إعادة بناء دور السينما السوفياتية وفق عقلية «السوق» والنمط «الاستهلاكي»

يشكل بعضها إرثاً يروي فن العمارة في عهد الزعيم جوزيف ستالين

هكذا ستبدو دار سينما أنغارا في موسكو  بعد إعادة إعمارها
هكذا ستبدو دار سينما أنغارا في موسكو بعد إعادة إعمارها
TT

إعادة بناء دور السينما السوفياتية وفق عقلية «السوق» والنمط «الاستهلاكي»

هكذا ستبدو دار سينما أنغارا في موسكو  بعد إعادة إعمارها
هكذا ستبدو دار سينما أنغارا في موسكو بعد إعادة إعمارها

تودع العاصمة الروسية موسكو هذا العام نحو 40 داراً للسينما ورثتها عن الحقبة السوفياتية، وتنوي السلطات الحالية «إعادة إعمارها» بغية استعادة دورها الثقافي والاجتماعي في المناطق من المدينة التي يُطلق عليها «أحياء منامة»، أي الأحياء السكنية الكبيرة على أطراف مركز المدينة التي كانت أحياء عمالية، ولا توجد فيها دوائر ومؤسسات حكومية سياسية أو إدارية أو خدمية مركزية. ويدور الحديث بصورة خاصة عن 39 داراً للسينما تنتشر في مختلف أحياء موسكو، شُيد بعضها في الثلاثينيات، وتصنف ضمن «فن العمار في عهد ستالين»، أما الجزء الأكبر منها فيعود إلى الستينيات، وتصنف ضمن «فن العمارة في عهد خروشوف». ومع تنفيذ خطة إعادة إعمارها، تدخل دور السينما في موسكو مرحلة جديدة من حياتها، ضمن رؤية هندسية تتناسب مع تطورات العصر، وتتماشى بصورة خاصة مع نمط الحياة الاستهلاكي الذي بات يهيمن على نشاط الإنسان، ومع الحفاظ على صالات العرض السينمائي، سيتم استغلال كل متر مربع في دور السينما ليقوم بوظيفة «تجارية» ترافقها وظيفة «تثقيفية تربوية».
وقالت مديرية الإعمار في مدينة موسكو على موقعها الرسمي إن 39 صالة سينما قديمة تعود إلى الحقبة السوفياتية، يجب أن تتحول إلى «مراكز جديدة ذكية تلبي احتياجات أبناء الحي». ويعود الفضل إلى الحقبة السوفياتية في ظهور العدد الأكبر من دور السينما الموجودة حاليا في موسكو، ويشكل بعضها إرثاً يروي فن العمارة في عهد الزعيم جوزيف ستالين، ومن ثم تأتي دور السينما في عهد خلفه نيكيتا خروشوف، وتروي مرحلة جديدة من فن العمارة السوفياتية، التي اعتمدت البساطة في التصميم، والتركيز على تشييد المباني بما يتناسب مع وظيفتها. ولهذا يعترض البعض على خطة سلطات موسكو، ويرون أنه يجب الحفاظ على تلك المباني باعتبارها إرثاً يروي مراحل هامة من التاريخ. على المقلب الآخر يقول مؤيدو فكرة إعادة بناء دور السينما القديمة، إن معظمها فقد دوره منذ التسعينيات، لأسباب عدة بينها تراجع الاهتمام بالإنتاج السينمائي بسبب نقص في التمويل في الوقت الذي بدأت فيه عملية الخصخصة، وانتقال كل ما هو متصل بالإنتاج السينمائي ودور العرض من التمويل الرسمي إلى التمويل الخاص. حينها تحولت الكثير من دور العرض إلى مراكز انتشرت فيها أكشاك تجارية، ونوادي ليلية، وتوقف البعض الآخر عن العمل.
وتؤكد مديرية الإعمار في حكومة موسكو أن دور السينما التي يدور الحديث عنها ستحافظ على دورها الثقافي، وستواصل عرض الأفلام، وكذلك ستحافظ على مكانتها بصفتها نواة نشاط اجتماعي، لكن بما يتناسب مع التطورات إن كانت تلك المتصلة بتطوير تقنيات العرض والصوت، وتفرض حاجة بتحديث دور السينما تقنياً، أو تلك المتصلة بالتحول اجتماعيا نحو النمط الاستهلاكي للنشاط الإنساني، تحت تأثير انتشار المراكز التجارية في عالم «السوق». ووفق التصاميم الهندسية الأولية التي شارك في وضعها مؤسسات تصميم عالمية، بينها مؤسسة أماندا ليويت البريطانية، سيكون التصميم الخارجي لدور السينما بعد إعادة الإعمار موحداً تقريباً، بحيث ستكون واجهاتها مغطاة بنوافذ زجاجية ضخمة ثلاثية الشكل، مع السيراميك البلاستيكي. وسيكون السقف قابلا للاستخدام وزرعه ليصبح حديقة خضراء صغيرة فوق المبنى. وأكدت مجموعة (ADG) القائمة على المشروع، أنها ستعمل على تحويل دور السينما إلى مراكز اجتماعية، وتعيد لها مكانتها التقليدية بصفتها نواة نشاط اجتماعي وثقافي في أحياء العاصمة.
ضمن هذه الرؤية تتعاقد المجموعة مع شركاء تجاريين لا يرفضون القيام بمهام إضافية. وعلى سبيل المثال تعاقدت مع شركة لبيع المعدات الرياضية، تقوم إلى جانب العملية التجارية، بتنظيم دروس تدريب رياضي للزوار. أما شركات بيع المواد الغذائية فستقوم بدروس (ورشات عمل) مجانية تعلم فيها كيفية إعداد هذه الوجبة أو تلك. وعندما يتعلق الأمر بصالونات الهواتف النقالة، فإن دورها في الجزء التجاري من دور السينما الجديدة لن يقتصر على بيع البطاقات والهواتف، ويجب أن تكون نقطة تقنية وتفاعلية تنظم أنشطة ترفيهية وتعليمية للزوار. ويتوقع أن تنتهي أعمال إعادة الإعمار تباعاً على مدار عام 2019، الذي سيشهد ظهور دور سينما «قديمة» لكن بحلة جديدة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».