مصر: انطلاق النسخة الثالثة من «كنوز متاحفنا» بقصر عائشة فهمي

عرض مقتنيات نادرة من ملامح عهد أسرة محمد علي

قصر عائشة فهمي يطل على النيل بالزمالك
قصر عائشة فهمي يطل على النيل بالزمالك
TT

مصر: انطلاق النسخة الثالثة من «كنوز متاحفنا» بقصر عائشة فهمي

قصر عائشة فهمي يطل على النيل بالزمالك
قصر عائشة فهمي يطل على النيل بالزمالك

في مطلع القرن العشرين، شيّد الشاب الأرستقراطي علي فهمي، قصراً في حي الزمالك، أحد أعرق وأرقى أحياء القاهرة، وإلى الآن يقف القصر الذي يحمل اسم شقيقته (عائشة فهمي)، بعدما انتقلت ملكيته إليها عقب وفاته، بطرازه المعماري المتفرّد، وإطلالته المميزة على نهر النيل، وسط الأبنية الكلاسيكية والبيوت القديمة.
ويستعد القصر حالياً لاستضافة حدث فني ضخم في 27 يناير (كانون الثاني)، وهو افتتاح معرض «ملامح عهد» الذي سيضم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المتفردة من مقتنيات أسرة محمد علي باشا بمصر، وهو المعرض الثالث في إطار سلسلة معارض «كنوز متاحفنا الفنية»، التي انطلقت مع إعادة الحياة للقصر بعد ترميمه وافتتاحه في 2017.
الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن للزائر أن يطلع على مجموعة من الأعمال الفنية ذات القيمة الإبداعية المتفردة، والخصوصية التاريخية اللافتة، حيث يتضمن المعرض مقتنيات لأبناء أسرة محمد علي، وهي أعمال يتم عرضها على هذه الصورة للمرة الأولى على الإطلاق».
من جانبه، يقول الفنان إيهاب اللبان، مدير قصر عائشة فهمي (مجمّع الفنون) لـ«الشرق الأوسط»: «منذ آلَتْ ملكية القصر إلى هيئة الفنون والآداب المصرية عام 1976، وأُطلِق عليه اسم (مجمع الفنون)، وهو يقدّم أهم المعارض الفنية في مصر على الإطلاق، ويُعدّ المؤشر الحقيقي لحركة الفنون التشكيلية المصرية، وقد استقبل القصر على مدى تاريخه عدداً من العروض العالمية المهمة لفنانين دوليين عظماء، مثل فان غوخ وبيكاسو ورينوار ورودان».
وأضاف: «أسهم القصر بدوره في تحقيق حراك ثقافي وفني على مدى أجيال متعاقبة من الفنانين الذين أصبحوا يمثلون قوام الحركة التشكيلية المصرية».
وتابع: «رغم إغلاق قصر عائشة فهمي لسنوات، فإنه استطاع أن يعود بقوة منذ نحو عام، ليقف شامخاً، ويزوره خلال عام واحد آلاف الزائرين من عشاق الأصالة والعمارة والفنون، لا سيما أن القيمتين الفنية والتاريخية للقصر فرضَتا أسلوباً وفلسفة خاصة للفعاليات التي يحتضنها، ومن أبرزها سلسلة معارض (كنوز متاحفنا) التي انطلقت مع إعادة افتتاحه».
ويوضح: «سلسلة (كنوز متاحفنا) تقدّم أهم المقتنيات الموجودة في مصر سواء لفنانين مصريين أو عالميين، وضمت في نسختها الأولى مجموعة من أهم مقتنيات 11 متحفاً مصرياً، من الفنون الأوروبية والمحلية على السواء، ثم جاءت النسخة الثانية لتضم مجموعة نادرة للغاية من روائع النسيج القبطي والإسلامي في المتاحف المصرية».
وعن معروضات النسخة الثالثة من المعرض الذي يستمر حتى 27 مارس (آذار) المقبل، قال اللبان: «تضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية، ليس لها مثيل في أي منطقة بالعالم، عبارة عن صور نادرة وتماثيل ولوحات كانت تملكها أسرة محمد علي في مصر»، موضحاً أن «المعرض لا يتضمّن أعمالاً فنية فقط، بل يسترجع تمازجَ عددٍ كبير من التحوّلات الاجتماعية، والثقافية، والتاريخية، خلال مرحلة حافلة بالتحولات العالمية والإقليمية والمحلية في مصر، إذ تمثل المعروضات ملامح شخصيات رئيسية بعصر محمد علي في مجالات عدة، وهي في معظمها أعمال نحتية وتصويرية، بالإضافة لبعض الأعمال الفوتوغرافية تم اختيارها وفقاً لما ترتبط به من دلالات وأحداث، وكذلك لما يمثّله بعضها من قيمة فنية وجمالية وثيقة الصلة ببعض مبدعيها من مشاهير الفنانين محلياً وعالمياً». ولفت اللبان قائلاً: «يضم المعرض كذلك مقتنيات شخصية، ومجموعة من الميداليات التذكارية، وبعض قطع الأثاث والأواني، ومقتنيات تذكارية أخرى، ذات صلة بفلسفة العرض وسياقه».
إلى ذلك، يصاحب العرض الجديد تقديم كتاب وثائقي مهم، يسرد تفاصيل الأعمال المعروضة، بجانب دراسة تاريخية ووثائقية، للناقد والمؤرخ الفني الدكتور ياسر منجي، بعنوان «ملامح عهد على مرايا شخوصه»، تتضمن معلومات تاريخية، مدعومةً بالمرجعيات والبيانات والصور التي تُنشَر للمرة الأولى، وتكشف عن مجموعة من الوقائع المهمة المرتبطة بسياق الفن المصري الحديث خلال تلك الحقبة.
وصمم قصر «عائشة فهمي» المهندس الإيطالي أنطونيو لاشاك، على الطراز الكلاسيكي، ويشغل مساحة تبلغ 2700 متر مربع، وأطلق عليه هذا الاسم منذ 1924. وتم نزع ملكيته بقرار جمهوري عام 1958، ليصبح قصراً جمهورياً، ثم صدر قرار آخر عام 1964 بالتحفُّظ على القصر للمنفعة العامة، ليتبع وزارة الثقافة المصرية في النهاية، ويُعرف باسم «مجمع الفنون». والقصر مكوّن من طابقين وسطح، ويضم نحو 12 غرفة، إضافة إلى القاعات والممرات.
وفي الطابق الأول يوجد بهو كبير تتفرع على جانبيه 4 غرف صُمّمت لتشغلها صالونات الاستقبال، وصالة كبيرة صممت لتكون للطعام، وتتزين جدران الغرف والصالات بالحرير الراقي، وأعمال فنية يعود بعضها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لفنانين عالميين. وتتمتع النوافذ الخارجية بفنّ الزجاج المعشَّق بالرصاص، أما الأرضيات فهي من الباركيه المشغول. وقد تم تجهيز الغرف بالطابق الأول لاستقبال الأعمال الفنية التي يحتضنها القصر من حين إلى آخر بأحدث وسائل العرض الفني، بينما توجد في الطابع العلوي مجموعة من الغرف ذات الطابع الأثري.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».