الحوار الإيراني ـ الأوروبي أمام أبواب مغلقة

وسط تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق النووي، تأكد أمس أن آمال الرئيس الإيراني حسن روحاني بدقِّ إسفين خلاف بين أوروبا والولايات المتحدة عقب خروج نظيره الأميركي دونالد ترمب، من الصفقة، بدا يتبخر. وكشفت مصادر أوروبية وإيرانية، أمس، عن تعثر الحوار بين الطرفين قبل نحو عشرة أيام. وقالت مصادر دبلوماسية، أمس، إن رسالةً نقلها مبعوثون من ستة دول بشأن نفاد الصبر من السلوك الإيراني المخابراتي في الأراضي الأوروبية وتطوير الصواريخ الباليستية، واجهت رداً «عنيفاً» من المسؤولين الإيرانيين الذين «وقفوا فجأة وخرجوا من الباب وأغلقوه بعنف، في خرقٍ غير مألوف للبروتوكول»، لكن الرواية الإيرانية في الوقت الذي أكدت وصول الحوار إلى طريق مسدود، قالت إن الوفد الأوروبي وجد الأبواب مقفلة، إذ رفض مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إجراء أي حوار.
ونقل دبلوماسيون من ثلاث دول أوروبية في الاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، إضافةً إلى مبعوثين من الدنمارك وهولندا وبلجيكا، الرسالة التي «أزعجت» الدبلوماسيين الإيرانيين في الثامن من يناير (كانون الثاني)، وتفيد بأن «أوروبا لم تعد قادرة على تحمل تجارب الصواريخ الباليستية في إيران ومؤامرات الاغتيال على الأراضي الأوروبية»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» عن أربعة دبلوماسيين أوروبيين.
وعن أجواء الاجتماع، قال دبلوماسي إنه «كان هناك الكثير من الملابسات غير المتوقعة، لم يعجبهم ذلك، لكننا شعرنا أن علينا نقل مخاوفنا الجادة... يُظهر ذلك أن العلاقة باتت أكثر توتراً».
وكان الاجتماع عشية فرض الاتحاد الأوروبي أول عقوبات على إيران منذ أن توصلت قوى عالمية لاتفاق في فيينا عام 2015 مع طهران بشأن كبح برنامجها النووي. كانت العقوبات رمزية إلى حد كبير لكن الاجتماع العاصف انطوى على تحول غير متوقع في الدبلوماسية الأوروبية منذ نهاية العام الماضي.
وتقترب أوروبا من النهج الجديد من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتمثلة في عزل إيران بفرض عقوبات صارمة، رغم أن الحكومات الأوروبية تقول: إنها ما زالت تدعم اتفاق فيينا المبرم في عام 2015 والذي انسحب منه ترمب في مايو (أيار).
الأسبوع الماضي، تجاهلت إيران تحذيرات أميركية وفرنسية بشأن القرار 2231 وأطلقت صاروخاً حاملاً لقمر «بيام» لكنّ إيران قالت إن التجربة باءت بالفشل. وتعني «بيام» الرسالة. وقال الرئيس الإيراني، في إشارة ضمنية إلى رسائل سياسية في الخطوة، إنها «أحرزت نجاحاً على الرغم من بعض الإخفاق». تزامناً مع ذلك، كشف رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، عن تمهيدات لتخصيب وقود اليورانيوم بنسبة نقاء 20%. وقال في مكان آخر، إن إيران جاهزة لبلوغ تخصيب اليورانيوم في غضون أربعة أيام، وهو تلويح باستعداد إيران لمغادرة الاتفاق النووي.
