هل هي غلطة الشاطر

يُجمع المتابعون للمعركة الانتخابية في إسرائيل، على أنها ستكون الأسخن والأكثر أهمية من كل المعارك السابقة، أي منذ تأسيس الكنيست.
ويحتشد في هذه المعركة أكبر عدد من الجنرالات الذين تتفاوت تطلعاتهم، بين من يسعى لأن يكون بديلاً عن نتنياهو، المهدد بالطرد من موقعه حتى لو فاز في الانتخابات، وبين من تتواضع تطلعاته، كالحصول على منصب وزاري أو رئاسة لجنة برلمانية. الكنيست في إسرائيل هو خلاصة الحياة السياسية في الدولة العبرية، وهو صاحب الامتياز في تحديد الحكم والقرار الرئيسي. وفي حقبة سيطرة اليمين على الأغلبية، تمكن الكنيست من تغيير شكل الدولة العبرية ومحتواها، حين أقر قانون القومية بأغلبية شعبية ونخبوية ضئيلة، وأضعف دور القضاء في الحياة العامة، وأجهز على ما تبقى من احتمالات تسوية سياسية مع الفلسطينيين، إلى جانب إضعاف المسار الديمقراطي وتداول السلطة، بحيث أدى تعسف الغالبية البرلمانية إلى تخليد نتنياهو كصاحب أطول فترة في رئاسة الوزراء، إلى جانب تكريسه كرجل بلا منافس.
وحين يجري الحديث عن الكنيست، فلا مناص من التعريج على وضع الوسط العربي وتمثيله في هذه المؤسسة المهمة، فلقد أثبتت الوقائع، وليس مجرد التحليل، أن هذا البرلمان هو الساحة الأهم التي تمارس فيها الأقلية العربية كفاحها متعدد الوجوه والمهمات. فالنواب العرب رغم اتهامهم من قبل نسبة لا يستهان بها من المواطنين بالتقصير في أداء مهماتهم كما يرغب الناخبون، فإنهم جسدوا حضوراً قوياً ولافتاً، إن على صعيد الكفاح المطلبي لمليوني عربي ناقصي الحقوق في الدولة، أو على صعيد التفاعل مع بني جلدتهم من الفلسطينيين على الضفة الأخرى، الذين يكافحون من أجل الحرية والاستقلال.
المؤسف أنه في الوقت الذي يتأهب فيه الجميع في إسرائيل لخوض معركة تكاد تكون مصيرية، يصاب الاستعداد العربي المفترض لتحسين الحضور وتقويته، بهزة قوية من خلال قرار الدكتور أحمد الطيبي بمغادرة القائمة المشتركة، والدخول في الانتخابات بقائمة خاصة به، وحتى الآن فإن كثيرين من المتابعين يقدرون أن قرار الطيبي هو مجرد مناورة من العيار الثقيل، هدفها تحسين حضور حزبه في القائمة المشتركة؛ خصوصاً مع إقرار المتابعين لهذا الشأن بأنه كفاءة مميزة وحضوره الجماهيري قوي، وبأنه ظُلم في أمر المحاصصة التي تشكلت القائمة المشتركة على أساسها.
قرار الطيبي ينطوي على مجازفة. فإما أن تكون وفق التعبير الشعبي الدارج «غلطة الشاطر»، وإما أن تشكل قوة دفع لحضور عربي أكثر فاعلية في الكنيست. ترجيح أي من النتيجتين لا يمكن حسمه الآن، ولا يجوز اعتماد أرقام استطلاعات الرأي التي تتحرك صعوداً وهبوطاً بصورة نشطة أيام الحملة الانتخابية، وتحديداً حين الاقتراب من التوجه النهائي لصناديق الاقتراع. فلا مناص إذن من جعل النتائج التي تحسمها الصناديق هي الحكم الأخير. فإن حدثت معجزة وتعزز الحضور العربي بفعل استمرار الطيبي على قراره بالانسلاخ عن «المشتركة»، فسيتوج بطلاً في معركة الكنيست المقبلة، وإن حدث العكس وتراجع الحضور العربي، فلن ينحو من مقصلة الاتهام بالمسؤولية المباشرة عما حدث.
يبدو أنه لا يزال أمامنا متسع من الوقت لبلورة مخرج من هذه الهزة المدوية، فإلى جانب الحرص على قوة التمثيل العربي في الكنيست، فهنالك حرص على أن يظل أحمد الطيبي بمنأى عن التشويش.