«عرس الصحراء» في مهرجان دوز التونسية

مشهد للفرسان في المهرجان الدّولي للصحراء بمدينة دوز التونسية
مشهد للفرسان في المهرجان الدّولي للصحراء بمدينة دوز التونسية
TT

«عرس الصحراء» في مهرجان دوز التونسية

مشهد للفرسان في المهرجان الدّولي للصحراء بمدينة دوز التونسية
مشهد للفرسان في المهرجان الدّولي للصحراء بمدينة دوز التونسية

غلب على المهرجان الدّولي للصحراء في مدينة دوز (جنوب تونس) في دورته 51، الطّابع الاحتفالي، في موعد بات يعرف لدى التونسيين بـ«عرس الصحراء» الذي يستقطب الآلاف من الزوار، بعضهم سافر لمسافة لا تقل عن 550 كلم لمواكبة المهرجان والاطّلاع على نمط الحياة في المناطق الصّحراوية بعاداتها الضّاربة في القدم، والبعض الآخر للتمتع بدفء الصحراء خلال هذه الفترة الشتوية الباردة. وتشهد هذه الدورة مشاركة فرق فلكلورية من الجزائر وليبيا وعدد من الدول العربية والأجنبية الأخرى من بينها اليابان.
ويجمع المهرجان طوال أربعة أيام تمتد من 20 إلى 23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بين العروض التراثية التي تجسد بساحة «حنيش»، وهي أكبر مسارح الهواء الطّلق في العالم، إذ إنها تمتد على مساحة 11 كيلومتراً، لوحات من نمط تعايش البدو الرّحل مع الصحراء على غرار القافلة والدولاب والورادة (سقي الماء) ومعركة الفحول (ذكور الجمال)، إلى جانب الصيد بالسلوقي (كلب الصيد) وسباقات المهاري والخيول، وهي فقرات تنشيطية تبهر القادمين من مناطق العمران إلى المناطق الصحراوية، علاوة على عكاظيات شعرية وعدد من المعارض، منها ما هو مخصص للتّمور المميزة لمنطقة دوز، ومنها ما هو متعلق بالصناعات التقليدية، فضلاً عن تنظيم معرض وثائقي عن مهرجان دوز في عيون الصحافة المكتوبة.
ويتضمن معرض الصّحافة المكتوبة نحو 70 مقالاً صادراً في كبريات الصحف العالمية («لو فيغارو» و«فرانس سوار» و«لوموند» الفرنسية على سبيل المثال)، من بينها مقال صحافي هو الأقدم ويعود إلى سنة 1924 صدر في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية حول المهرجان عندما كان يسمى «عيد الجمل»، وهو ما أكّد على عراقة هذا المهرجان.
وبشأن الاهتمام بالماضي وعرض التقاليد الأصيلة للمنطقة الصحراوية، قال سامي بلحاج عبد الله مدير المهرجان إنّ هذه العودة للقديم ترمي إلى مزيد شد زوار الجهة من داخل تونس وخارجها إلى هذا الحدث الثّقافي ذي الأبعاد السياحية والحضارية، والتعريف بما يميز هذه الربوع من إرث تقليدي فريد من نوعه في علاقة الأهالي بالفيافي والمناطق الصحراوية الصّعبة على مستوى العيش والتكيف مع المناخ الصحراوي.
وخلال الأيام الأولى من المهرجان، عبّر عدد من الزوار الذين توافدوا على مدينة دوز عن إعجابهم باللوحات الفنية المرتبطة بحياة الصحراء، وأكّدوا تفاعلهم معها من خلال أنماط تعايش الأهالي مع الصحراء. وفي هذا الشّأن، قالت نبيلة الهمامي، إحدى زوار المهرجان، إنّ جمال المنطقة الصّحراوية لا يضاهى وإنّ أعباء الحياة تجعل من هذه الفسحة خروجاً عفوياً عن نمط الحياة العادية من خلال لوحات فنية خلنا أنّها لم تعد موجودة إلا في كتب التاريخ، على حد تعبيرها. واعتبرت مهرجان الصحراء مناسبة لإعادة اكتشاف جمال تونس وكرم أهل الجنوب.
في السياق ذاته، أكّد محمد الصايم المسؤول الجهوي عن القطاع السياحي على أهمية الإقبال الجماهيري الكبير على مناطق دوز، ما ساهم في بلوغ الوحدات السياحية والمخيمات ودور الضيافة طاقة استيعابها القصوى خلال هذه الفترة، وهي من بين أهم الغايات التي بعث من أجلها المهرجان.
وأضاف قوله إنّ مهرجان الصّحراء في دوز تمكن من إبهار الوافدين بما يبرزه من عمق حضاري ومن تأصل في المكان وتشبث بإرث الماضي، على حد تعبيره.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».