«الخروج من الجحيم»... كيف تسير الحياة في آخر جيب لـ«داعش» بسوريا؟

فيما تحاصر قوات سوريا الديمقراطية، والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، بقايا تنظيم داعش الإرهابي في قرية الباغوز شرق سوريا، في مساحة أقل من نصف كيلومتر مربع، هناك نقطة لاستقبال الفارين من التنظيم، حيث ينزحون إلى عدد من الخيام.
ويسيطر على اللاجئين الهاربين إلى تلك الخيام الصغيرة الرعب، حيث تتكرر الغارات الأميركية على بقايا فلول «داعش»، وكذلك على المدنيين في باغوز، ويعيشون أوضاعا إنسانية صعبة، حيث لا يتوافر الطعام الكافي لهم.
ويعيش اللاجئون بين الفوضى، أما المسلحون فإنهم يستولون على الطعام، فيما يوجه عدد من المقاتلين بنادقهم تجاه بعضهم البعض، إذ بدأت مشاحنات واشتباكات تظهر بين مقاتلي «داعش» في المنطقة البائسة شرق سوريا، إضافة إلى هروب كثير من العائلات والمدنيين منها بدفع أموال لمهربين.
ووصفت سيدة الأمر بأنه كـ«الخروج من الجحيم»، بحسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست».
وذكرت سيدة أخرى يُطلق عليها أم محمد أن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والكثير يعتمد على الحشائش لتوفير قوت يومهم.
وذكر التقرير أن الغارات الجوية الأميركية وصلت إلى 179 غارة في فترة أسبوعين انتهت في التاسع من فبراير (شباط) الجاري، وأن الناس أصبحوا خائفين جدا، والكثير منهم قد مات في العراء.
وقال سعد، وهو صبي يزيدي يبلغ من العمر 15 عاما اختطفه تنظيم داعش في عام 2014: «كان قادة التنظيم يتراجعون أكثر ويطلبون منا البقاء في المكان الذي كنا فيه وسط تواصل إطلاق النار. كان بعضهم يشعر بالذعر. يمكنك سماعهم يقولون إن الأمر انتهى».
وسيطر تنظيم داعش على مساحة تضاهي مساحة بريطانيا منذ عام 2014 في منطقة جغرافية تمتد عبر العراق وسوريا، مروجة لما تراه «دولة الخلافة» بزعامة «أبو بكر البغدادي».
ومع حلول الأسبوع الماضي، لم يعد لتنظيم داعش سوى طريق غير معبد واحد يمكن أن يوصل إلى المكان الذي يتحصن فيه مجموعة من مقاتلي التنظيم، في حين تواصل قوات سوريا الديمقراطية التقدم، في وقت ما زالت فيه عمليات النزوح من باغوز مستمرة.
وكان عدد من مقاتلي التنظيم رأوا أن الهروب «خيانة»، لكن مع اقتراب المعركة الأخيرة، قرر عدد منهم وضع السلاح أرضا والتسليم إلى «قوات سوريا الديمقراطية» والتفاوض من أجل الخروج من المنطقة إلى مكان آخر، فيما فضل البعض مواصلة القتال.
وقالت امرأة كانت قد سافرت إلى سوريا عام 2014 مع زوجها، الذي انضم إلى تنظيم داعش إن إحدى صديقاتها كانت جائعة، واضطرت للبحث عن بقايا طعام في بيوت مهجورة، لكن انفجر فيها لغم داخل أحد البيوت التي كان قد فخخها عناصر التنظيم، ونزفت حتى الموت.
وذكرت السيدة أن المقاتلين ما زال لديهم طعام يكتنزونه، وقالت: «الأمر كان فوضويا.. لم يهتموا بالمدنيين، بل أرادوا مواصلة معركتهم».
وتتهم «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم داعش باستخدام المدنيين كدروع بشرية، في محاولة لصد الهجوم في وسط النزع الأخير للتنظيم الإرهابي، وقد تكثفت شائعات بأن مقاتلي «داعش» قد حصلوا على آلاف من الدولارات من أجل خروج آمن لعدد من العائلات، وأن أولئك الذين لا يملكون أموالا ينتظرون معهم.
وفي سياق متصل، قال مصدر في قوات سوريا الديمقراطية «قسد» لوكالة «رويترز» إن شاحنات تدخل آخر جيب لـ«داعش» في شرق سوريا لإجلاء المدنيين المتبقين.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية اليوم (الثلاثاء) إن تنظيم داعش صعد هجماته بأساليب حرب العصابات على مقاتليها في شرق سوريا، مشيرة إلى التهديد الذي سيشكله المتشددون حتى بعد أن يفقدوا آخر معقل لهم هناك.
وقال مصطفى بالي مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية إن مقاتلي «داعش» كثفوا هجماتهم بعيدا عن آخر جبهة على مدى الأيام الماضية.
وشن تنظيم داعش هجومين قبل ثلاثة أيام في قرية ذيبان الواقعة على بعد 90 كيلومترا شمال باغوز.
وقُتل في الهجوم الأول، الذي كان عبارة عن كمين، اثنان من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية وأحد مقاتلي «داعش». وقال بالي إن الهجوم الثاني، الذي شنته مساء اليوم ذاته مجموعة من مقاتلي التنظيم الأجانب، شهد مقتل ثلاثة متشددين وأسر اثنين على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وقال بالي: «يوميا في خلايا نائمة... تتحرك... العمليات الأمنية التنظيم الآن يشتغل عليها بشكل مكثف... ما زال (داعش) قويا، إنهاء الوجود العسكري لـ(داعش) لا يعني أبدا القضاء على (داعش)».
وبعد السيطرة على الرقة، تقدمت قوات سوريا الديمقراطية جنوبا إلى دير الزور حيث هاجمت المتشددين في منطقة واقعة على الضفة الشرقية من نهر الفرات، ولا يزال «داعش» مسيطرا على منطقة غرب الفرات ضمن منطقة نائية تسيطر الحكومة السورية وحلفاؤها على الجزء الباقي منها.
ودعا مظلوم كوباني القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية إلى بقاء بعض القوات الدولية في سوريا للمساعدة في محاربة «داعش»، وعبر عن أمله في أن توقف الولايات المتحدة خطط سحب قواتها بالكامل.
إلى ذلك، ذكرت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه اليوم (الثلاثاء) أن هناك نحو 200 أسرة محاصرة في منطقة صغيرة ما زالت تحت سيطرة تنظيم داعش في سوريا وأن مقاتلي التنظيم يمنعون بعضها من الفرار.
وقالت باشليه في بيان «كثير منها (الأسر)... لا يزال يتعرض (أيضا) لضربات جوية وبرية مكثفة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية حليفته على الأرض».
وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم باشليه في إفادة إن القانون الدولي يلزم قوات سوريا الديمقراطية التي تساندها الولايات المتحدة وتهاجم التنظيم المتشدد باتخاذ تدابير احترازية لحماية المدنيين الموجودين وسط المقاتلين الأجانب.