الغموض يكتنف حياة واغتيال قيادي حزب الله حسان اللقيس

لعب دور خبير التقنيات والدعم اللوجيستي للحزب

القيادي في حزب الله حسان اللقيس
القيادي في حزب الله حسان اللقيس
TT

الغموض يكتنف حياة واغتيال قيادي حزب الله حسان اللقيس

القيادي في حزب الله حسان اللقيس
القيادي في حزب الله حسان اللقيس

كفتاة صغيرة، لم تكن نور تعلم على وجه اليقين الصلة بين والدها، حسان اللقيس، وحزب الله، لكنها على الرغم من ذلك كانت تعلم أنها قد تفقده مبكرا. فخلال فترات غيابه الطويل، التي تذكرها الآن، كانت تحدق في صورة له وهو نائم وتتخيل أنها تنظر إلى جثته.
لكن نور، ابنة الثامنة والعشرين الآن، اكتشفت مع بقية اللبنانيين والعالم من هو صالح اللقيس، الذي اغتيل الشهر الماضي في مرأب سيارات، جنوب بيروت، ودوره في حزب الله. فقد كان خبير التقنيات والدعم اللوجيستي للحزب، وامتدحه قائده حسن نصر الله واصفا إياه بـ«الصديق الحبيب، وواحد من ألمع العقول في الحزب».
انضم اللقيس إلى حزب الله في الثمانينات في سن التاسعة عشرة، وكان ولعا بالتكنولوجيا، وأسهم خلال الفترة التي تلت ذلك في بناء ترسانة له من الأسلحة أكثر تعقيدا من تلك التي تمتلكها العديد من الجيوش النظامية في المنطقة، كما حول الميليشيا الشيعية إلى قوة تمكنت بنجاح كبير من مواجهة إسرائيل في الصراع. كما أسهم في إنشاء أنظمة مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار وشبكات اتصالات مستقلة، واستخدم قواعد سرية داخل سوريا لتخزين الصواريخ المتطورة بعيدة المدى، التي يقول المحللون إنها تنقل الآن إلى لبنان.
نظرا لخطورة الدور الذي لعبه اللقيس وضع الموساد اسمه على قائمة الاغتيالات منذ عدة سنوات، ووصفوه بأنه واحد من أكثر خمسة ينبغي قتلهم. وتمكن الموساد خلال الفترة بين عامي 2008 و2011 من تصفية أربعة منهم بالفعل عبر جواسيسه. فاغتيل عماد مغنية في تفجير في دمشق عام 2008، وقتل لواء سوري مقرب من الأسد برصاص قناص على شواطئ طرطوس، وفي دبي اغتال الموساد في فضيحة مدوية محمود المبحوح أحد مسؤولي التصنيع العسكري وتوريد الأسلحة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، خنقا، بالإضافة إلى لواء إيراني قُتل في انفجار في طهران. وكان اللقيس الأخير على قائمة المستهدفين بالقتل.
ويرى محللون لبنانيون وإسرائيليون أن إسرائيل، التي تعمل عبر عملائها، هي أكثر المشتبه بهم احتمالا للضلوع في عملية من هذا النوع. لكن تغيير حزب الله لمساره خلال العامين الماضيين، بإرسال قواته إلى سوريا لدعم الحكومة، حليف الحزب، في القتال ضد الانتفاضة التي انضم إليها جهاديون أجانب، أضافت أعداء جددا على قائمة اللقيس المكتظة بالفعل. فحتى بين بعض الشيعة هناك الشائعات عن رفض ومخاوف من أن تكون المجموعة قد زادت من حدة التوترات الطائفية وجعلتهم عرضة لعمليات انتقامية.
ومن ثم تحول اغتيال اللقيس إلى رواية سياسية مفعمة بالكثير من الحسابات المعقدة، وتغير مواقع الحلفاء والأعداء، فينظر إلى المسلحين السنة في لبنان ومقاتلي «القاعدة» والثوار السوريين كقتلة محتملين. ويشير المحللون إلى أن طبيعة السرية التي تغلف عمل اللقيس والطبيعة الاحترافية لعملية القتل، ربما يكون ذلك عملا استخباريا. لكن حتى أولئك الأقل احتمالية في قتله كانوا متلهفين للقيام بذلك.
وحمل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إسرائيل مسؤولية اغتيال صديقه، قائلا إن تلك المحاولات لإلقاء اللوم على مجموعات سنية هي مجرد محاولة لإذكاء نيران الحرب الطائفية.
لكن مسؤولين إيرانيين أشاروا بأصابع الاتهام إلى مجموعة تابعة لـ«القاعدة» يقودها المنشق السعودي الذي اعتقل مؤخرا في لبنان. إضافة إلى الشكوك والغموض، زعمت تلك المجموعة، كتائب عبد الله عزام، الأسبوع الماضي أن اللقيس توفي بالفعل في تفجير السفارة الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. فيما زعم الثوار السوريون أنهم قتلوه في سوريا، وأن مسرح جريمة بيروت لم يكن سوى نوع من التمويه. وكانت هناك أيضا شائعات أنه قتل بأيدي قادة حزب الله نتيجة صراع داخلي أو خيانة، لكن كليهما أمر غير منطقي بالنسبة لمنظمة تتمتع بقدر كبير من الانضباط.