ويقول دبلوماسيون إن دولاً أصغر حجماً وأكثر وداعةً في الاتحاد الأوروبي انضمت إلى فرنسا وبريطانيا في موقف أكثر صرامة بشأن طهران بما في ذلك النظر في فرض عقوبات اقتصادية جديدة. وقال ثلاثة دبلوماسيين إن ذلك قد يشمل تجميد أصول وحظر سفر على «الحرس الثوري» الإيراني وعلى إيرانيين يطوّرون برنامج الصواريخ الباليستية. وهي الخطوة الثانية لفرض عقوبات على طهران بعدما أقر الاتحاد الأوروبي تجميد أصول وحدة الأمن الداخلية في وزارة الاستخبارات الإيرانية.
وحسب وثيقة أوروبية فإن فرنسا وبريطانيا وألمانيا تفكر حالياً في فرض عقوبات كانت قد اقترحتها على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مارس (آذار) الماضي، في إطار المساعي لإقناعه بالبقاء في الاتفاق النووي. وتنوي الدول الثلاث تجميد أرصدة «الحرس الثوري» الإيراني وشركات وجماعات إيرانية تطوِّر برنامج إيران الصاروخي وفرض حظر سفر عليها.
ويقول ثلاثة دبلوماسيين إنه يجري الإعداد الآن لسلسلة إجراءات مشابهة، لكنّ توصُّل دول الاتحاد الأوروبي وعددها 28 إلى الاتفاق سيستغرق بعض الوقت. وقال دبلوماسي أوروبي كبير: «نفضل عدم اتخاذ هذه الإجراءات لكن عليهم أن يكفّوا عن محاولة قتل الناس على أراضينا كما أنهم على مدى السنوات الثلاث الماضية طوّروا برنامجهم للصواريخ الباليستية».

- موغيريني تطالب بتفعيل الآلية قبل أي إجراء
ورغم وجود وجهات نظر متباينة في أوروبا، يمكن أن تكون لهذا التحول عواقب على حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت تتطلع فيه إلى العواصم الأوروبية لإنقاذ هذا الاتفاق عبر تفعيل الآلية المالية الأوروبية.
وتدافع حكومة روحاني عن سياسة إيران الإقليمية وتوجُّه وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى العراق. كما تقول الحكومة إن الصواريخ تأتي في سياق برنامج دفاعي. لكن المخاوف الغربية من برنامج الصواريخ الإيرانية تتزايد بسبب إطلاق إيران صواريخ باليستية قصيرة المدى على سوريا يوم 30 سبتمبر (أيلول)، وإجراء تجارب صاروخية، وفي ظل التقارير عن إرسال صواريخ وطائرات من دون طيار إلى الحوثيين إلى اليمن.
ويقول دبلوماسيون إن مؤامرات الاغتيال الإيرانية التي أُحبطت على الأراضي الفرنسية والدنماركية في 2018 كانت القشة الأخيرة بالنسبة إلى أوروبا. ولا تعترف إيران بقيام أجهزة «الحرس الثوري» والاستخبارات بأنشطة خارج الحدود الإيرانية.
وقال دبلوماسي من الشرق الأوسط بإحدى البعثات الدبلوماسية في أوروبا: «الاتهامات بحق إيران على مدى الأشهر القليلة الماضية أيقظت بعض الدول في أوروبا التي كانت ضد انتهاج سياسة أكثر تشدداً مع إيران».
وبالتزامن مع اجتماع الدبلوماسيين الغربيين في طهران، ألقت هولندا علناً بالمسؤولية على إيران في ما يتعلق بعمليات قتل على أراضيها في عامي 2015 و2017. ونفت طهران أي دور لها في ذلك. وصنَّف الاتحاد الأوروبي، في التاسع من يناير، وحدة من وزارة المخابرات الإيرانية منظمة إرهابية، وجمّد أصولها إضافة إلى أرصدة رجلين.
وقال الدبلوماسي: «الهولنديون على سبيل المثال ظلوا هادئين جداً لحين الهجوم الهولندي أما الآن فقد أصبح موقفهم متشدداً أكثر من فرنسا».
