بايدن يقلب التوقعات ويتحدث عن حرية الصحافة في الصين

بكين رفضت تجديد تأشيرات 24 مراسلا من صحيفتي «نيويورك تايمز» و«بلمبيرغ نيوز»

بايدن يقلب التوقعات ويتحدث عن حرية الصحافة في الصين
TT

بايدن يقلب التوقعات ويتحدث عن حرية الصحافة في الصين

بايدن يقلب التوقعات ويتحدث عن حرية الصحافة في الصين

قال نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في 5 ديسمبر (كانون الأول) خلال زيارته للصين في خطاب أمام رجال الأعمال الأميركيين، الذين يعملون ويعيشون بالصين عن حرية الصحافة في المجتمع الديمقراطي: «يزدهر الابتكار حيث يتنفس الناس بحرية ويتحدثون بحرية ويستطيعون تحدي المفاهيم التقليدية وحيث تستطيع الصحف الكتابة عن الحقيقة دون خوف من العواقب».
كان يتحدث على خلفية السياسات الصينية المتشددة حول تقارير مؤسسات الأخبار الأجنبية. ورفضت الحكومة الصينية حتى تاريخه تجديد تأشيرات نحو 24 مراسلا من صحيفة «نيويورك تايمز» و«بلمبيرغ نيوز» بسبب تغطيتهما، مما أثار احتمال طلب إرغامهم على مغادرة الصين بنهاية السنة.
كانت تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أميركي رفيع علانية عن محنة الصحافيين المهنية الذين يحاولون إجراء تقارير كاملة عن الصين.
بينما كان من المشجع تصدر البيت الأبيض لواجهة الجهود المبذولة لضمان الصحافة غير المقيدة، فقد يأخذ المسؤولون الحكوميون البريطانيون كلمات بايدن في الاعتبار، لا سيما وبريطانيا بلد يفترض أنه متقدم ديمقراطيا وحليف للولايات المتحدة.
قبل يومين من تعليق بايدن أجبر الآن روزبريدغر رئيس تحرير مجلة الـ«غارديان» على المثول أمام لجنة برلمانية لاستجوابه حول تغطية الصحيفة لمادة وطنية أمنية سربها إدوارد سنودن خبير المعلومات الأميركي الذي سرب ملايين من الوثائق السرية. وبدلا عن سؤاله كيف استطاعت سيدة في الثلاثين من عمرها في هاواي ليست موظفة من قبل الحكومة البريطانية مباشرة الاطلاع على أسرار حيوية، حاولت اللجنة تخويفه وأثارت مسألة ما إذا كانت الـ«غارديان» باشتراكها مع مطبوعات أخرى في المعلومات المسربة بواسطة سنودن، قد اشتركت في عمل إجرامي. ويبدو أن اللجنة البرلمانية مهتمة بالولاء أكثر من اهتمامها بالمساءلة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه لا يوجد بديل في القانون البريطاني لـ«التعديل الأول» الخاص بالحريات في الدستور الأميركي. وقاطع النائب كيث الذي فاز عن حزب العمال سائلا: «أنا أحب هذا البلد فهل تحبه أنت؟» وصمت روزبريدغر لبرهة بدت وكأنها للتأمل أكثر منها حيرة أن هويته كمواطن أصبحت مثار اهتمام رئيس. ثم رد قائلا: «أعجب لتوجيه هذا السؤال لي ولكن نعم نحن وطنيون وأحد الأشياء التي نحن وطنيون بشأنها هي طبيعة الديمقراطية، طبيعة حرية الصحافة وحقيقة أن باستطاعة المرء في بلده أن يناقش ويعد التقارير عن هذه الأشياء.. أحد ما أحبه عن هذا البلد هو أن لدينا الحرية لنكتب ونعد التقارير ونفكر ولدينا بعض الخصوصية». وأشار روزبريدغر في شهادته أن الصحف في الولايات المتحدة بما فيها الـ«واشنطن بوست» والـ«تايمز» قد توصلت إلى القناعة ذاتها حول المعلومات المسربة، وأن ما كشف ذو أهمية عالمية كبيرة. ولأن الـ«غارديان» شاركت بعض المعلومات المسربة مع الـ«تايمز» فقد تساءل مارك ريكليس أحد أعضاء اللجنة ما إذا كان يجب مقاضاة الـ«غارديان». ورد روزبريدغر: «أعتقد أن ذلك يعتمد على نظرتك للصحافة الحرة».
وقد وضح روزبريدغر فكرته بجلاء «المسألة تثبت ذاتها، إن كان رئيس الولايات المتحدة يطلب مراجعة كل شيء يتعلق بالاستخبارات وجاءت المعلومات عن طريق الصحف ألا يعني هذا أن الصحف فعلت ما عجزت عنه المراقبة والتحكم».
الآن يعلم الجميع أن الـ«غارديان» والـ«واشنطن بوست» نشرتا مقالات في يونيو (حزيران) الماضي أثارت جدلا عالميا حول مراقبة الحكومة لاتصالات المواطنين الخاصة. وقضى بيرتون غيلمان الذي ساعد على كتابة المقال ونشر كثيرا من الأخبار حول تسريبات سنودن أشهرا عصيبة لكنه لاحظ أن روزبريدغر واجه ما يشبه المحاكمة على ارتكابه الصحافة.
على الرغم من جميع الشكاوى حول عدوانية الإدارة الأميركية وتوجيه الاتهام بسبب التسريب فلا تزال الولايات المتحدة مكانا أفضل لكشف الحقائق غير المريحة. ففي نهاية الأمر لم يطرق أحد الباب ليطلب مستندات أو تحطيم أقراص صلبة كما حدث مع الـ«غارديان».
* «نيويورك تايمز»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.