«انتفاضة فبراير» لا تزال تقسم الليبيين بعد 8 سنوات على إسقاط القذافي

خلت مدن شرق ليبيا أمس، من الطقوس الاحتفالية، بمناسبة الذكرى الثامنة لانتفاضة 17 فبراير (شباط)، التي أسقطت الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، باستثناء القليل الذي جاء على استحياء، في مقابل أجواء كرنفالية وفنية واسعة أقيمت في غرب البلاد، وسط انقسام حاد واتهامات لتيار الإسلام السياسي بإفساد «الثورة الشعبية».
ومنذ مساء الجمعة، بدأت التحركات مبكراً في ساحات وميادين العاصمة طرابلس وما حولها من مدن، وتوافد المواطنون من مختلف الأعمار على ميدان الشهداء، حاملين العلم الليبي.
وقالت اللجنة العليا لاحتفالات «ثورة فبراير» إن مسيرات المواطنين انطلقت أمس، من قصر الشعب في طرابلس، (اتخذه الملك إدريس الأول مقراً رسمياً في الفترة بين 1951 وحتى 1964)، مروراً بشارع الاستقلال حتى ميدان الشهداء. وتضمنت المناسبة عروضاً لفرق الفروسية والفنون الشعبية، واستعراض السيارات الكلاسيكية والدراجات النارية، والفرق الموسيقية للشرطة والجمارك. ومع دخول الليل، أقيدت شعلة الاحتفال ورفع العلم الوطني في العاصمة.
ونقلت وسائل إعلام عن عواطف الطشاني، رئيسة اللجنة الإعلامية للاحتفال، أن البرنامج الرسمي للاحتفال سيبدأ اليوم منذ الصباح بأنشطة ترفيهية، وينتهي بحفل فني كبير تحييه المطربة التونسية نوال غشام، ومطربون ليبيون.
وقبيل الاحتفالات، التي حمل فيها المواطنون شارات «هلا فبراير»، تصاعدت نبرة المقارنة لدى فريقين: فريق يصف الانتفاضة بأنها «نكبة»، وفريق آخر يرى أنها أزاحت نظاماً مستبداً.
واستبق سياسيون إقامة الحفل الغنائي، ووجهوا انتقادات إلى سلطات طرابلس، إذ قال عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف، إنهم «يخططون لاستمالة المواطنين بمطربين يتقاضون آلاف الدولارات، في حين هناك مرضى يبحثون عن جرعة دواء كيماوي تنقذهم من وباء الـ(ناتو)»، في إشارة إلى القصف الجوي لحلف شمال الأطلسي على بلاده.
من جهته، قال المحامي الليبي علي إمليمدي، إن «17 فبراير كانت انتفاضة شعب للمطالبة بحقوقه، مثل الحرية والعيش بكرامة، خصوصاً أن ليبيا دولة نفطية غنية ولديها الأموال»، مضيفاً أنه بخلاف الشباب الذين انتفضوا دفاعاً عن حريتهم، «دخل بعض الكيانات من أصحاب الأجندات، بينهم جماعة الإخوان المسلمين، على الانتفاضة وسرقوها كما حدث في مصر وتونس».
وذهب إمليمدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجيش الوطني «يقوم باسترداد الثورة المخطوفة من الجنوب»، مبرزاً أن «سبها ومناطق الجنوب بشكل خاص، تمتلك رغم بساطتها وعياً كافياً بما يحال، وهم كانوا أقل الناس تأييداً لـ17 فبراير».
وبينما دعت حكومة الوفاق في طرابلس، على لسان وزارة داخليتها، كل الليبيين إلى «لم الشمل، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين أنباء الشعب الواحد لبناء دولتهم، بعيداً عن الصراعات التي أرهقت كاهل الوطن والمواطن»، طالبت نظيرتها التابعة لمجلس النواب في شرق البلاد، المواطنين بـ«اغتنام الفرصة والالتفاف حول قضايا الوطن».
ونبهت الحكومة المؤقتة، في بيان أمس، إلى ما سمته «المخططات الخبيثة الرامية إلى زرع الفتن، وتأجيج الصراعات الحزبية والجهوية»، مطالبة بالحفاظ على ثروات البلاد ومقدراتها، وتحقيق الأمن والسلام الوطنيين.
ولفتت إلى أن هذه الذكرى تأتي فيما الجيش الوطني يتصدى للإرهابيين وعصابات الإجرام، والمعتدين الغادرين على اختلاف انتماءاتهم وتسمياتهم. وانتهت إلى أن «التضحيات تواصلت خلال الأعوام الثمانية التالية للثورة، حفاظاً عليها ممن حاولوا ويحاولون سرقة الثورة، وتغيير مسارها، وإعادة سنوات القهر والعذاب، والامتهان من قبل جماعات مؤدلجة، وعصابات تتخفى تحت أسماء براقة، وعناوين خادعة، سعياً للوصول إلى أهدافها الملتوية، وغاياتها الدنيئة، اغتناماً لانتصارات لم يريقوا فيها قطرة دم واحدة».
من جانبه، رأى سعيد امغيب، عضو مجلس النواب، أن «الفاتح من سبتمبر (أيلول) انقلاب تحول إلى ثورة... و17 فبراير ثورة شعب لكنها سرقت»، مبرزاً أن «عملية الكرامة»، التي يخوضها الجيش الوطني منذ عام 2014، «ثورة حقيقية استرجعت 17 فبراير... ثورة الشعب الذي ثار ضد الظلم والقهر والاستبداد».
لكن بعد مرور 8 سنوات، لا تزال ليبيا غارقة في الفوضى، ويسيطر عليها السلاح، مع انتشار الفساد وتبديد جانب كبير من ثرواتها النفطية. وبهذا الخصوص، قال الكاتب والسياسي الليبي عمر الحمدي، الموالي للنظام السابق، إن «17 فبراير كانت عبارة عن تحرك شعبي محدود لا يهدم نظاماً، وجاءت استجابة لدعوة محدودة من محامي سجناء (أبو سليم) من الإخوان المسلمين والمتأسلمين». لكن «واكبها تحرك من قطر وجامعة الدول العربية، فتمت مخاطبة مجلس الأمن على عجل ليقرر تجميد الأموال الليبية، وفرض حظر على الطيران، ما أعطى فرصة للناتو لتدمير ليبيا».
وأضاف الحمدي: «الذين جاءوا بعد فبراير لم يتمكنوا من إدارة البلاد، واستمر الظلم والفساد، وانقسموا إلى طرفين؛ أحدهما في الشرق، والثاني سيطر على طرابلس بقوة المتأسلمين»، لافتاً إلى أن العالم اكتفى بالفرجة على مأساة الليبيين منذ 8 سنوات.
وانتهي الحمدي إلى أن «الحل الممكن هو المصالحة الوطنية لاستعادة الدولة المدنية، وإجراء انتخابات ليقرر الشعب مصيره».