الأورام تلتهم أجساد الليبيين بعد انهيار منظومة الصحة

نقص الدواء والإمكانيات يرغم المصابين بالسرطان على البحث عن علاج خارج البلاد

طفل ليبي مصاب بالسرطان يتلقى العلاج في الأردن (وزارة الصحة بالوفاق)
طفل ليبي مصاب بالسرطان يتلقى العلاج في الأردن (وزارة الصحة بالوفاق)
TT

الأورام تلتهم أجساد الليبيين بعد انهيار منظومة الصحة

طفل ليبي مصاب بالسرطان يتلقى العلاج في الأردن (وزارة الصحة بالوفاق)
طفل ليبي مصاب بالسرطان يتلقى العلاج في الأردن (وزارة الصحة بالوفاق)

على أبواب مركز سرت للأورام تجمع عشرات الليبيين المصابين بالسرطان انتظاراً للحصول على دورهم في العلاج من المرض، الذي تزايد بشكل ملحوظ في عموم البلاد خلال السنوات السبع الماضية، وخاصة بين الأطفال، في ظل نقص الدواء والإمكانيات الطبية التي تقدمها المستشفيات الداخلية.
وتعاني المنظومة الصحية في ليبيا تراجعاً كبيراً منذ إسقاط النظام السابق عام 2011، بسبب اندلاع الاشتباكات المسلحة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، ما أدى إلى نقص الأدوية والمعدات، كما أن كثيرا من الأطباء الأجانب وأطقم التمريض، الذين كان يعتمد عليهم نظام الصحة غادروا البلاد.
ونتيجة لذلك بات على الليبيين، الذين يريدون العلاج في الداخل، البحث عن مركز متخصص في علاج الأورام، أو السفر للعلاج في مستشفيات ومعاهد بالخارج، وخاصة في الأردن وتونس ومصر وتركيا.
تقول مسؤولة بمركز سرت للأورام، أمس، إنهم يقدمون خدمة طبية للمئات من مرضى السرطان كل أسبوع قدر المستطاع، في ظل نقص حاد للأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، مشيرة إلى أن عدد مرضى السرطان «في تزايد دائم دون معرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك».
وأضافت المسؤولة، التي رفضت ذكر اسمها لأنها غير مخولة بالتحدث إلى الإعلام: «مشكلتنا في مركز سرت عدم وجود أماكن لإيواء المرضى، مما يستدعي عودتهم إلى ديارهم، وهذه مسألة شاقة على هذه النوعية من المرضى، خاصة أن بعضهم يقطعون مئات الكيلومترات حتى يصلوا إلينا».
ولفتت المسؤولة ذاتها إلى أن المركز «يعتمد في إنفاقه على المانحين من أهل الخير، لشراء بعض الأدوية التي يتطلبها العلاج الإشعاعي والكيماوي والجراحي»، ودعت إلى «تقديم يد العون إلى المركز ومساعدته في إكمال رسالته الإنسانية».
من جانبه، قال الدكتور نوري الدروقي، الأكاديمي والباحث الليبي في مجال التلوث البيئي والإشعاعي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن المستشفيات الليبية تعاني من تردي الأوضاع، مشيراً إلى أنها ظلت لفترات طويلة عاجزة عن تقديم الخدمات الطبية، لكن مع تولي وزير الصحة الحالي عمر بشير، «أصبحت هناك جهود ملحوظة في علاج مرضى الأورام».
وأضاف الدروقي أنه «لا يوجد إحصاء لعدد مرضى الأورام، لكن وزارة الصحة ستعمل في مارس (آذار) المقبل على إعداد سجل لهؤلاء المرضى»، لافتاً إلى أن مرضى الأورام يتزايدون في مدن ليبية كثيرة منها، الخمس، وسرت، وبني وليد. وذهب إلى أن الأحداث التي شهدتها البلاد، عقب ضربات حلف (الناتو) وثورة 17 فبراير (شباط)، تركت أثراً سلبياً على البيئة، من حيث الإشعاعات الناتجة عن الحرب التي شهدتها البلاد، وقال إنهم عقدوا ندوة علمية مؤخراً، حضرها كبار المتخصصين في مجال التلوث البيئي، «فاكتشفوا أن أحد المعسكرات، وهو (المعسكر 77) عثر بداخله على بعض آثار لليورانيوم، لكن إلى الآن لم يتم التعامل معه». وانتهى الدروقي إلى أن أي ليبي يصاب بالأورام السرطانية يتم علاجه على نفقة حكومة الوفاق الوطني.