وقاومت الدول الأوروبية قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق الإيراني، وتفاخر حسن روحاني قبل نحو أسبوع بتأثير الاتفاق النووي على العلاقات الأوروبية - الأميركية واعتبره من إنجازات الاتفاق، لكن بدا أن الطموحات الدولية لإيران قدمت لبروكسل وواشنطن فرصة أكبر للعمل معاً.
وكانت وكالة «إرنا» قد نقلت عن متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، أن القناة المالية الخاصة بالالتفاف على العقوبات الأميركية «على وشك التفعيل»، وذلك بعد أسبوع على إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عقد قمة في بولندا خلال شهر فبراير (شباط)، وسيتناول الشرق الأوسط وتحديداً إيران، ويمكن أن يُحدث انقساماً بين شرق أوروبا وغربها.
وحاول الاتحاد الأوروبي أن يُظهر لإيران أن الالتزام بالاتفاق النووي لا يزال يعني الحصول على منافع اقتصادية رغم قرار ترمب إعادة فرض العقوبات الأميركية ووقف صادرات النفط الإيراني عبر الضغط على حلفاء الولايات المتحدة.
ومن المقرر أن يطلق الاتحاد الأوروبي رسمياً هذا الشهر آلية خاصة تهدف إلى تسهيل التجارة مع إيران، لكنها لن تدخل حيز التنفيذ قبل عدة أشهر. وستسجل تلك الآلية في فرنسا وستديرها ألمانيا وستشمل على الأرجح بريطانيا كمساهم، حسبما أفادت «رويترز».
في هذا الشأن، ذكر أربعة دبلوماسيين أن موغيريني، التي ساعدت في إتمام اتفاق 2015، «تشعر بالقلق من التحرك أسرع من اللازم خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق بشكل كامل».
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يعتزمون إصدار بيان مشترك فريد من نوعه يوم 21 يناير بشأن ما يقولون إنه تدخل إيران في المنطقة، وكانوا يريدون الدعوة لإنهاء التجارب الصاروخية. لكن دبلوماسيين قالوا إن موغيريني أرادت وضع الآلية الخاصة للتجارة مع إيران أولاً.
ونفى مسؤول في الاتحاد الأوروبي أي انقسام في السياسة بين موغيريني وحكومات التكتل، قائلاً إن البيان سيُنشر بمجرد إطلاق الآلية.
ولم يعلق الاتحاد الأوروبي أو طهران على ما نُقل عن المسؤول الأوروبي، وقال مسؤول من الاتحاد إن موغيريني لن تحضر بسبب ارتباط رسمي آخر... وهو ما لاقى ارتياحاً بين وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة روحاني.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إنه يوجد الآن «إجماع دولي متزايد» على مدى التهديدات الإيرانية، مضيفاً: «الولايات المتحدة ترحِّب بجهود أوروبا للتصدي لإرهاب إيران على أراضٍ أوروبية وإطلاقها الصواريخ وانتهاكها حقوق الإنسان وتهديدات أخرى». وقال دبلوماسيون إن حكومات شرق أوروبا قد تتمادى في اتخاذ إجراءات ضد إيران لإرضاء ترمب مقابل ضمانات أمنية ضد روسيا. وقال دبلوماسي آخر: «من الواضح أن هناك مخاطر في الحضور... ورغم أننا لا نعتقد أن إيران ستنسحب من الاتفاق النووي، فنحن لسنا بحاجة إلى دفعهم إلى حافة الهاوية وتعميق خطر سباق التسلح في الشرق الأوسط».

- إحباط أوروبي من سلوك إيران
وأصر الاتحاد الأوروبي على إجراء حوار مع طهران، ورغم اتفاقه مع الإدارة الأميركية على خطر الصواريخ الباليستية، فإن الدول الأوروبية تريد تجنب التداخل بين الملفين النووي والصاروخي، ورغم التراجع الأوروبي فإن إدارة ترمب مارست ضغوطاً على مدى العام الماضي لمنع طموحات إيران النووية وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال دعمها لجماعات متشددة في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وفي اجتماعات ضمت دبلوماسيين أوروبيين وإيرانيين العام الماضي حاولت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الضغط من أجل اتخاذ إيران مبادرات في ما يتعلق بدورها في الحرب السورية والمساعدة في إنهاء الصراع في اليمن. لكن العديد من المحادثات الثنائية بشأن برنامج الصواريخ الباليستية لم تتمخض عن نتائج.
