اتهامات لـ«حزب الله» بالعمل على تغيير الدستور اللبناني

النائب إدي أبي اللمع يعتبر تحذير البطريرك الراعي من «المثالثة» إنذاراً استباقياً

TT

اتهامات لـ«حزب الله» بالعمل على تغيير الدستور اللبناني

حذّر البطريرك الماروني بشارة الراعي مما «يطرح في السر والعلن عن تغيير في النظام والهوية، وعن مؤتمر تأسيسي، وعن مثالثة في الحكم تضرب صيغة العيش المشترك المسيحي - الإسلامي»، مشيراً إلى أن «الوحدة اللبنانية اليوم مهددة»، وذلك خلال لقاء جمع رؤساء الكتل النيابية والنواب الموارنة في 16 من الشهر الحالي. وأوضح أن «من أسباب الأزمة السياسية عدم تطبيق اتفاق الطائف والدستور المعدَل بموجبه، بنصهما وروحهما، لأكثر من سبب داخلي وخارجي. بل أدخلت أعرافاً وممارسات مخالفة لهما، وجعلت المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة».

حنا صالح: دور إيران
وليس الحديث عن المثالثة جديداً، لكن نبضه أصبح أقوى بعد حصول «حزب الله» وحلفائه على أكثرية نيابية، وبعد تذكيره المستمر بالانتصار العسكري في سوريا. ويوضح الكاتب والمحلل السياسي حنا صالح لـ«الشرق الأوسط» أن «عناوين كثيرة طرحتها طهران عبر (حزب الله) لإمساك القرار اللبناني. وأشار إلى أنه بعد (حرب تموز) 2006. زار وزير خارجية إيران آنذاك منوشهرمتكي رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وناقش معه بشكل رسمي (المثالثة). وتردد أن الجانب الإيراني سأل لماذا لا يكون هناك منصب نائب لرئيس الجمهورية، أسوة بمنصب نائب لرئيس الحكومة ورئيس المجلس؟ ورأى ضرورة استحداث هذا المنصب، وأن يكون للطائفة الشيعية. وخلال النقاش الذي كان تصادمياً تردد أن الرئيس السنيورة أبلغ ضيفه أنه سيكون من غير المناسب إدلاؤه بتصريحات من منبر رئاسة الحكومة، فغادر الوزير الإيراني السراي الحكومي، وطرح فكرته في مؤتمر صحافي من السفارة الإيرانية».
وحذّر صالح من أن «أهداف الحزب لم تكن سرية أبداً، ففي اللقاء الحواري في (سان كلو) قبل أكثر من 10 سنوات، أبلغ ممثل (حزب الله) النائب نواف الموسوي الآخرين أن الحزب سيلعب الدور الذي كانت تلعبه سوريا قبل انسحابها من لبنان. لكن تلك المؤشرات لم تدفع قوى (14 آذار) لبحث حقيقي ومسؤول بغية مواجهة الهجمة المنسقة من جانب الحزب، وخلفه النظام الإيراني، للاكتفاء بعبارات عن التمسك بالطائف والدستور، ورفض ما يشاع عن (المؤتمر التأسيسي)، فاقتصر الأمر على الشعارات، لأن هذه القوى استمرأت استمرار حكم البلد من خارج الدستور، في التعيينات والصفقات أو لجهة إفراغ المؤسسات الرقابية من دورها، وتبارت مع الآخرين في تقديم المصالح الفئوية، فساهمت بدورها في تكريس ممارسات فوق دستورية، فهي بالنهاية من سهّل للآخرين فرض أعراف وبدع تجري اليوم الشكوى منها».

أبي اللمع: متمسكون بالصيغة
واعتبر النائب في كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) إدي أبي اللمع، أن «كلام الراعي حول تغيير النظام والمثالثة هو إنذار استباقي لمن يجول في خاطره أن يتجه إلى هذا المنحى، بالتالي لا إمكانية لتحقيقه، فنحن متمسكون بالصيغة اللبنانية الحالية والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين واحترام الدستور والقانون. وهذا ما خرج به البيان الختامي للمجتمعين في بكركي».
وأضاف أبي اللمع لـ«الشرق الأوسط» أن «غالبية القوى السياسية وشريحة واسعة من الشعب اللبناني ترفض أي طرح يتعلق بتغيير الصيغة اللبنانية. وأنا مقتنع أن هذه العملية تعيد لبنان إلى نقطة الصفر، ولديها مخاطر كثيرة قد تصل إلى المواجهة».
واعترف أبي اللمع بأن «التنازلات وابتداع أعراف جديدة، تترجم قلق البطريرك حيال العيش المشترك. ولا يمكن الاستمرار في هذا الخط، لأنه لن يؤدي إلى النتائج المرجوة لنهضة لبنان، فالوضع لم يعد يحتمل، والمؤشرات الاقتصادية تدل على ذلك رغم التطمينات التي تصلح لفترة قصيرة، ولا قيامة للدولة ومؤسساتها مع هذه التنازلات والإمساك بالقرار اللبناني الوطني».
وأوضح أبي اللمع أن «رئيس تكتل لبنان القوي ووزير الخارجية جبران باسيل أوضح أكثر من مرة أنه لا يقبل بتغيير المناصفة إلى مثالثة. ومطالبته بالثلث المعطل لا تبرر محاولة الآخرين التوجه نحو نسف الصيغة اللبنانية».

سعيد: مخاوف البطريرك
وقال النائب السابق فارس سعيد لـ«الشرق الأوسط» إن «لدى البطريرك خوفاً حقيقياً من المثالثة، لأن (حزب الله) يعتبر أن الوقت مناسب لتوظيف انتصاره العسكري في سوريا واستثمار هذا الانتصار في تغيير الدستور لصالحه».
وأضاف أن «الراعي تكلم عن الفكرة اللبنانية القائمة عن العيش المشترك الإسلامي - المسيحي، وعن ضرورة تطبيق دستور لبنان وفق وثيقة الاتفاق الوطني، وضرورة بقاء لبنان في الشرعيتين العربية والدولية. وكلامه في هذه المرحلة غير شعبوي، ولا سيما أن السياسيين المسيحيين يرجحون التضامن المسيحي على حساب التضامن الوطني».
ورأى سعيد أن على المسيحيين أن «يتوقفوا عن القياس الديموغرافي لوجودهم في لبنان، وعن طلب الحماية ضمن تحالف الأقليات. والبطريرك يعرف أن الواقع المسيحي متراجع، لأن المشكلة تتعلق بدور المسيحيين في لبنان، وليس بحجمهم الديموغرافي وحضورهم السياسي. لذا دعا المسيحيين إلى لعب دورهم الأساسي لتكريس العيش المشترك. بالتالي شكل كلامه خريطة طريق وضعها بين أيدي المقررين السياسيين والرأي العام. والرهان على القوى السياسية لترجمة هذا الكلام. وليس للإصرار على الثلث المعطل كضمانة للمسيحيين في الحكومة العتيدة».
ونبّه سعيد إلى أن «الموارنة حسبوا أن حمايتهم هي في التحالف مع (حزب الله) من خلال اتفاق مار مخايل، أو في التحالف داخل البيئة المسيحية من خلال تفاهم معراب. وفي الحالتين اعتمدوا حماية الأقليات وتحالف الأقليات. وهذا ما نهى عنه البابا فرنسيس والفاتيكان في الزيارة الأخيرة للبطريرك الراعي إلى روما».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.