«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): السعودية تعرض أفلاماً لافتة رغم وجود عربي خجول

«سوب أوبرا» تركي وانسحاب صيني

من الفيلم التركي «حكاية ثلاث شقيقات»
من الفيلم التركي «حكاية ثلاث شقيقات»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): السعودية تعرض أفلاماً لافتة رغم وجود عربي خجول

من الفيلم التركي «حكاية ثلاث شقيقات»
من الفيلم التركي «حكاية ثلاث شقيقات»

سُحب فيلم زانغ ييمو «ثانية واحدة» من مهرجان برلين السينمائي بعد أيام من بدء المهرجان. والسبب المعلن هو أوهنها: «لأسباب تقنية في مرحلة ما بعد الإنتاج».
ليست غلطة المهرجان، بل هو ضمّ فيلم ييمو الجديد بعدما تسلّم تأكيدات المخرج بأنّ الفيلم صار جاهزاً وستُرسل النسخة الكاملة منه في مطلع الشهر. لكن السّلطات الصينية، على الأرجح، هي التي مانعت خروجه لأسباب لا بد أنّها رقابية.
يقول صحافي ألماني، صباح يوم أمس، إنّ هناك فيلماً صينياً آخر في قسم سينما الأطفال سُحب أيضاً. هو لا يذكر عنوانه، لكن ذلك محتمل، وإن كان من غير الممكن تصوُّر أنّ فيلماً للأطفال يمكن له أن يحتوي على ما يوجِب المنع.
والمهرجان، في كل الأحوال، مقبل على تغيّرات مهمة مع انتقال رئاسته إلى فريق جديد. فالمهرجان فوجئ، حسب مصدر مسؤول، بأن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قدّمت موعد حفلها السنوي إلى وقت مبكر عن المعتاد. لذلك قرّر المهرجان إرجاء موعده في العام المقبل إلى نحو منتصف شهر مارس (آذار) بعيداً عن صخب الأوسكار السائد.
هذا بات رسمياً، لكنّ الموجبات ما زالت تبدو غريبة.
في الدرجة الأولى برلين والأوسكار دائماً ما وقعا في زمن متقارب. وفي الثانية لا يُفهم كيف يؤثر الأوسكار سلباً أو إيجاباً على المهرجان الألماني الذي تنتهي دورته في السابع عشر من الشّهر أي قبل موعد الأوسكار بأسبوع كامل.
أفلام سعودية
الوجود العربي الخجول في دورة هذا العام ليس من صنع المهرجان، ولا أثار اهتمام أحد من الإعلام الغربي. هذا ليس غريباً، فحتى بعض أفضل ما لدينا من أفلام يتمحور غالباً على مواضيع قد تكون موحية لأصحابها، لكنّها ليست خلاقة في معالجاتها.
نعم، كانت هناك عروض قليلة لأفلام تقع على بُعد بضع سنوات ضوئية من المسابقة الرّسمية ومتناثرة كما المسافة بين جزيرة برتغالية وأخرى يونانية، لكنّ هذا الوجود لم يمنح أياً من الأفلام (وسمعنا أنّ فيلم اللبناني غسان سلهب الجديد كان أحدها) أي حضور فعلي.
الاهتمام ارتفع بعض الشيء مدفوعاً بالفضول الكبير عندما أشرفت مؤسسة «مركز السينما العربية» على برمجة ضمّت الفيلم التّسجيلي «حياة متنوعة» لعبد الرحمن صندقجي، عن نساء يتحدثن عن حياتهن الخاصة والعملية الحاضرة، والفيلم الروائي القصير «حورية» لعائشة رضوان الذي يتحدّث عن فتاة تحلم بأن تصبح حورية لكي تلتقي بأمها التي ماتت بالغرق.