وقال علي رزق، مدير الأخبار في قناة «برس تي في» الإيرانية، إن وفاة اللقيس أظهرت أن أجواء العداء تجاه حزب الله خلقت فرصا لأعدائها. ويقول رونين بيرغمان، خبير الأمن الإسرائيلي والكاتب المشارك في مجلة «نيويورك تايمز» الذي كتب عن القائمة المفصلة للموساد في كتابه «الحرب السرية مع إيران»، إن استخدام إسرائيل على الأغلب لوكلاء محليين في البلدان يحمل مخاطرة كبيرة جدا لعملائها.
اللقيس عاش أيضا على خطوط التصدع لعدم الارتياح في لبنان نتيجة لتدخل حزب الله في سوريا، وهو أمر برز جليا عندما كشف موته عن لمحات نادرة لشخصية القيادي البارز وخلفيته الشخصية.
ويبدي الحزب استياء من تبادل تلك التفاصيل الخاصة بحياة مقاتليها مفضلة تصويرهم، كما فعل نصر الله مع اللقيس، كأشخاص ليست لديهم حياة أخرى ذابوا في المقاومة. لكن ربما لأن موته كان لحظة كارثية بالنسبة لمجتمع عليه أن يظل هادئا على الرغم من مصرع الكثير من مقاتليه في سوريا، سارع البعض ليرووا ذكرياتهم عنه.
فتحدث نصر الله عن فترة شبابهما معا في بعلبك، حيث ثبتت صورة اللقيس المراهق ذي الشعر المجعد وصاحب الابتسامة العريضة على جدار إسمنتي. ويحمل أحد شوارع بعلبك اسم حارة اللقيس نسبة إلى عائلته، الأسرة التي عملت بالتجارة في بعلبك والتي كونت ثروة في ليبيريا وقامت ببناء مسجد ومركز تسوق في وسط المدينة.
عرف عن اللقيس كرمه وتواضعه، وكان يلقب بالحاج حسن، ويدير متجر «ديجيكون» للإلكترونيات. ويقول أحد أقاربه، والذي ليس عضوا في حزب الله «لم يكن الحزب وحده الذي تأسف لموته، بل بعلبك كلها». من يعرفونه كان يعلمون أنه عضو بحزب الله، لكنهم لم يعلموا على الإطلاق أنه بهذا القدر من الأهمية، فلم يسافر على الإطلاق مصطحبا حرسا شخصيا. ويقول أحد معارفه إنه بدا في الآونة الأخيرة أكثر حذرا، فكان يرفض زيارتهم في وجود غرباء. وقال آخر إن أبناء عمه في حزب الله أخبروه بأن اللقيس كان يطمح أن يخلف مغنية، الذي اغتيل في دمشق، وأن أحد أبناء عمومته لعب دورا رئيسا في عملية أسر الجنود الإسرائيليين التي أدت إلى اندلاع حرب عام 2006.
تعد مدينة بعلبك مدينة مختلطة لا تحمل فيها الأقلية الشيعية نفس القدر من الولاء الذي تحمله للعشائر القبلية أو الأحزاب الأخرى، وحيث تمتد العائلات، بما في ذلك اللقيس، لتضم أشخاصا من كل الطائفتين. والبعض يتساءل صراحة عن السبب في رغبة حزب الله في استغلال ميليشياته، التي تعتبرها الحكومة رادعا لإسرائيل، للقتال ضد المسلمين العرب.
ونظرا لكونه جزءا من القيادة التقنية لحزب الله، لا سلطاتها الدينية أو السياسية، بدا اللقيس أكثر قناعة بهذا الاستقلال، وكذلك السكان أو الأصدقاء الذين يرتبطون بعائلته.
وقد نعاه صهره حكمت عوادة على صفحته على «فيس بوك»، قائلا «كان جل اهتمامي بعلبك، أما هو فكانت حدوده تبدأ من لبنان وتنتهي في أرض الله الواسعة، من فلسطين إلى إيران إلى العراق، لا أعلم أين؟».
وقالت إحدى أقربائه إنها حاولت كثيرا تحفيز أقربائه وأصدقائه في حزب الله للبوح عن مشاعرهم تجاه سوريا، لكن دون جدوى. وقالت إن «المقاتلين يتصلون بزوجاتهم من معركة القصير، الواقعة على الحدود، ثم يعودون إلى المنزل، وكأنهم كانوا في نزهة خلوية». وأضافت أن اللقيس كان معروفا عنه شغفه بتعليم بناته وتدليلهن أكثر من أبنائه. فابنته الكبرى نور كانت عضوا في مجموعة من المعلمات الشابات في مدرسة حزب الله، اللاتي كن يتساءلن عن تكلفة المهمة السورية التي أودت بحياة الكثير من الشباب، بحسب قريب لأحد المعلمات، والذي أكد على أنه لا يعرف وجهة نظر نور.
بدت نور خلال حفل تأبين والدها مشرقة الوجه مليئة بالفخر بوالدها، وقالت إن وفاته كانت خسارة كبيرة، وذكرت أن ابنها، حفيده المفضل، كان يسارع إلى احتضانه لدى زياراته لابنته، لكنها كانت تؤيد التزامه.
ولدى سؤالها عن سوريا، أجابت بحدة «أنا لا أكترث لذلك»، ثم عقبت سريعا «لن أتمكن من الحديث إلا عن والدي فقط». ولدى سؤالها عما إذا كان لتورط حزب الله في سوريا علاقة بمقتل والدها، قالت «الحاج حسان كان له عدو واحد فقط، هو إسرائيل».
* شاركت هويدا سعد في إعداد التقرير
* خدمة «نيويورك تايمز»



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».