ثياب كاترين دينوف بالمزاد العلني في باريس لدى «كريستيز»

أواسط خمسينات القرن الماضي، ظهرت على الشاشة الفرنسية ممثلة صغيرة ذات شعر أسود، تحمل اسم كاترين دورلياك. ثم صبغت شعرها واختارت لقب دينوف وصارت أشهر شقراء بين نجمات السينما في فرنسا. في الفترة نفسها وصل إلى باريس من وهران خياط فتى يدعى إيف ماتيو، وجد عملاً لدى «المعلم» كريستيان ديور وأصبح ذراعه اليمنى، قبل أن يستقل عنه ويفتح داراً لتصميم الأزياء تحمل اسمه: إيف سان لوران، سرعان ما حققت شهرة عالمية. وكان من الطبيعي أن تلتقي الممثلة الصاعدة بالمصمم الفنان وتصبح ملهمته الأولى. وخلال أكثر من نصف قرن، صمم لها سان لوران العشرات من البدلات والفساتين والمعاطف التي ارتدتها في أفلامها، أو في حياتها خارج الشاشة.
بعد ظهر الخميس المقبل، وفي مزاد علني، ستتفرق 268 قطعة من الثياب التي احتفظت بها كاترين دينوف في خزائنها، ليتخاطفها عشاق الفن والخياطة الراقية. وقبيل المزاد تسنى لـ«الشرق الأوسط» الاطلاع على مجموعات الثياب والأحذية والحقائب والقبعات التي ستعرض للبيع، مع تقديم لفرنسوا دو ريكليس، رئيس «كريستيز» في فرنسا، الذي وصف هذا البيع بأنه الحدث الذي تفتتح به الشركة عامها الجديد. أما دومينيك دوروش، مديرة العلاقات العامة السابقة للمصمم والتي تعتبر الذاكرة الحية لدار سان لوران، فقالت إن كلاً من المصمم والممثلة كان عنواناً لفرنسا في العالم.
جرى أول لقاء بين الممثلة والمصمم في عام 1965، يوم ذهبت إليه وفي يدها قصاصة اقتطعتها من مجلة «فوغ» وفيها صورة فستان للسهرة من عرض سابق له. كان لديها موعد مهم في البلاط البريطاني وقد نصحها زوجها، آنذاك، المصور ديفيد بايلي، بأن تختار زياً من الخياط الشاب الذي صار حديث كل الأنيقات منذ أن افتتح داره الخاصة قبل 3 سنوات من ذلك التاريخ. قالت دينوف لسان لوران: «أريد مثل هذا الفستان». ومنذ ذلك اللقاء الأول جرى شيء يشبه السحر بينهما. صارت ملهمته وصار حارس أناقتها.
في العام التالي، قامت دينوف بواحد من أهم أدوارها السينمائية في فيلم «جميلة النهار» للمخرج لوي مال. وكان سان لوران هو الذي صمم لها التايورات والمعاطف الأنيقة التي ظهرت بها في الفيلم. وتذكر دوروش أن اعتماد النجمة الفرنسية على مصمم شاب كان يعني الكثير بالنسبة لدار تخطو خطواتها الأولى. فقد جاءت تصاميمه لها جميلة وطبيعية وتتماشى مع شخصيتها بحيث وجد فيها خير سفيرة للدار، ومع تقدم الاثنين في سلم الشهرة صارا سفيرين لفرنسا.
حتى النهاية، حافظت دينوف على وفاء نادر لسان لوران وشريكه بيير بيرجيه. واستمرت الصداقة بينهم عقوداً طوالاً، ولم يكن يفوتها أي عرض من عروضه. ومن جانبه كان يخصص لها أفضل مكان أمام المنصة التي تتهادى عليها العارضات، بجوار الأميرات وقرينات الزعماء وكبيرات محررات الموضة. والمكان الأفضل في عروض الأزياء هو الصف الصغير الذي يحمل عادة الحرف «سي»، ويتألف من كراسي معدودة تقابل العارضات عند ظهورهن على المسرح، وتتركز عليها أضواء المصورين. وأحياناً كانت دينوف تفضل الجلوس في الصف الجانبي الذي يحمل الحرف «أي»، لا سيما إذا كان هناك أصدقاء لها في الجوار. ولديها صورة شهيرة وهي بجانب الفنان الأميركي آندي وارهول الذي لم يكن يتحرك من دون مرافقيه.
في المناسبات الكبرى، كانت المصمم يظهر وهو يتأبط ذراع النجمة الشقراء. فقد ترافقا سوية عندما لبيا دعوات العشاء التي أقامها الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، ولدى ارتيادهما الحفلة التي أقيمت في دار الأوبرا بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس دار سان لوران. وفي الفيديو المسجل لتلك المناسبة نرى المصمم متردداً وخجولاً أمام الإطراء ويوشك على الهرب من الأضواء، خصوصا أنه كان يعاني من المرض، لكن دينوف كانت تمسك به وتدعمه وتشجعه على مواجهة المحتفلين به. أما المناسبة الأشهر فكانت حين ظهرا سوية في «ستاد دو فرانس» أثناء بطولة كأس العالم بكرة القدم لعام 1998، وعكست الشاشة العملاقة صورتهما وهما يشجعان المنتخب الفرنسي في مباراة الختام.
في 2002، قدم سان لوران آخر عرض لأزيائه في متحف «بومبيدو». وكالعادة، كانت كاترين دينوف يقف بجواره مرتدية بدلة «السموكينغ» السوداء التي صممها لها. ولما وقفت الممثلة الشابة ليتيسيا كاستا لتغني، خطفت النجمة المكرسة مكبر الصوت وأنشدت معها: «أجمل قصص حبي هي أنت». إنه الخياط الفرنسي المولود في الجزائر الذي قدم لها أحلى الفساتين التي تألقت بها على السجادة الحمراء في مهرجان «كان»، وفي حفلات جوائز «سيزار»، وفي أدوارها على الشاشة، بحيث أنها لم تعد تعرف كم ثوباً تملك من توقيع سان لوران.
أودى المرض بالمصمم وتراجعت أسطورته. بيع اسمه إلى شركات أخرى ودخلت تصاميمه متاحف الموضة في العالم. وها هو أكبر مزاد من نوعه للثياب التي اعتنى بتصميمها يوشك أن يبدأ في باريس. إن توقيعات كبار المصممين لا تذهب سدى. وتصاميمهم مثل السجاد العجمي، ترتفع قيمته مع الزمن، والأسعار المقدرة للمزاد هي بالآلاف، ذلك أنها فساتين استثنائية رسمها فنان استثنائي لامرأة استثنائية. وهي ستذهب لتستقر على أجساد شابات يحببن عطر التاريخ.