ماي تعد البرلمان بالمرونة لإقناعه باتفاق {بريكست}

تعهدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس بأن تكون أكثر انفتاحاً مع البرلمان في التفاوض على مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وأن تعالج مخاوف النواب بشأن اتفاق الانفصال لنيل موافقتهم عليه.
وأبلغت ماي البرلمان بأنها ستكون «أكثر مرونة»، وأنها ستنفذ مطلباً لحزب العمال المعارض بشأن ضمان حقوق العمال، مبرزة أنها ستجد سبيلاً لتهدئة المخاوف بشأن الالتزام بعدم العودة إلى الحدود المعقدة في جزيرة آيرلندا، فيما يسلط الضوء على ثلاثة تغييرات في خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقالت ماي: «سنحترم بفعلنا ذلك تفويض الشعب البريطاني، ونغادر الاتحاد الأوروبي بطريقة تفيد كل جزء من مملكتنا المتحدة، وكل مواطن في بلدنا». وأعلنت أنها تنوي العودة إلى بروكسل للبحث في تعديلات على الاتفاق، الذي توصلت إليه مع القادة الأوروبيين الشهر الماضي، بشأن مسألة «شبكة الأمان»، التي يفترض أن تجنب العودة إلى إقامة حدود فعلية بين الآيرلنديتين بعد «بريكست».
وأضافت ماي: «سأواصل اللقاءات مع زملائي هذا الأسبوع - بينهم المسؤولون في الحزب الوحدوي الديمقراطي في آيرلندا الشمالية - لنرى كيف يمكننا الالتزام بواجباتنا»، ومن بينها تجنب عودة الحدود «بطريقة تؤمن الحصول على أكبر دعم ممكن» في مجلس العموم.
وتابعت موضحة: «سأعرض خلاصات هذه المباحثات على الاتحاد الأوروبي»، وذلك حسبما أورده تقرير وكالة الصحافة الفرنسية مساء أمس.
وتسعى ماي إلى إخراج الوضع من المأزق، بعد رفض النواب البريطانيين الأسبوع الماضي للاتفاق على طريقة الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي توصلت إليه مع المفوضية الأوروبية في بروكسل. لكن القسم الأكبر من الانتقادات في المملكة المتحدة لا يزال يتركز على مسألة «شبكة الأمان» الواردة في الاتفاق، حيث يرى دعاة «البريكست» أنه يبقي الباب مفتوحا أمام ارتباط دائم لبلادهم بالاتحاد الأوروبي. كما يعارض الحزب الوحدوي الديمقراطي في آيرلندا الشمالية (مؤيد للبريكست) هذا النظام الخاص الذي سيمنح لآيرلندا الشمالية.
لكن الاتحاد الأوروبي جدد أمس إعلان رفضه للمقترح الجديد من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والخاص بإعادة التفاوض حول خروج بلادها من التكتل. إذ قال دونالد توسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، إنه لم يتغير شيء منذ الأسبوع الماضي، «ونحن مستعدون دائماً لنتقابل ونتحدث».
في الوقت نفسه، أشار المتحدث إلى أن الدول الـ27 المتبقية في التكتل أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أنه من غير الممكن إعادة التفاوض على اتفاق الخروج، الذي جرى التفاوض عليه مع ماي.
وأمس خرج وزير الخارجية البولندي جاسيك شابوتوفيتز عملياً عن الموقف المشترك للدول الـ27، عندما دعا في تصريح إلى «بي بي سي» إلى تحديد فترة العمل بشبكة الأمان هذه بخمس سنوات. إلا أن نظيره الآيرلندي سايمون كوفيني سارع على الفور إلى رفض هذا الاقتراح. وقال من بروكسل على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس، إنها «على الأرجح مبادرة بهدف المساعدة. إن لبولندا مواطنين في المملكة المتحدة أكثر من أي بلد آخر، وأكثر من آيرلندا نفسها. إلا أنني لا أعتقد أنه اقتراح يعكس موقف الاتحاد الأوروبي».
من جهته اقترح ميشال بارنييه، كبير المفاوضين بالاتحاد الأوروبي، أمس، أن تقوم الكتلة بإعادة النظر في إعلان سياسي بشأن العلاقات المستقبلية، تم الاتفاق عليه جنباً إلى جنب مع شروط الطلاق. وصرح لإذاعة «آر تي آي» الآيرلندية: «نحن منفتحون على العمل مرة أخرى على الإعلان السياسي، وأن نكون أكثر طموحاً في العلاقة المستقبلية».
بدوره، أبدى وزير الخارجية الإسباني جوزيب بوريل تشاؤماً حيال إمكانية أن تتوصل ماي إلى إقناع النواب البريطانيين. وقال في هذا الصدد: «لا أعتقد أنه يمكن إنقاذ الاتفاق من خلال تعديلات هامشية. لذا يجب أن تقدم شيئا مختلفاً بشكل كبير. لكن بطبيعة الحال يجب الموافقة عليه لاحقا في الاتحاد الأوروبي».
أما هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا فقال بدوره: «نعرف الآن ما لا يريدونه في لندن. يجب أن نعلم أخيراً ما الذي يريدونه».
ونجت حكومة ماي من تصويت لسحب الثقة الأربعاء الماضي، وبدأت بعقد محادثات مع شخصيات من حزبها المحافظ وحزب العمال.
وبعد تحديد ماي خططها بشأن طريقة المضي قدماً، سيطرح النواب سلسلة تعديلات ليتم التصويت عليها في 29 من يناير (كانون الثاني).
في غضون ذلك، تنوي مجموعتان على الأقل من النواب المنتمين إلى الحزبين طرح تعديلات، تهدف إلى تأخير أو تعطيل اقتراحات ماي. وستعلق إحدى المجموعتين عملية الانسحاب في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد مع بروكسل بحلول نهاية فبراير (شباط) المقبل. أما الثانية فستتيح لأعضاء البرلمان اختيار يوم واحد كل أسبوع لمناقشة المسائل المرتبطة ببريكست والتصويت عليها، وهو ما سيتجاوز التقليد الذي يمنح الحكومة الحق في التحكم بجدول أعمال البرلمان. لكن مكتب ماي وصف هذه الخطط بأنها «مقلقة للغاية»، فيما ندد المتحدث باسمها بالمناورات البرلمانية قائلاً إنها «دليل على الخطر المحدق لأن البرلمان يمكن أن يوقف بريكست».
ومن النقاط الأكثر خلافية في الاتفاق، الذي رفضه البرلمان بند «شبكة الأمان»، وهو ضمان قانوني باستمرار حرية الحركة على الحدود مع آيرلندا، في حال لم تتمكن بريطانيا من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على معاهدة طويلة الأمد للتجارة الحرة.
وذكرت صحيفة «صنداي تايمز» أن ماي ستقترح التوصل إلى ترتيبات منفصلة مع دبلن. موضحة أن رئيسة الوزراء «تريد عرض اتفاق ثنائي على آيرلندا يزيل بند (شبكة الأمان) المنفر من اتفاق الانسحاب مع الاتحاد الأوروبي، ويمنع إقامة حدود فعلية بوسائل أخرى».
وفي بروكسل، قال المتحدث باسم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إن الاتحاد الأوروبي «لا يمكنه أن يقدم إجابات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة... ولا تطلبوا من بروكسل تقديم إجابات»، موضحاً أن «هذا هو الوقت الذي يجب أن تتحدث فيه لندن».