجاه رافضي استمرار الرئيس في الحكم. وقد يفهم من ذلك أن جناحا في النظام لا يفضل التشدد في مسألة ترشح الرئيس لفترة جديدة.
وكان رئيس أركان الجيش قد لوح في 26 من الشهر الماضي، أثناء زيارته لمنطقة عسكرية جنوب البلاد، باستعمال القوة ضد المتظاهرين الذين وصفهم بـ«المغرر بهم»، وندد بـ«الجهات المجهولة»، التي تدعو إلى التظاهر في الشارع. وقد طلبت وزارة الدفاع من كل وسائل الإعلام عدم نشر تهديد صالح المعروف، وهو تصرف غير مألوف من جانب السلطات العسكرية. وقد فهم بأن جهة في السلطة لم يعجبها تلويحه بالقوة ضد المحتجين.
من جهتها، دعت المفوضية الأوروبية أمس، إلى احترام «حرية التعبير والتجمع» في الجزائر، إذ قالت مايا كوشيانتشيتش، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل: «عندما نتكلم عن التظاهر، نذكر بأن حرية التعبير والتجمع مدرجة في الدستور الجزائري... وننتظر التحقق من ممارسة هذه الحقوق سلميا، وأن تضمن في إطار دولة القانون».
وشددت المتحدثة باسم المفوضية على «أهمية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر»، وعلى تعهد بروكسل العمل على «مواصلة ترسيخ علاقاتنا بهدف إنشاء قضاء مشترك من الاستقرار والديمقراطية والازدهار». وقالت: «لقد قدم مرشحون كثيرون ترشيحهم. وعلى المجلس الدستوري الجزائري الآن تأكيد تطابق ذلك مع الدستور والقانون الانتخابي».
من جهتها، قالت الخارجية الفرنسية بخصوص الاحتجاجات إن «الأمر متروك للشعب الجزائري للتعبير عن نفسه، واختيار قادته، وتحديد مستقبله».
وفي هذا السياق، ذكر باتيست لوموين، سكرتير دولة للشؤون الخارجية في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية أمس، إن السلطات الجزائرية «مدعوة للسماح للشباب بالتظاهر، ففرنسا تجد أن الشباب يعبر عن نفسه بهدوء... لندعه يعبر».
طلبة الجامعات وأساتذتها يناشدون بوتفليقة التنحي... ورئيس الأركان يحذّر
الاتحاد الأوروبي يدعو إلى احترام حرية التعبير... وفرنسا تطالب بالسماح للشباب بالتظاهر
طلبة الجامعات وأساتذتها يناشدون بوتفليقة التنحي... ورئيس الأركان يحذّر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة