سُحب فيلم زانغ ييمو «ثانية واحدة» من مهرجان برلين السينمائي بعد أيام من بدء المهرجان. والسبب المعلن هو أوهنها: «لأسباب تقنية في مرحلة ما بعد الإنتاج».
ليست غلطة المهرجان، بل هو ضمّ فيلم ييمو الجديد بعدما تسلّم تأكيدات المخرج بأنّ الفيلم صار جاهزاً وستُرسل النسخة الكاملة منه في مطلع الشهر. لكن السّلطات الصينية، على الأرجح، هي التي مانعت خروجه لأسباب لا بد أنّها رقابية.
يقول صحافي ألماني، صباح يوم أمس، إنّ هناك فيلماً صينياً آخر في قسم سينما الأطفال سُحب أيضاً. هو لا يذكر عنوانه، لكن ذلك محتمل، وإن كان من غير الممكن تصوُّر أنّ فيلماً للأطفال يمكن له أن يحتوي على ما يوجِب المنع.
والمهرجان، في كل الأحوال، مقبل على تغيّرات مهمة مع انتقال رئاسته إلى فريق جديد. فالمهرجان فوجئ، حسب مصدر مسؤول، بأن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قدّمت موعد حفلها السنوي إلى وقت مبكر عن المعتاد. لذلك قرّر المهرجان إرجاء موعده في العام المقبل إلى نحو منتصف شهر مارس (آذار) بعيداً عن صخب الأوسكار السائد.
هذا بات رسمياً، لكنّ الموجبات ما زالت تبدو غريبة.
في الدرجة الأولى برلين والأوسكار دائماً ما وقعا في زمن متقارب. وفي الثانية لا يُفهم كيف يؤثر الأوسكار سلباً أو إيجاباً على المهرجان الألماني الذي تنتهي دورته في السابع عشر من الشّهر أي قبل موعد الأوسكار بأسبوع كامل.
أفلام سعودية
الوجود العربي الخجول في دورة هذا العام ليس من صنع المهرجان، ولا أثار اهتمام أحد من الإعلام الغربي. هذا ليس غريباً، فحتى بعض أفضل ما لدينا من أفلام يتمحور غالباً على مواضيع قد تكون موحية لأصحابها، لكنّها ليست خلاقة في معالجاتها.
نعم، كانت هناك عروض قليلة لأفلام تقع على بُعد بضع سنوات ضوئية من المسابقة الرّسمية ومتناثرة كما المسافة بين جزيرة برتغالية وأخرى يونانية، لكنّ هذا الوجود لم يمنح أياً من الأفلام (وسمعنا أنّ فيلم اللبناني غسان سلهب الجديد كان أحدها) أي حضور فعلي.
الاهتمام ارتفع بعض الشيء مدفوعاً بالفضول الكبير عندما أشرفت مؤسسة «مركز السينما العربية» على برمجة ضمّت الفيلم التّسجيلي «حياة متنوعة» لعبد الرحمن صندقجي، عن نساء يتحدثن عن حياتهن الخاصة والعملية الحاضرة، والفيلم الروائي القصير «حورية» لعائشة رضوان الذي يتحدّث عن فتاة تحلم بأن تصبح حورية لكي تلتقي بأمها التي ماتت بالغرق.
من بلد مجاور هو تركيا عُرض فيلم «حكاية ثلاث شقيقات» في المسابقة، للمخرج أمين ألبر الذي سبق له أن حقق فيلمين سابقين؛ أحدهما «فزع» الذي نال سنة 2015، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا.
أفضل وصف لهذا الفيلم هو أنّه «سوب أوبرا» خليق بسهرة تلفزيونية. نعم، يثير قضايا اجتماعية، لكنّها قضايا محدودة الأثر وتخلو ممّا يُثير نطاقاً أوسع من الأهمية. حكايته تدور حول ثلاث شقيقات يتجاذبن الحديث عن أوضاعهن الشّخصية والعاطفية مع وضع اثنتين منهن في مواقف متضادة بحيث علينا أن نتابع كذلك احتدام الجدل بينهما.
المكان هو قرية تقع في منطقة شمالية باردة وصعبة الوصول. المشهد الأول لسيارة تلتهم الطريق الصّاعد صوب أعالي الجبال مارة بطبيعة تعكس القسوة التي يعيش فيها أهل القرية. حين تصل السيارة إلى تلك القرية تنزل منها فتاة صغيرة تلتقي بشقيقتها بعد طول غياب. الشقيقة الثانية تأتي لاحقاً ومنذ وصولها يحتدّ نزاع بينها وبين الشقيقة الكبرى المتزوجة من راعي غنم. الحكايات المتداخلة هي مجرد خطوط للربط بين مواقف وسلوكيات الشّخصيات الرّجالية والنّسائية وكيف أنّ قليلاً من التّجانس والتّفاهم يجمعها معاً.
الفيلم يكرّر مفاداته، ويخسر في كل مرّة جزءاً من الوعد الذي وفّره في مطلعه. لدى المخرج الموقع الذي قد تقع فيه قصص أهم ممّا كتبه وقدّمه، لكنّ الحكم على ما اختاره بنفسه جاعلاً الموقع بقريته وجباله ووعورته اللافت الوحيد لمشاهد مبنية على حوارات طويلة متتالية.
عصابات نابولي
فيلم آخر انسلّ بعيداً عن بؤرة الاهتمام النقدي، هو «باراناز» للإيطالي كلاوديو جيوڤانيسي المستوحى عن رواية لروبرتو سافيانو الذي تتمحور رواياته الثلاث التي تم تحويلها إلى الشاشة («غامورا» (2008) و«تاتانكا» (2011) و«بيراناز») بكونها تدور حول الشوارع التحتية لمدينة نابولي وحياة سكانها الصّعبة. هذا الفيلم لا يبتعد عن هذا المصدر الدّائم للأحداث وشخصياتها، لكنّه يتحدث عن طينة أخرى من تلك الشّخصيات: الأولاد الصّغار الذين يشكّلون عصابات شرسة يعجز البوليس عن مواجهتها.
نيكولا (فرنشسكو دي نابولي) في الخامسة عشرة ولديه سوابق. يتاجر بالمخدرات والسلاح وينشد أن يصبح زعيم أترابه. خلال مسيرته يرتكب الفيلم خطيئة الاكتفاء بالعرض من دون محاولة ربط الحدث بمنطلقاته الاجتماعية. بذلك، يستعرض الفيلم ما نراه كحكاية وليس كموضوع يُراد منه الذهاب إلى ما يمنحها حضوراً فعلياً أقوى. ضمن هذا الاستعراض يعرض الفيلم مفارقات تشي بأنّ هؤلاء الأولاد، كما يعبر نيكولا عنهم، يستطيعون العيش طبيعياً لولا ما يقترفونه من جرائم. هذا يأتي عبر تخصيص بعض الوقت لتقديم بطله، وقد تعرف على فتاة (فيفيانا أبريا) وصادقها. كما من خلال تصرفات تريد أن توحي بأنّ هؤلاء الصبية ما زالوا أصغر من أن يدركوا مغبّة أفعالهم. كل ما ينشغل به الفيلم يبقى عرضاً واستعراضاً لا يدخل في صميم المشكلة ولا يستحوذ على الاهتمام بالدرجة التي تتجاوز الفضول.
«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): السعودية تعرض أفلاماً لافتة رغم وجود عربي خجول
«سوب أوبرا» تركي وانسحاب صيني
«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): السعودية تعرض أفلاماً لافتة رغم وجود عربي خجول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة