هل أحاط سلامة بالقوم أم أحاطوا به؟

إحاطة غسان سلامة المبعوث الدولي إلى ليبيا، أمام مجلس الأمن، أثارت الجمعة الماضي، جدلاً كبيراً وواسعاً في ليبيا، بسبب إهمال غسان سلامة الحديث عن كثير من الأمور المهمة، وتضخيمه لأخرى صغيرة.
الأمر المستغرب أن إحاطته تجاهلت ما حققه الجيش الليبي من استقرار في المنطقة الشرقية، وتحركه لتطهير الجنوب الليبي، فالجيش الليبي قام بضرب الإرهاب والقضاء عليه في هذه المنطقة، والتخلص من العصابات والمرتزقة، التي تحتل جزءاً كبيراً من الجنوب الليبي، وتجاهل سلامة إعادة إعمار أكثر من 11 مركزاً للشرطة في المنطقة الشرقية، كان «داعش» قد فجّرها، بينما ظهر سلامة مشيداً بمشاركته وزير داخلية السراج في وضع حجر أساس لمركز شرطة، لم يتم تشييده بعد في طرابلس، الرهينة والمحتلة من الميليشيات.
سلامة، الذي بدلا من إحاطة مجلس الأمن عن الوضع المتردي في الجنوب، حيث عصابات التهريب والنهب والابتزاز الوافدة إلى ليبيا من دول الجوار، وبدلاً من أن يبارك خطوة الجيش الليبي في تحركه نحو تحرير الجنوب وتطهيره، من الميليشيات والمرتزقة والعصابات، ذهب السيد غسان سلامة إلى تمجيد نفسه وبعثته حول «إنجازات» لا وجود لها إلا في المخيلة، إذ زعم أن أزمة شُح السيولة النقدية قد حلت وانتهت، وقال: «إن ماكينات الصرف الآلي للنقد تعمل في ليبيا»، ونسي سلامة أن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا إذا كان سلامة قد اختزل ليبيا في فنادق طرابلس، وليس حتى طرابلس المحتلة والرهينة للميليشيات منذ سنوات، من دون أن يأتي سلامة على ذكرها.
إحاطة سلامة كانت تفتقر للحقيقة والواقعية، بل إنها ظهرت منحازة لفريق السراج «حكومة الوفاق»، في حين تجاهل الرفض الشعبي، بل حتى بين أعضاء المجلس الرئاسي للسراج، بعد استقالة ثلاثة أعضاء، هم عضوان من برقة وثالث عن فزان، انضم إليهم في المعارضة السياسية عضوان آخران، هما معيتيق وكجمان، وجميعهم يشكون من انفراد السراج بالسلطة والقرار، في مخالفة صريحة لاتفاق «الصخيرات»، ويطالبون بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، فكل هذا غاب في إحاطة سلامة لمجلس الأمن.
أيضاً في الإحاطة غير المنصفة، استخدم سلامة تسميات وكلمات قابلة للتأويل بأكثر من وجه، الأمر الذي خالف فيه المهنية، لمبعوث دولي يجب أن تكون تقاريره محددة الألفاظ والكلمات من دون أن يكون لها تفسيرات متضاربة، حيث وصف ملاحقة الجيش الليبي لبقايا جيوب تنظيم القاعدة في مدينة درنة بـ«النزاع بين الأطراف»، في حين هي ملاحقة قوى رسمية، هي الجيش الليبي، لمجموعة وبقايا تنظيم دولي مرتزق، أثبت الجيش صدق كلامه وبياناته حول من يقاتلهم في درنة، بالقبض على الإرهابي الدولي المصري عشماوي، والليبي زغبية، وقتله المصري سرور، وجميعهم مطلوبون في قوائم الإرهاب الدولية تم القبض عليهم في درنة، بينما كان يصفهم أعضاء في حكومة السراج ومجلس الدولة بـ«الثوار والمجاهدين»، وغابت تفاصيلهم في إحاطة سلامة، مما يؤكد انحياز سلامة لطرف كان بالأمس القريب يجاهر بدعم إرهابيين تحت مسمى «ثوار».
عشية إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن، استطاعت قوات الجيش الليبي المتقدمة في الجنوب قتل الإرهابي الدولي والقيادي البارز في تنظيم القاعدة عبد المنعم سالم خليفة، المكنّى «أبو طلحة الليبي»، والذي فشلت أميركا وفرنسا في قتله أكثر من مرة، في حين قام الجيش الليبي في أقل من 24 ساعة من تقدمه في الجنوب بقتل أبو طلحة، وأظهر صور جثته للصحافيين للتأكيد، لكن إحاطة السيد سلامة تجاهلت ذلك، والتي قدم إياها من طرابلس.
أظهرت الإحاطة أيضاً التمجيد لـ«الإصلاحات» الاقتصادية، والتي نسبها لنفسه وبعثته، وهي في الواقع شرعنة صرف أموال بالمليارات من خزينة شعب من دون أن يصدر فيها قانون من البرلمان أصلاً، أو حتى وجود رقيب، كما تقتضي إجراءات الرقابة الاقتصادية، ما سيجعل سلامة والبعثة الدولية مساعداً في أي عمليات إهدار لهذه الأموال، التي يصرفها محافظ المصرف المركزي المقال بقرار من البرلمان، لحكومة لم تمنح الثقة من السلطة التشريعية، ولم تقف منذ مباشرة مهامها أمام البرلمان الشرعي المنتخب، ما يجعل السيد سلامة المبعوث الدولي مسؤولاً عن هذه المخالفات التي يشرعنها ويصمت عليها ويتجاهلها في إحاطته.
سلامة الذي يحاول القفز على الأجسام السيادية بالتوجه نحو «المؤتمر» الجامع، الذي لا تزال تفاصيله غائبة حتى في إحاطة سلامة.
ليبقى السؤال: هل أحاط سلامة بالقوم أم أحاطوا به؟