وتراكمت الديون المستحقة على الدولة الليبية للمستشفيات الخارجية، بما يقدر بـ1.2 مليار دينار، نتيجة العلاج في الخارج لعدة سنوات، وفقاً لوزير صحة الوفاق، عمر بشير الطاهر.
ويعد الأردن وجهة المرضى الليبيين، الذين يعالجون على نفقة الدولة، وخاصة في مركز الحسين للأورام، الذي سبق أن توقف عن استقبال حالات جديدة نظراً لتراكم الديون.
لكن في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عاد المركز لاستقبال مرضى الأورام الليبيين، تزامنا مع الزيارة التي أجراها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج للمرضى هناك، على هامش زيارته للمملكة الأردنية.
وكان الدكتور محمد البرغثي، سفير ليبيا لدى الأردن، قال إن فريق العمل الذي يتابع ملف علاج مرضى الأورام، تعهد بالبقاء في حالة انعقاد دائم إلى حين إنهاء إجراءات ملف مرضى الأورام، وتسديد مستحقات المستشفيات حتى يتمكن المرضى من استكمال علاجهم بالكامل.
وتوصلت اللجنة الوزارية الأردنية - الليبية في حينها إلى اتفاق بشأن إنهاء ملف الديون المترتبة للمستشفيات الخاصة على الحكومة الليبية، تحدد بموجبه آلية سداد ديون المستشفيات الخاصة، والبالغة بعد التدقيق 220 مليون دولار.
والأوضاع الداخلية للمستشفيات الليبية متقاربة، من حيث قلة الإمكانيات اللازمة لعلاج مرضى السرطان، وهو ما سبق أن عبر عنه الدكتور محمد الفقي، مدير مركز مستشفى مصراتة للأورام، بقوله إن المركز يتحمل أكثر من طاقته بسبب نزوح المواطنين من مدنهم، مما يجعله في حاجة إلى الاستعانة بالمانحين والمنظمات الخيرية كي يتمكن من مواصلة خدمته الطبية.
وكما هو الحال في مركز سرت للأورام يأتي بعض المرضى من مدن الجنوب في عمق الصحراء إلى مصراتة، على بعد نحو 190 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس. ويستعين مركز مصراتة بفرق طبية زائرة من خارج البلاد لتدريب الأطقم الطبية، والمساعدة في الوقاية من مرض سرطان الثدي، ومحاربته لدى النساء والإسعافات الأولية للطفل.
وترجع بعض الأوساط الطبية في ليبيا تزايد الإصابة بالسرطان «بشكل كبير» إلى مياه الشرب والري، لكن أحمد قذاف الدم، المسؤول السياسي لجبهة النضال الوطني الليبية، سبق له القول في رسالة بعثها إلى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن «أكثر من مليون و700 ألف ليبي معرضون للوفاة بسبب الإصابة بمرض السرطان، الذي ينتشر بشكل مخيف بسبب الصواريخ والمدفعية المستخدمة في هجوم الناتو على ليبيا».
وأمام تزايد الإصابات بالأورام في ليبيا دعا كثير من السياسيين والنواب والحقوقيين إلى الاهتمام بهذه القضية.
وكان عبد المنعم الزايدي، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، قد قال إنه «بالنظر إلى العدد الكبير لليبيين المصابين بمرض السرطان داخل مصحات في ليبيا وتونس ومصر والأردن، فإنه يتوجب على السلطات الليبية أن تعلن أن مرض السرطان بليبيا أصبح قضية أمن قومي ليبي»، مطالباً بتكاتف جهود الدولة والمستثمرين والجمعيات الخيرية لتقديم المساعدة والدعم للمرضى.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.