من جانب آخر، لفت دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي إلى أن «هناك شعوراً بالإحباط بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أخرى بعد المرحلة الأولى من الجهود الدبلوماسية مع إيران... اعتقدنا أن بمقدورنا دفع الإيرانيين لبذل بعض الجهد على عدة أصعدة».
وتقول إيران إن أوروبا قد تخفق على أي حال في حماية الاتفاق النووي، وتتهم مسؤولين أوروبيين بالتردد والتباطؤ. وقال عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني والمفاوض النووي البارز، الأسبوع الماضي، إن هناك حاجة إلى «خطوات عملية» من أوروبا، إذ إن الدعم السياسي ليس كافياً.
وقال آية الله أحمد جنتي رئيس مجلس الخبراء، الخميس الماضي، إن أوروبا «لن تفعل أي شيء في صالحنا»، مضيفاً أن «الأوروبيين أسوأ من الأميركيين. وحتى إن لم يكونوا أسوأ، فلا فرق بينهم».

- طهران تطعن في رواية «رويترز» وتؤكد «طرد» الوفد الأوروبي
لم تمر ساعات على نشر وكالة «رويترز» تفاصيل من اجتماع عاصف بين مبعوثين أوروبيين ودبلوماسيين إيرانيين حتى ردت الخارجية الإيرانية عبر موقع «انتخاب» المقرب من مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وأصر الموقع على أن الوفد الدبلوماسي لم تتسنَّ له إثارة قضايا وردت على لسان مسؤولين غربيين في تقرير لوكالة «رويترز»، أمس. ونقل موقع «انتخاب» عن مصادر مطلعة أن مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي «لم يسمح للدبلوماسيين الأوروبيين بالكلام»، معلناً عن «التراجع عن إقامة الاجتماع وإغلاق الباب».
وقالت المصادر إن الخارجية الإيرانية «رفضت قبول مسودة بيان حمله الدبلوماسيون الأوروبيون».
وجاء تدخل الموقع في وقت تفاعلت وكالات «الحرس الثوري» مع أجزاء تشير إلى نيات أوروبية فرض عقوبات اقتصادية وتجميد أصول ضد «الحرس الثوري» ووحدة الصاروخية المسؤولة عن تطوير البرنامج الباليستي.
وعلى الرغم من تأكيد المصادر عدم وجود أي نقاش، فإنه الموقع نقل عن عراقجي قوله للدبلوماسيين الأوروبيين: «اعتقدنا أنكم قادمون للحديث عن التقاعس وتقديم الاعتذار».
وشدد موقع «انتخاب» على أن الاجتماع «لم يجرِ كما نقلت وكالة (رويترز) عن الدبلوماسيين الأوروبيين، وأنه ذهب باتجاهات أخرى».
وأوضح الموقع أن «الوفد الأوروبي زار الخارجية من دون أن يذكر سبب الزيارة قبل أن يبدأ بإثارة القضايا الأمنية»، مشيراً إلى أن «عراقجي تدخل بحزم لمنع دبلوماسي أوروبي من قراءة بيان باسم الدول الأوروبية قبل أن يعلن إنهاء الاجتماع ويغادر الاجتماع ويغلق الباب بقوة».
وأشار الموقع إلى أن «محاولات الدبلوماسيين الأوروبيين تسليم مذكرة للمسؤولين الإيرانيين لم تؤدِّ إلى نتيجة، وهو ما دفع الوفد الأوروبي إلى مغادرة المكان».