من بلد مجاور هو تركيا عُرض فيلم «حكاية ثلاث شقيقات» في المسابقة، للمخرج أمين ألبر الذي سبق له أن حقق فيلمين سابقين؛ أحدهما «فزع» الذي نال سنة 2015، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا.
أفضل وصف لهذا الفيلم هو أنّه «سوب أوبرا» خليق بسهرة تلفزيونية. نعم، يثير قضايا اجتماعية، لكنّها قضايا محدودة الأثر وتخلو ممّا يُثير نطاقاً أوسع من الأهمية. حكايته تدور حول ثلاث شقيقات يتجاذبن الحديث عن أوضاعهن الشّخصية والعاطفية مع وضع اثنتين منهن في مواقف متضادة بحيث علينا أن نتابع كذلك احتدام الجدل بينهما.
المكان هو قرية تقع في منطقة شمالية باردة وصعبة الوصول. المشهد الأول لسيارة تلتهم الطريق الصّاعد صوب أعالي الجبال مارة بطبيعة تعكس القسوة التي يعيش فيها أهل القرية. حين تصل السيارة إلى تلك القرية تنزل منها فتاة صغيرة تلتقي بشقيقتها بعد طول غياب. الشقيقة الثانية تأتي لاحقاً ومنذ وصولها يحتدّ نزاع بينها وبين الشقيقة الكبرى المتزوجة من راعي غنم. الحكايات المتداخلة هي مجرد خطوط للربط بين مواقف وسلوكيات الشّخصيات الرّجالية والنّسائية وكيف أنّ قليلاً من التّجانس والتّفاهم يجمعها معاً.
الفيلم يكرّر مفاداته، ويخسر في كل مرّة جزءاً من الوعد الذي وفّره في مطلعه. لدى المخرج الموقع الذي قد تقع فيه قصص أهم ممّا كتبه وقدّمه، لكنّ الحكم على ما اختاره بنفسه جاعلاً الموقع بقريته وجباله ووعورته اللافت الوحيد لمشاهد مبنية على حوارات طويلة متتالية.
عصابات نابولي
فيلم آخر انسلّ بعيداً عن بؤرة الاهتمام النقدي، هو «باراناز» للإيطالي كلاوديو جيوڤانيسي المستوحى عن رواية لروبرتو سافيانو الذي تتمحور رواياته الثلاث التي تم تحويلها إلى الشاشة («غامورا» (2008) و«تاتانكا» (2011) و«بيراناز») بكونها تدور حول الشوارع التحتية لمدينة نابولي وحياة سكانها الصّعبة. هذا الفيلم لا يبتعد عن هذا المصدر الدّائم للأحداث وشخصياتها، لكنّه يتحدث عن طينة أخرى من تلك الشّخصيات: الأولاد الصّغار الذين يشكّلون عصابات شرسة يعجز البوليس عن مواجهتها.
نيكولا (فرنشسكو دي نابولي) في الخامسة عشرة ولديه سوابق. يتاجر بالمخدرات والسلاح وينشد أن يصبح زعيم أترابه. خلال مسيرته يرتكب الفيلم خطيئة الاكتفاء بالعرض من دون محاولة ربط الحدث بمنطلقاته الاجتماعية. بذلك، يستعرض الفيلم ما نراه كحكاية وليس كموضوع يُراد منه الذهاب إلى ما يمنحها حضوراً فعلياً أقوى. ضمن هذا الاستعراض يعرض الفيلم مفارقات تشي بأنّ هؤلاء الأولاد، كما يعبر نيكولا عنهم، يستطيعون العيش طبيعياً لولا ما يقترفونه من جرائم. هذا يأتي عبر تخصيص بعض الوقت لتقديم بطله، وقد تعرف على فتاة (فيفيانا أبريا) وصادقها. كما من خلال تصرفات تريد أن توحي بأنّ هؤلاء الصبية ما زالوا أصغر من أن يدركوا مغبّة أفعالهم. كل ما ينشغل به الفيلم يبقى عرضاً واستعراضاً لا يدخل في صميم المشكلة ولا يستحوذ على الاهتمام بالدرجة التي تتجاوز الفضول.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».