الموسم الدراسي الجديد في غزة على الأبواب.. ونازحو المدارس يخشون طردهم منها

مسؤولون إغاثيون لـ («الشرق الأوسط»): إما نقلهم لمراكز إيواء أخرى أو تأجيل الدراسة

تحتضن مدارس «الأونروا» عشرات آلاف الفلسطينيين النازحين جراء الحرب على غزة («الشرق الأوسط»)
تحتضن مدارس «الأونروا» عشرات آلاف الفلسطينيين النازحين جراء الحرب على غزة («الشرق الأوسط»)
TT

الموسم الدراسي الجديد في غزة على الأبواب.. ونازحو المدارس يخشون طردهم منها

تحتضن مدارس «الأونروا» عشرات آلاف الفلسطينيين النازحين جراء الحرب على غزة («الشرق الأوسط»)
تحتضن مدارس «الأونروا» عشرات آلاف الفلسطينيين النازحين جراء الحرب على غزة («الشرق الأوسط»)

أصبح الموسم الدراسي الجديد في قطاع غزة على المحك جراء الحرب الإسرائيلية ونزوح عشرات آلاف الفلسطينيين إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، بعد تدمير منازلهم وتشريدهم منها.
بينما يواجه هؤلاء النازحون خطر «الطرد» من تلك المدارس، مع تأكيد وزارة التربية والتعليم بغزة أنه لا توجد أي خطة لتأجيل العملية التعليمية.
ويقول مسؤولون يديرون عمليات إغاثة النازحين في المدارس إن هناك مقترحات عدة مطروحة بشأن الموسم الدراسي الجديد، غير أنه لم يتخذ بعد أي قرار بشأنها، وإن جميع المقترحات، التي وضعت من قبل لجنة خاصة في «الأونروا»، ستُقدم لمدير العمليات في الوكالة لدراستها مع أفراد لجنة من دائرة التعليم.
وأكد هؤلاء المسؤولون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترحات التي وضعت تعتمد على خيارات، منها نقل جميع النازحين في مدارس محدودة وتقديم الخدمات إليهم وفتح المدارس الأخرى أمام الطلاب للعام الدراسي الجديد».
وأشاروا إلى أن هناك اقتراحا آخر بتأجيل الموسم الدراسي لحين دراسة الموضوع مع حكومة التوافق الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، ونقل النازحين لأماكن إيواء أخرى.
وأوضح المسؤولون أن «تأجيل العام الدراسي سيكون لفترة قصيرة، ولن يمتد لأشهر طويلة، إلا إذا طال أمد العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، ولم يجرِ التوصل لاتفاق تهدئة يسمح لـ(الأونروا) تنظيم عملها من أجل استقبال الطلاب في الموسم الدراسي الجديد، ويوفر الحماية الأمنية لأولئك الطلاب».
ولم يخفِ النازحون للمدارس خشيتهم من أن تجبرهم «الأونروا» على ترك مدارسها في حال جرى التوصل لتهدئة رسمية، وتوقفت الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقالت المواطنة سمية صيام لـ«الشرق الأوسط» من سكان حي الزيتون جنوب مدينة غزة، التي لجأت إلى مدرسة غزة الجديدة في حي النصر بعد أن دمر منزلها للمرة الثانية، إنه خلال حرب 2008 - 2009 على غزة، وبعد انتهائها بأسبوع واحد فقط، طُلب منهم أن يغادروا المدارس وأن يجدوا مأوى آخر لهم، وذلك للسماح للأونروا بالعمل بشكل طبيعي في المدارس. وأشارت إلى أنهم اضطروا حينها لمغادرة المدارس والبحث عن شقق سكنية بالإيجار رغم أسعارها المرتفعة حينها، التي ترتفع أيضا الآن بسبب الحرب.
وتعيش صيام إلى جانب أكثر من 47 فردا في أحد صفوف المدرسة في ظروف معيشية صعبة، وتجلس بجانب باب الصف الدراسي الذي تأكل وتنام فيه، ولكنها فضلت أن تستقبلنا في ساحة المدرسة بعيدا عن ضجيج الأطفال والنساء في الصف.
