لا يشبه معرض «بلفيدير آرت سبايس» في وسط بيروت أي معارض أخرى في العاصمة اللبنانية اليوم. فلوحاته ومنحوتاته التي يفوق عددها الـ50 قطعة فنية، تخرج عن المألوف في نسيجها وتقنياتها ومواضيعها. فهنا لن تشاهد عيناك أعمالاً زيتية كلاسيكية أو أكواريل مائية هادئة وصوراً فوتوغرافية مطبوعة، بل إنها تشكل حركة تثقيفية طليعية قوامها أفكار فنانين عالميين وصاعدين اتخذوا من الريشة والريزين والبرونز و«الكولاج» وغيرها من التقنيات الحديثة عنواناً لها.
«هدفنا تبادل الثقافات بين لبنان والغرب، ولذلك آثرنا دعوة فنانين عالميين جاءوا من أميركا واليابان وكندا والنرويج وغيرها ليحاكوا فيها اللبنانيين»، يقول عزت هاشم المدير المسؤول عن هذا المعرض لمنظمية آل شمعة ونور جرمكاني. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في المقابل سنحمل أعمال فنانين لبنانيين إلى الخارج لنسلّط الضوء على قدراتهم الإبداعية التي لا تقل أهمية عن المعروضة حالياً».
وكما فلور، وجوناثان بول أكا، وبورين هوانغ، وأوليفيا ستيل، وأميريكا مارتن، كذلك يشارك في هذا المعرض كل من ليني كيلدي، وإسماعيل لاغاريس، وأنطوني هانتر، وشارلز باتريك، ولينو لاغو، وجيمس فيربيكي، إضافة إلى الخطاط السوري عقيل أحمد الذي يعد العربي الوحيد الحاضر في هذه التظاهرة للفن المعاصر.
وفي لوحة بعنوان «وحدة العناية المركزة» يطلّ علينا جوناثان بول آكا بعمل يحمل في ملامحه وحدات المصل الذهبية النافرة، فيشير إلى مدى أهمية ممارسة هواية التسوق لماركات عالمية (برادا وفيراري وغيرها) لأنّها - وحسب رأي الفنان الأميركي - تشعرنا بأننا نتمتع بصحة جيدة. أمّا في لوحة «ميلد تاون» المتمثلة بقطعتين عملاقتين من الحلوى الطفولية (سوسيت)، فيأخذنا الفنان نفسه من خلال منحوتة مزج فيها مادة البليكسي مع الريزين إلى ذكريات طفولة تحفر داخل كل منا، فيسيل لها اللعاب لمجرد رؤية ألوانها اللماعة، لا سيما أن الفنان ترك العنان لخياله بعد أن أذاب سكر هذه الحلوى على أسفل المساحة التي تحملها ليشعر ناظرها بأنّها حقيقية قد يرغب في لمسها.
أمّا النرويجية ليني كيلدي، المختصة بالفنون الصلبة، فلينت المعدن مع الريزين لتقطع معهما رحلة إنسان (بلا رأس) يسيّر إلكترونياً مركبته. والفنانة نفسها قدّمت الإنسان الأنثى، ودائماً من دون رأس على شكل نجمة رقص حافية القدمين تفتخر بحريتها التي ترجمتها بفراشة معدنية فضية ترفعها نحو السماء. ووسط المعرض تلفتك منحوتات لبورين هوانغ من البرونز الأسود والذهبي تمثل حيوانه المفضل ألا وهو الكلب. فمرة يظهره بوفائه، وأخرى بخفة ظلّه، وثالثة في نمنمته مقدماً في ذلك صفات ربما يفتقدها في عالم الإنسان، وأحياناً أخرى يكرم فيها والده الراحل.
ويطبعنا الأميركي تشارلز باتريك ببتلات وروده الملونة الكبيرة الحجم. فهي عبارة عن قصاصات ورقية تعود لصور رسوم متحركة (كوميكس) ألف منها فراشات بأحجام متدنية مشكوكة بعيدان معدنية تشبه إبر الحياكة على مساحة بيضاء لتؤلف لوحة ثلاثية الأبعاد تعكس شكل وردة عملاقة من بعيد، ولتكتشف عن قرب بأنّها مجرد فراشات تحلّق وهي ثابتة بدقة على الكانفاس.
وفي الإطار نفسه يجمع الفنان الكندي جيمس فيربيكي قصاصات من ورق الصحف بالأسود والأبيض وبالألوان، لينثرها بتقنية فن اللصق على مساحة كبيرة تؤلف بشكلها العام لوحة تجريدية تتداخل عناصرها ببعضها البعض وكذلك عناوينها.
ولا تغيب تقنية «النيون» عن المعرض فهي تحضر مع الفنانة التشكيلية الألمانية أوليفيا ستيل التي تستعمل إنارة «النيون» لملء مساحة معينة بمعانٍ تمت بالسخرية والروحانيات معاً. فهي تجمع هذا الضوء الجريء وبأسلوب بسيط مع تلميح إلى الطبيعة.
وفي أعمال الإسباني إسماعيل لاغاريس التي تشدك بألوانها، فهو يمزج ما بين مادتي الريزين والزيت ليصنع منحوتاته ورسوماته النافرة. فتشعر للوهلة الأولى بأنّها منفذة من الريش أو الشّمع، ولتكتشف عن قرب بأنّها من الراتنج المركب واللزج الذي ينعكس حياة تنبض بعناصره اللماعة.
وبخطوط عريضة وملونة بالبرتقالي والأصفر وغيرها، ترسم الفنانة الصاعدة أميريكا مارتن المرأة التي تعتبرها المحور الأساس في أعمالها. وبريشة مغمسة بألوان الأكليريك والزيت نشاهد بطلتها تقوم بمهمات مختلفة داخل لوحة واحدة.
ومع وجوه لينو لاغو التي يرسمها ليعود ويخبئها بتقنية اللصق (كولاج)، تطالعك عيون نساء حائرة ومفكرة على خلفية مالسة بألوان متدرجة.
أمّا عقيل أحمد الفنان العربي الوحيد في المعرض فنجد في أعماله مساحات واسعة لريشة اتخذت من حروف الأبجدية آفاقاً لها بعد أن سلط الضوء عليها لتصبح لغة بصرية بحد ذاتها.
معرض «بلفيدير آرت سبايس»... أعمال فنية معاصرة تحاكي الغد
يشارك فيه 13 فناناً من دول عدة
معرض «بلفيدير آرت سبايس»... أعمال فنية معاصرة تحاكي الغد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة