رسائل عمل وقبلات

عصرنا مؤلم لأنه سريع الوتيرة، إنه أشبه بقافلة تشد رحالها وتمشي بعتادها دون النظر إلى الخلف، أنت وأنا ضمن هذه القافلة إذا ما غفلت أعيننا نرى نفسنا وحيدين قابعين على قارعة الطريق الطويلة لا نستطيع العودة إلى الوراء، ولا يمكننا أن نمشي بصفوف أفراد القافلة الذين يهزون الأرض تحت أقدامهم وكأنهم يبعثون برسائل يعلِمون العالم بقدومهم وهيمنتهم عليه.
هكذا أرى وضعنا اليوم في خضم التطور السريع الذي يصعب في بعض الأحيان ركوب موجته، فلا يجوز أن تغفل عينك ولو للحظة؛ لأن الوضع يختلف فتشعر وكأنك في عزلة عن الحاضر لتتقوقع في مفردات قديمة تصبح في زمننا أشبه بالطلاسم، لا يدركها إلا من أتقنها ولا يستعملها إلا من يفهمها.
إذا أحسستم بأن كلامي معقد فلن أتفاجأ؛ لأن المغزى في قلب النص؛ وذلك لأن زمننا لا يرحم، فإذا كنت على سبيل المثال من أرباب كتابة الرسائل على طريقة «تحية وبعد» فأنت بالتأكيد من بين هؤلاء الذين سبقتهم القافلة؛ لأن لغة رسائل اليوم اختلفت ولم تعد ترنو إلى اختيار الكلمات المنمقة والأسلوب الجميل، وأتكلم هنا عن كتابة الرسائل الخاصة بالعمل؛ لأن عصر التكنولوجيا الحديث ساهم أيضاً في تغيير طريقة كتابتنا للرسائل الجدية، ودخلت اليوم الرسوم المتحركة إليها، وأصبحت القبلات على شكل حرف «X «بالأجنبية هي عربون الحب أو التحية، أو حتى أصبحت عبارة ننهي بها الرسالة بطريقة لطيفة. وفي بعض الأحيان ينهي البعض الرسائل بالوجوه المبتسمة وتتخلل السطور أيضاً الابتسامات العابرة بين الفينة والأخرى، فلو كان قيس وليلى أو روميو وجولييت على قيد الحياة وعاشوا في زمن التعبير بواسطة ما يعرف بالـ«إيموجي» لماتوا من القهر في أنفسهم؛ لأنهم لن يتمكنوا من استعمال الصورة المعبرة في مكانها الصحيح.
العاطفية شعور سامٍ، لكنها لا تتناغم مع الرسائل الجدية، وقد تفسر بشكل خاطئ؛ ولهذا السبب قد تكون الأدمغة التي تقف وراء ابتكار الصور الجديدة على هواتفنا الذكية قد تنبهت لذلك، فابتكر أصحابها الزهور الحمراء التي تعبر عن الحب، والزهور وردية اللون والقلوب الحمراء والقلوب باللون الزهري... للتمييز في استخدامها.
أشعر أحياناً بأنه ينبغي علينا الالتحاق بدرس مكثف في كتابة الرسومات وأصول استخدامها، ففي فترة من الفترات لاحظت موجة أو موضة في كتابة الرسائل التي تسمي الشخص بحرف اسمه الأول، وتعاد التسمية أكثر من مرة في الرسالة الواحدة، لأول وهلة تفاجأت، لكني سرعان ما اكتشفت أني أصبحت مثلهم.
روت لي صديقة عزيزة حادثة طريفة جداً حصلت مع إحداهن بعدما بعثت لها برسالة تدعوها بها لعشاء في منزلها واستخدمت فيها كل ما يلزم من عواطف وأدب، مثل: «عزيزتي» و«إلى اللقاء قريباً»، لكن المفاجأة كانت بعدما تلقت صديقتي رداً على دعوتها مفادها: «رسالتك جافة ودعوتك خالية من الأحاسيس، لم تكلف نفسك حتى بوضع قبلات في نهايتها... »، وهذا الرد كان جدياً، ويحمل في طياته السطحية الكثير من العتب، والدليل هو عدم تلبية الدعوة للعشاء.
بالفعل، كتابة الرسائل العصرية أمر محير، وهناك خط رفيع يفصل ما بين الأدب وقلته، والصعوبة تكمن في اختيار الصور المناسبة في الرسائل المناسبة، وهنا أقصد الرسائل الإلكترونية وتلك التي نرسلها على تطبيق «واتساب» الذي يستعمل أيضاً وسيلةً للتواصل المهني.
في الماضي كانت كتابة الرسائل فناً جميلاً، كانت تكتب بخط اليد وكانت تنسج بأجمل التعابير، أما اليوم فصورة القرد والقلوب الاصطناعية احتلت المشهد وأصبحت رسائل العمل مليئة بالقبلات المزيفة والأحاسيس الفارغة.