وتساءلت صيام بلهجة غاضبة: «وين نروح بحالنا وبأولادنا، ما فيه مكان نروح إليه، لو فيه كان رحنا وما أجينا هون نعيش هيك عيشة صعبة، لا نفس ولا حرية حركة ولا طعام مثل الناس، هون خنقة وبس وكمان مش متحملينا، وين نروح بحالنا بعد ما دورنا راحت».
من جانبه، قال المواطن محمد أبو الليل، الذي نزح منذ أكثر من 25 يوما من حي التفاح إلى المدرسة ذاتها، إن منزله دُمّر تماما ولا يمكن له أن يخرج من المدرسة دون إيجاد مأوى له من قبل «الأونروا»، أو من قبل الحكومة أو أي مؤسسة أخرى.
وأضاف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه عاطل عن العمل منذ بداية الانتفاضة الثانية، بعد أن منعته قوات الاحتلال من العمل داخل الخط الأخضر، وأنه يعيش طوال السنوات الماضية من خلال تبرعات أهل الخير.
وأضاف غاضبا هو الآخر: «400 طفل استشهدوا في الحرب، و(الأونروا) بدلا من أن تعمل على حمايتنا تريدنا أن نموت خارج مدارسها (شو المشكلة لو تأجل الموسم الدراسي شهرين أو ثلاثة لحين ما يلاقوا حل النا)».
وفي معرض رده على ذلك، قال الناطق باسم «الأونروا»، عدنان أبو حسنة لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك حلولا وضعت وخططا مختلفة للتعامل مع الوضع الأمني والحالي في غزة، مشيرا إلى أنه في حال توقف العدوان، فإن الموسم الدراسي سيجري كما هو مخطط له دون أي تشوش.
وحول مصير النازحين، لفت إلى أن هناك مدارس يوجد بها فقط فترة صباحية وسيجري وضع خطة للتدريس فيها فترة مسائية، بهدف إبقاء مدارس أخرى مفتوحة أمام إيواء النازحين، مؤكدا أن هناك تواصلا مع وزارة التربية والتعليم في حكومة التوافق الفلسطيني لحل هذه الأزمة.
وشدد على أن موعد الموسم الدراسي الجديد سيكون مرتبطا فقط باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية من عدمها، وأن كل الخطط القائمة الآن موضوعة بناء على حالة الهدوء التي قد تتواصل في حال اتفقت الجهات المعنية على تهدئة.
وتقدر تقارير فلسطينية غير رسمية أن أكثر من 480 ألف نازح لجأوا إلى مدارس «الأونروا» في غزة، يضاف إليهم أكثر من 1500 آخرين في مدارس محدودة تابعة للحكومة الفلسطينية.
وقال مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم بغزة، معتصم الميناوي لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا توجد أي خطط لتأجيل العملية التعليمية، وإنه من المقرر أن تبدأ في موعدها المحدد في 24 من الشهر الحالي».
وأشار إلى وجود اتصالات مع «الأونروا» بهذا الشأن، من أجل التوافق على أن تكون العملية التعليمية، كما هو مخطط لها.
وذكر أنه في حال استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة، فسيجري التأجيل لحين انتهائها، مؤكدا أن وزارته على استعداد لبدء الموسم الدراسي في موعدها المحدد، في حال توقف العدوان الإسرائيلي، وذلك رغم الأضرار التي لحقت في المدارس.
ولفت إلى أن الاحتلال دمر 22 مدرسة بشكل كامل، وألحق أضرارا بأكثر من 119 مدرسة، ولكن رغم الأضرار التي لحقت بها، فإن الوزارة تستطيع القيام بدورها في العملية التعليمية بشكل أمثل، وعلى أكمل وجه، ولديها آليات وخطط للتعامل مع ذلك.
وبشأن مصير النازحين للمدارس، قال الميناوي: «هذه ليست مسؤولية وزارة التربية والتعليم، وهناك لجان حكومية هي المسؤولة عن ذلك، وكل وزارة لديها جهة مختصة تعمل في إطار تنظيم أمور النازحين، وإنهاء معاناتهم».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».